سمير عطا الله
ربما، وفقط لغرض الحصر، يمكن تسميتها «الأهداف الطرية». الحرب التي لا جبهات فيها: برج تجاري في نيويورك، فنادق في مومباي، مسرح في باريس، باص في لندن، سياح في مصر، سياح ألمان في إسطنبول. فندق في واغادوغو… إلخ.
مدينة مسلمة. مدينة مشتركة. مدينة بلا هوية، يوم في جاكرتا، شرق آسيا الإسلامي، واليوم التالي في بوركينا فاسو، أفريقيا الغربية. يوم في واحدة من أكبر مدن العالم، ويوم في عاصمة شوارعها ترابية إلى اليوم في أفريقيا. في إسطنبول، استهدف السياح الألمان: تركيا أهم شريكة إسلامية لألمانيا منذ الإمبراطورية العثمانية. يوم استهدف الموظفون الصينيون. الصين ذات أوسع وجود أجنبي في القارة السمراء الآن.
مرة يستهدف السياح في تونس. اليوم التالي يستهدف الروس في مصر. اليوم الثالث يقتل السياح في مسبح فندق تونسي. اليوم الرابع يشل الدخل السياسي في مصر وفي تونس وفي باريس وفي إسطنبول. المطلوب أن ترتعد أوروبا اليوم، كاليفورنيا غدًا، شرق آسيا بعد غد.
الرعب هدف. تدمير اقتصاد الدول، إسلامية وغيرها، هدف. ضرب مفاصل الانفتاح والتواصل هدف. زرع القطيعة بين المسلمين وأهل الدولة المضيفة هدف. لا هوية واحدة أو محددة للقاصد، ولا هوية واحدة أو محددة للمقصود. القاسم المشترك الوحيد بين القاتل والمقتول أنهما لا يعرف بعضهما بعضا. ولا علاقة بينهما. ولا رابط. ولا مكان ولا زمان.
فجأة يلتقيان في لحظة واحدة وموت واحد. المباغتة هي العنوان الآخر لهذه الحرب العدمية: المكان الذي لا تتوقعه، اليوم عاصمة أكبر دولة إسلامية، وغدًا بوركينا فاسو. منفّذ مجزرة باريس راح يتنقل في «المترو» كأنه ذاهب إلى عمله أو عائد إلى بيته. تُظهره الصور واضعًا يديه في جيبي معطفه كي يدفئهما. حاجة القلوب الرقيقة إلى الدفء.
وحده الطبيب الجنائي يتعرف على الجثتين معًا. جثة القاتل وضحيته. ويحول الاثنتين إلى مشرحة واحدة. ويترك لقاضي التحقيق الاستماع إلى الشهود الذين سوف يعيشون بقية أعمارهم مع كابوس لن يشفوا منه: «مشهد رجل يركل جسم رجل ملقى ليتأكد من أنه ميت. وحين يحار، يُطلق عليه رشة إضافية من الرصاص. ويرتاح. لقد أصبح الجسد جثة».