إسرائيل تتخبّط: ما هو السيناريو الأخطر انهيار السلطة أمْ توجهها للمحافل الدوليّة وتأجج الخلاف بين المُستوييْن السياسيّ والأمنيّ وبين وزراء حكومة نتنياهو

آخر تحديث 2016-01-11 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

الناصرة – “رأي اليوم”- من زهير أندراوس:

رأى مُحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة “هآرتس″ العبريّة، عاموس هارئيل، أنّ سبب الاعتقاد الإسرائيليّ الأخير بأنّ انهيار السلطة الفلسطينيّة ليس قريبًا إلى هذا الحد، لا يعود إلى أنّ الخوف من تبدد الرؤية الوطنية لحركة “فتح” يشغل بال رئيس السلطة، محمود عباس، بل لكون أبناء عائلته وأقرباء كبار المسؤولين الآخرين في النظام الحالي، يتمتعون بامتيازات اقتصادية كثيرة.

ونتيجة ذلك، فإنّ انهيار السلطة سيؤدي إلى مصيبة اقتصادية للقيادة الفلسطينية، بجانب عن الخوف من أن يكشف الحكم الجديد كل فساد الحكم السابق. وأضاف إّن الخطر الأساسي لانهيار السلطة، وحتى بنيامين نتنياهو يصف هذا السيناريو بأنه خطير، يكمن في اليوم التالي لما بعد عباس، مضيفًا أنّ الأخير كان يحاول دفع تحالف صغير من بعض مقربيه يتصل بخلافته، بينهم رئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج ومندوبه في المفاوضات السياسية صائب عريقات. لكن المشكلة أنّ نقل الحكم إذا ما حدث في المستقبل سيصطدم بمعارضة قاطعة من مسؤولين كبار آخرين، مثل محمد دحلان وجبريل الرجوب، الأمر الذي سوف يؤدّي إلى اهتزاز استقرار السلطة، كما يرى، مضيفًا أنّ رام الله حاليًا كفقاعة سياسية واقتصادية منقطعة عن الواقع اليومي الصعب الذي يعيشه السكان في مناطق أخرى من الضفة المحتلة، فضلاً عن قطاع غزة.

في كل الأحوال، أضاف هارئيل أنّه عمليًا من الصعب تصديق أن تجري انتخابات ديمقراطية برقابة دولية قريبًا، في ضوء الانشقاق الجغرافي بين الضفة والقطاع والعداء الشديد بين السلطة وحماس. لكن عباس الذي حل محل عرفات عام 2004، يشعر منذ الآن بتآكل مكانته في المؤسسات الفلسطينية وأوساط الجمهور، في أعقاب غياب الانتخابات، وهذه هي العقبة التي ستصير أكثر علواً وملموسة أكثر في المستقبل، عندما يدخل خلفاء عباس إلى الصورة.

ونقل هارئيل عن مصادر أمنيّة في تل أبيب، وصفها بالمطلعّة جدًا قولها إنّه تبلورت إمكانية نشوب توتر معين بين القيادة السياسية والعسكرية، لكون أذرع الأجهزة الأمنية الإسرائيليّة شخصت في الشهر الأخير تغييرًا إيجابيًا مهمًا في أداء السلطة الفلسطينية في المجال الأمني. فقد تراجع التحريض في وسائل الإعلام في المناطق الفلسطينية، والتنسيق الأمني مع إسرائيل تحسّن كثيرًا، ورجال “التنظيم” من “فتح” لا يُشاركون في التظاهرات، ونشطاء الأجهزة الأمنيّة عادوا بأزيائهم إلى مراكز الاحتكاك كي يمنعوا المواجهات بين المتظاهرين والجيش الإسرائيلي ونفذوا حملات اعتقالات لخلايا حماس في نابلس والخليل. ولكن مع ذلك، فإنّ كلّ هذا النشاط الإيجابيّ بعينه بعيونٍ إسرائيليّةٍ، لم يؤد حتى الآن إلى أيّ انخفاض في شدة الإرهاب، الأمر الذي يعني أنّ الخطوات التي تنفذها السلطة لا تؤثر ببساطة في منفذي عمليات الطعن والدهس، وإنْ كان يبدو لها أهمية، فتكمن في منع الانتقال الذي تخطط له حماس من انتفاضة بالسلاح الأبيض إلى انتفاضة مسلحة. وعلى خلفية التحسّن في سلوك السلطة، وفق المنظور الإسرائيليّ، وإلى جانب الخوف من تحقق سيناريو انهيارها، يتعاظم التأييد في الجيش الإسرائيليّ والاستخبارات، لخيار تقديم مبادرات وتسهيلات إلى السلطة، رغم استمرار موجة العمليات.

هنا يدخل الجيش بوعي إلى مستنقع يؤدي إلى الغرق. فنتنياهو لا يؤمن واقعًا باستئناف العملية السياسية، وهو حساس جدًا لكل تنازل من شأنه أنْ يسجل عليه كضعف أو استسلام إزاء استمرار الإرهاب، على حدّ تعبير المصادر. أمّا يعلون، الشريك في الشكوك إزاء احتمالات التقدم في القناة السياسية، فهو مستعد للمخاطرة مع ذلك بمبادرات طيبة. وفي كل الأحوال لم يتخذ أي قرار حتى الآن بشأن هذه المبادرات.

وشدّدّ هارئيل على أنّ  الجيش اكتسب خبرة في إغضاب السياسيين، عندما تجرأ على التلميح إلى أنّ المطلوب عنصر سياسي لإخماد النار. وقال مصدر سياسيّ إسرائيليّ رفيع لصحيفة (هآرتس) إنّ الحكومة ناقشت بشكلٍ مكثّفٍ سيناريو انهيار السلطة الفلسطينية نتيجة الضغط العسكريّ الإسرائيليّ، وتراجع شرعية الرئيس محمود عباس، وتفاقم الأزمة الاقتصادية في الضفة. وتابع قائلاً إنّ نتنياهو دعا إلى الجلسات بعد معلومات بلغته عن نية الفلسطينيين اتخاذ خطوات جديدة ضدّ إسرائيل على الحلبة الدوليّة في أعقاب فشل جهود وزير الخارجية الأمريكيّ جون كيري ببلورة رزمة إجراءات إسرائيليّة لتهدئة الأوضاع.

ومن بين الخطوات الفلسطينية التي تخشاها إسرائيل، تصويت الأمم المتحدة على طلب فلسطيني بتوفير الحماية للفلسطينيين في فلسطين المحتلة، أوْ احتمال إعلان الفلسطينيين إلغاء اعترافهم بإسرائيل. ولفت المصدر عينه إلى بروز تباينٍ حادٍّ بين المستوييْن السياسيّ والعسكريّ، إذْ أعرب قادة الجيش وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) عن قلقهم من الأبعاد العسكريّة والمدنيّة لانهيار السلطة، فيما اعتبر عدد من الوزراء أنّ الانهيار يخدم إسرائيل ويجب العمل على عدم منعه، بداعي أنّ الخطوات الدبلوماسيّة التي قد تقوم بها السلطة على الحلبة الدولية أشد ضررًا من انهيار السلطة، كما أكّد المصدر السياسيّ الإسرائيليّ للصحيفة العبريّة.