بعد أن عاش عناصر حركة “خدمة” التي تطلق عليها أنقرة وصف “الكيان الموازي”، فترة من الهدوء الحذر، عادت تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الأخيرة، لتجدد التضييق على الحركة وتعيدها إلى واجهة المشهد السياسي الداخلي.
وشدد أردوغان مؤخراً على ضرورة مكافحة الكيان الموازي، كأولوية من أولويات وظائف هيئة رقابة الدولة، كما أصدر أردوغان توجيهات لتفتيش جميع المؤسسات للتحقق من وجود أفراد منتمين للكيان الموازي فيها تمهيداً لإحالتهم إلى القضاء.
وخلال الشهور الأخيرة، وتحديداً عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في الأول من (نوفمبر/ تشرين الثاني) الماضي، ساد في وسائل الإعلام التركية المقربة من أردوغان، صمتٌ غير مسبوق، إزاء منتسبي حركة “خدمة” التابعة لشيخ الدين المعارض محمد فتح الله غولن، بعد أعوام من العداء واتهام الحركة بمحاولة خلق دولة داخل الدولة.
وكانت وسائل الإعلام الموالية لأردوغان، قد دأبت – منذ ظهور فضائح الفساد التي طالت مسؤولين بارزين في الحكومة يوم 17 (ديسمبر/ كانون الأول) من العام 2013م – على نشر تقارير يومية تناصب فيها العداء لحركة “خدمة” وتشهّر بمنتسبيها، وتنقل أخبار الاعتقالات والفصل والنقل، التي طالت الآلاف من الموظفين ورجال الشرطة والقضاة وعناصر الجيش، المتهمين بالانتساب للحركة.
وتتهم الحكومة التركية حركة “خدمة” بالخيانة والتنصّت على مسؤولي الحكومة، والتغلغل في مفاصل الدولة والبلديات والقضاء والشرطة والجيش، كما تتهم منتسبيها بالقيام بمحاولة انقلابية.
وأصدر القضاء التركي، مطلع العام 2015، مذكرة اعتقال بحق زعيمها، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، ويؤكد عناصر الحركة على أنها ليست تنظيماً سياسياً، بل يصفون أنفسهم، بأنهم مجرد متطوعين للأعمال الخيرية، وتقديم الخدمات المدنية للمجتمع.
في حين يتهم مناصرون لأردوغان الحركة بـ “الباطنية” والعمل سراً لإفشال حكومة حزب “العدالة والتنمية” وأردوغان، الذي يناصب غولن العداء بعد أعوام من العزل السياسي، شكل الزعيمان الإسلاميان خلالها جبهة من المتدينين، لمواجهة التيارات العلمانية والليبرالية واليسارية في البلاد.
وتُعدّ حركة “خدمة” امتداداً لتيار “النورسيين” الصوفي، الذي أسسه الشيخ سعيد النورسي، المعارض لمؤسس الدولة الحديثة مصطفى كمال أتاتورك ونهجه العلماني، في عشرينيات القرن الماضي.
ودعم “النورسيون” أردوغان، خلال تأسيسه لحزب “العدالة والتنمية” عام 2001، وحرصوا على التغلغل في مؤسسات الدولة؛ السياسية منها والاقتصادية والعسكرية، والقضائية والأمنية، قبل أن يدب الخلاف مع أردوغان.
وتُعتبر حركة “خدمة” من الجماعات المؤثرة في المعارضة التركية، ويدّعي غولن أن عدد أتباع حركته يصل إلى مليون شخص على الأقل؛ من بينهم قادة كبار في سلكَي الشرطة والقضاء، وتدير الحركة مدارس ومؤسسات خيرية في أنحاء تركيا وخارجها.