سليمان جودة
الصراحة مع النفس تقتضى أن نقول إن كل الأسباب التي دعت إلى قيام ثورة في 25 يناير 2011، لاتزال قائمة، كما هي، باستثناء فكرة توريث الحكم، التي كانت سبباً أساسياً في تعبئة الناس ضد مبارك.
ولا أريد أن أذهب لأبعد من ذلك، فأقول بأن فكرة التوريث فى حد ذاتها كانت كذبة كبيرة، وأن الطريقة التى تعامل بها مبارك معها جعلت كثيرين ينفخون فيها، إلى أن انفجرت في يوم 25 يناير.. كانت كذبة كبيرة، لأنها عملياً لم تكن ممكنة أبداً، اللهم إلا في حياته، وبما أنه كان قد كرر مراراً أنه سوف يظل يحكم مادام فيه قلب ينبض، فإن تنفيذ الفكرة، بعد رحيله، كان نوعاً من المستحيل، لأسباب نعرفها جميعاً، وأهمها موقف المؤسسة العسكرية منها.
فإذا نحّيناها جانباً باعتبار أنها لم يعد لها وجود، فإن كل ما عداها من أسباب لايزال على حاله، وربما زاد عن حاله قبل خمس سنوات، وهو ما أتمنى أن يكون أهل الحكم منتبهين إليه، وألا يتجاهلوه، أو يتعاموا عنه، لأن هناك مَنْ ينفخ في هذه الأسباب الأخرى، ويضخمها، ويوظفها، تماماً كما كان هناك مَنْ ينفخ في التوريث، ويضخمه، ويوظفه، بكل السُّـبل!
لقد كانت غالبية المصريين ضد فكرة الخروج إلى الشوارع والميادين، صباح أمس، وكان الذين حرضوا على الخروج، مُسبقاً، يعرفون أنهم لو خرجوا فسوف يجدون أنفسهم وحدهم، وسوف يجدون أنهم عرايا من أي مساندة جماهيرية حقيقية في أي ميدان، غير أن هذا ليس معناه أن الجماهير العريضة ليس لديها شيء يدعوها إلى الثورة، أو إلى الخروج.. بالعكس.. إن لديها الكثير، بل لديها الأسباب نفسها التي أخرجتها في 25 يناير 2011، وزيادة، ولكن ارتيابها في أهداف الداعين إلى الخروج تارة، ومللها من الخروج والثورة، تارة أخرى، ثم ميلها تارة ثالثة إلى أن تنتظر، وتعطى الرئيس والحكومة فرصة.. كل ذلك دعاها، ويدعوها، إلى أن تجلس في مقاعد المشاهدين، وتتفرج، لعل الحال يصبح أفضل!
ولأنني أعود كثيراً إلى الكلمة القصيرة التي كان الرئيس قد ألقاها، يوم استقال من منصبه كوزير للدفاع، وأعلن ترشحه للرئاسة، فإنني أدعوه صادقاً إلى أن يعود إليها، ليقرأها.. إنها كانت بمثابة برنامجه في الحكم، عندما يفوز، وقد فاز، وتكاد رئاسته تقترب من عامين، دون أن تجد أفكار تلك الكلمة طريقها إلى التنفيذ، وأظن أن ترجمة ما فيها إلى أشياء عملية كفيلة جداً بقطع الطريق على كل الذين يحلمون بثورة جديدة.. انتبهوا، لأن عدم خروج الناس، على شاكلة 25 يناير، ليس معناه أن دواعي الغضب غير موجودة، فهي موجودة، وضاغطة، وضغطها يزيد!