في ظل الأجواء المتوترة التي يمر منها التعليم المغربي،والتي برزت بعض معالمها في مقاطعة الدروس من طرف الأساتذة المتدربين،رفضا للمرسومين المشئومين،فإنما استوقفني التصريح الأخير لخالد برجاوي،الوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني،الذي أكد أن “الجو العام ملائم للاستثمار”،مشيرا إلى أن “الوزارة تسعى إلى تشجيع القطاع الخاص في مجال التعليم،وأن الطلب كبير في هذا الإطار”،وأن قطاع التربية الوطنية يوفر مجموعة من التسهيلات أمام المستثمرين من قبيل تبسيط المساطر الإدارية والقانونية،مردفا أن من ضمن التدابير ذات الأولوية تحسين العرض المدرسي،وذلك عن طريق تأهيل المؤسسات التعليمية،واعتماد المدارس الشريكة التي ستساهم في تطوير النظام التعليمي ببلادنا حسب تعبير الوزير.
ومما لا يختلف اثنان عليه أن المغرب سائر في خوصصة قطاع التعليم،فمنذ سنوات لوحظ سير الدولة بقرارات نحو خوصصة التعليم،لكن الاختلاف في السنوات الأخيرة وخصوصا منذ تقلد بلمختار للوزارة تسارع الخُطا نحو الخوصصة. فسيادة الوزير يحاول جاهدا منذ توليه لمنصبه خلق خلافات مع التلميذ والأستاذ،وكأنه يريد القضاء تماما على المدرسة العمومية،بينما يوطد العلاقات مع القطاع الخاص.
أما هذه السنة فإن بلمختار قام بتجهيز الأساتذة للقطاع الخاص،فأكثر من 10000 أستاذ سيتخرجون من مراكز التكوين ليكونوا عرضة للقطاع الخاص الذي لا محال سيستعرض القوة على هؤلاء لكثرة الطلب وقلة العرض،مقننا بلمختار ذلك بالمرسومين المشئومين.
كما أصر على جعل التعليم فرنسيا تارة وإنجليزيا تارة أخرى وأسبانيا في بعض الأحيان،وكأن التلميذ المغربي ذاهب إلى أوربا أو أمريكا،أو أن العربية هي التي تجعل تلاميذنا متعثرين في بعض المواد،ولكن ما أراه أن الرجل فرنكفوني التوجه،حيث امتنع في عدد من المناسبات الحديث باللغة العربية،بل أكد عدم معرفته بها،والملاحظ أن الفترة التي قضاها الرجل بفرنسا أنسته هويته المغربية،وأنسته طابع الشعب المغربي المتمسك بهويته الأمازيغية والعربية.
وإن كان القطاع الخاص المغربي يمكننا تقبله بدعوى أن المستثمر يظل مغربيا وسيحافظ على هويتنا المغربية،فإن ما يقلق راحة المغاربة هو ما يتم عقده من اجتماعات مع مجموعات اقتصادية أجنبية قصد الاستثمار في القطاع التعليمي،وهو ما سيجعل تعليمنا للبيع في مزاد علني. ومن بين المجموعات الاقتصادية التي بدت الوزارة جدية في فتح الباب أمامها هي مجموعة نجيب ميقاتي رئيس الوزراء اللبناني الأسبق،وهذا ما سيحقق ربما حلم بلمختار بضرب الهوية المغربية فالرجل ناضل من أجل هذا الهدف فابتدأ “بفرنسة” التعليم وكأن أبناءنا لا يفهمون اللغة العربية،أو أنهم قادمون من باريس وبلدان أوروبا إلى أن وجد الوزير حلا لتحقيق مبتغاه،متمثلا في جلب استثمارات أجنبية “لشراء تعليمنا”.
وختاما فرسالتي لسيادة الوزير أن ما يحتاجه التلميذ المغربي هو إعادة الاعتبار لمدرستنا العمومية،فيرد الاعتبار للأستاذ وتستبدل المقررات بأخرى ملائمة للطلبة،وتهيئ الجو الملائم للتلاميذ،عوض التنصل من مهمتك ببيع تعليمنا،فما فائدتك إذا بيعت المدرسة العمومية التي أنتجت خيرة مواطني هذه البلاد،ومازالت تقدم حتى الآن خيرة المواطنين،فالمؤسسة العمومية لم تفلس بعد لتبيعها بمزاد علني.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست