بعد مرور 28 سنة على انطلاقها و10 سنوات على سيطرتها في غزة ما زالت حماس تحظى بتأييد كبير في اوساط الجمهور الفلسطيني وتلقي بظلها على المنطقة كلها

آخر تحديث 2016-01-29 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

بقلم: يوم طوف ساميا

ستحتفل حماس في هذا الشهر بالذكرى الـ 28 على انطلاقها. وستحتفل في نهاية الشهر بذكرى مرور عقد على صعودها الى “الملعب السياسي بانتخابات ديمقراطية”، الامر الذي شكل الخطوة الاولى في سيطرتها على قطاع غزة. فقد انتهى ذلك خلال 18 شهرا من المواجهة مع فتح وحكومة السلطة، وانتهى بقتل أكثر من 100 ناشط في الطرفين معظمهم من فتح. وشمل ذلك التعذيب والقاء جثث ضباط فتح من فوق المباني وسرقة اموال عامة وطرد الكثير من مؤيدي فتح الى مناطق السلطة والدول العربية.

قد تكون سيطرة حماس هي اللوزة التي بشرت بـ “الربيع العربي” الذي اندلع بشكل عاطفي بعد ذلك بست سنوات. اغلبية الدول التي حاولت فيها الجماهير إحداث الربيع العربي، تغرق الآن في العنف أكثر من السابق. في مصر، بعد عامين من سلطة الاخوان المسلمين، نشأ نظام عسكري قمعي متجدد. في ليبيا الفوضى شاملة. اليمين والبحرين منقسمة في صراعات قبلية. فقط في تونس الديمقراطية تناضل على وجودها. واستمرار الفشل في تحويل العراق الى ديمقراطية. العملية في غزة كان يفترض أن تشكل ضوء تحذير للغرب: عند الضغط من اجل اجراء العملية الديمقراطية في العالم العربي، قد تكون النتيجة نظام اسلامي متطرف احيانا وغير ديمقراطي في طبيعته.

حماس هي الاحرف الاولى لـ حركة المقاومة الاسلامية. حماس تعني ايضا “تهييج”. منذ بداية طريقها في كانون الاول 1987 طلبت الحركة القضاء على اسرائيل. وهذه الحقيقة الاساسية لم تتغير ايضا حينما بدأت الحركة عملها كتنظيم سياسي. النقطة الغريبة هي أن اقامة حماس قد حظيت بدعم جهات اسرائيلية في الاجهزة الامنية نظرا لكونها تشبه منظمة الصدقات، وتم اعتبارها نقيض لفتح. ميثاق حماس اليوم يقول إن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هو صراع ديني بين المسلمين والكفار اليهود، وإنه لن يكون أي تنازل عن ارض فلسطين لأن هذه الارض مقدسة.

عشر سنوات هي بلا شك مدة كافية لتحليل انجازات واخفاقات التنظيم في السلطة، سواء كان ديمقراطيا أو ديكتاتوريا أو ثيوقراطيا أو أي دمج بينها. لأنه لا يوجد فصل واحد بين الدين والدولة. إنها ايضا فرصة من اجل تقييم النظرة الاسرائيلية في سياستها تجاه حماس.

سنحاول رؤية الامور من وجهة نظر المواطن في غزة. سنسميه محمد محمود اكرم زيتوني الذي هو في بداية العقد السابع من حياته ويعيش في حي الزيتون في شرقي المدينة. من الواضح أنه يتذكر الحياة في ظل النظام المصري حتى جيل 13 سنة. ومنذ 1967 وحتى 1994 حيث كان عمره 40 عاش تحت النظام الاسرائيلي. واذا أراد محمد “تصفية الحساب” بعد عقد من حكم حماس، فيمكنه مثلنا المقارنة بين العقود الثلاثة الاخيرة التي مرت عليه وعلى عائلته.

العقد الاول بين 1984 – 1994 حينما فرضت اسرائيل النظام العسكري الكامل في قطاع غزة. الثاني في اعقاب اتفاقات اوسلو وأساسها “غزة وأريحا أولا” – بين 1994 – 2005 – وهو العقد الذي سيطرت فيه السلطة في قطاع غزة برئاسة عرفات. والثالث هو العقد الذي سيطرت فيه حماس على القطاع منذ 2006 وحتى الآن.

       الفرصة التي تم تفويتها

إن تنفيذ الانفصال في آب 2005 عانى من ثلاثة أخطاء اساسية تناقض بعضها البعض. الخطأ الاول هو ترك الحدود بين غزة وسيناء، التي تسمى فيلادلفيا والتي ربطت غزة بمصادر السلاح من النوعية التي لم يستطيعوا حتى ذلك الحين ادخالها عن طريق الانفاق الصغيرة. منذ اكمال الانسحاب الاسرائيلي من سيناء بناء على اتفاق السلام مع مصر في 1982، تحول شبه الجزيرة الى منطقة يسيطر عليها مهربو السلاح والمتفجرات وتجار البشر والمخدرات. ايضا بعض الانفاق الصغيرة التي كانت خلال سيطرة الجيش الاسرائيلي في فلادلفيا، تحولت الى مئات الانفاق الواسعة التي يمكن لجمل محمل وصناديق سلاح وذخيرة أن تتحرك فيها وايضا الصواريخ التي وصلت عادة من ايران.

حينما نشرت عشية الانفصال خطة تدمير 7 آلاف وحدة سكنية في غوش قطيف، اقترحت تطبيق صيغة تقضي ببقاء الجيش الاسرائيلي في فلادلفيا والقيام بانشاء منطقة فاصلة بعرض 800 متر ونقل 4 آلاف عائلة فلسطينية من المنطقة الى المنازل التي سيتم اخلاءها في غوش قطيف مقابل اخلاء المناطق المكتظة التي يعيشون فيها. آمنت في حينه وما زلت على قناعة أن هذا العمل سيمنح السيطرة على الحدود وسيمنع ادخال السلاح الثقيل والمتفجرات الى القطاع. الامر الذي سيضمن أن كل مواجهة مستقبلية ستكون مقتصرة على السلاح الخفيف وأن يكون تأثيرها على الطرفين جانبيا مقارنة مع الصواريخ التي أطلقت على اسرائيل وقصف القطاع بآلاف الاطنان كرد اسرائيلي.

اعتقد مستشارو شارون عكس ذلك، وقدموا له توصية باخلاء فيلادلفيا. وبعد أقل من سبعة اشهر على الانفصال  سقط قرب عسقلان الصاروخ الاول من نوع غراد 122 ملم. أما الباقي فهو تاريخ لآلاف الصواريخ من طرف واحد وآلاف الاطنان من المتفجرات من الطرف الثاني، بما في ذلك عمليات مركزة قتل فيها أكثر من 4 آلاف شخص، هذا دون أن نذكر مليارات الشواقل التي تكبدها الطرفين بدل استثمارها في تطوير الاقتصاد.

إن من يزعم أن بقاء الجيش الاسرائيلي في فيلادلفيا كان سيُسبب الاصابات سأُجيبه بطريقتين: الاولى هذه هي بالضبط الاحرف الاولى لـ “تساهل”، جيش من المفروض أن يدافع عن دولة اسرائيل ومواطنيها. وبالطريقة الثانية سأطلب منكم الربط بين نتائج الحاق الضرر باسرائيل على مستوى المصابين ومكانتها الدولية، والنتيجة في الطرف الفلسطيني، بدء من صعود حماس ومرورا بالمصابين والدمار والكراهية والتدهور الاقتصادي وابعاد فرصة الاتفاق لعشرات السنين.

الخطأ الاساسي الثاني في الانفصال كان عدم ايجاد صيغة للعبور بين غزة واسرائيل، بين غزة ويهودا والسامرة، والبضائع من ميناء أسدود الى قطاع غزة. صيغة كهذه كان يمكنها اعطاء سكان القطاع الشعور بالحرية وانتهاء فترة السيطرة الاسرائيلية بدل الانفصال المطلق عن العالم. خطوة كهذه كان يمكنها مثلا ايجاد تواصل مع ميناء أسدود وتأجير رمزي لوزارة المواصلات الفلسطينية لعشر سنوات وبرقابة اللجنة الامنية المشتركة التي كانت تعمل بشكل جيد منذ تأسيسها في 1994.

في المقابل كان يجب على اسرائيل تشجيع مبادرة اقامة الميناء في غزة من قبل جهة دولية، الامر الذي كان على جدول الاعمال منذ سنوات بين الدول المانحة وبين السلطة واسرائيل. كان على اسرائيل الاعلان – بشكل أحادي الجانب – أنه اذا نجحت فكرة التواصل مع أسدود وأن الطرف الفلسطيني اذا لم يستغلها لادخال السلاح فسيبدأ بناء الميناء في غزة. الامر الذي كان سيؤدي الى الشعور بالحرية والأمل وكذلك النمو الاقتصادي واستمرار سلطة فتح في القطاع ايضا.

الخطأ الثالث. بعد الانفصال كان عدم تغيير سياسة الحرب ضد الارهاب الغزي. سواء على المستوى السياسي في تحديد اهداف الحرب، أو على مستوى العمليات الكبيرة (الرصاص المصبوب، عمود السحاب والجرف الصامد). وايضا تغيير الاقتراحات من المستوى العسكري منذ ذلك الحين وحتى الآن. كان من المفروض التعامل على أن “صاحب البيت جُن جنونه”، حيث أن الحرب ضد حماس كان يفترض أن تكون مقرونة بالمبادرة الى الهجوم والاعمال المانعة وليس فقط الاعمال المتسرعة ردا على العمليات والاطلاق ضد اسرائيل.

لقد اختارت السلطة بعد الانفصال، ومن بعدها قيادة حماس في غزة والخارج، انتهاج خط تصعيدي ضد اسرائيل بزعم استمرار الاحتلال رغم عدم وجود أقدام اسرائيلية على الارض باستثناء العمليات والاقتحامات التي كانت ردود متأخرة على سلسلة عمليات أو اطلاق متقطع على السكان الاسرائيليين حتى تل ابيب.

الطريق المسدود الحالي وصلنا اليه في ظل غياب خطوات جوهرية تضاف الى الانفصال أحادي الجانب، اضافة الى عدم الفهم أن الردع التقليدي ضد الدول لا ينطبق على المنظمة الارهابية. أكثر من 60 سنة من المواجهات مع الفلسطينيين هي فترة كافية كي نتعلم أن هذه الاستعراضات أمام منظمات الارهاب تكون نتيجتها عكس الردع.

إذا ما الذي حصل عليه محمد زيتوني؟ عقد من الشعور بالسجن وتراجع مستوى الحياة وأيضا يبدو أن أبناءه أُجبروا على العمل في حفر الانفاق الهجومية. والانفاق الهجومية من حي الزيتون باتجاه ناحل عوز. إذا لمن يتوجه محمد زيتوني؟ في هذه المرحلة لن يتوجه ضد حماس التي تنجح بواسطة القمع في الدعاية والتحريض، في اقناعه أن اسرائيل هي المسؤولة الوحيدة. ايضا مصادرة وسائل البناء من محلات مواد البناء وتأميم جميع محلات الحدادة في منطقته، لم تجعل زيتوني يفهم الأولويات فيما يتعلق برفاهه الشخصي ورفاه الشعب الفلسطيني في الجيل الحالي وتطبيق طريق حماس.

       الاقتصاد كذخر استراتيجي

في ظل وجود الاحتلال أو عدم وجوده فان المصلحة الاستراتيجية لاسرائيل تقضي بوجود اقتصاد قوي في السلطة الفلسطينية. إن حجم الاقتصاد الفلسطيني هو 4 في المئة قياسا بالاقتصاد الاسرائيلي. ومن خلال تقرير للبنك الدولي في الربيع الماضي يتبين أن نسبة البطالة في غزة وصلت الى 50 في المئة، وفي اوساط الشباب وصلت الى 60 في المائة. وأن وضع الاقتصاد الفلسطيني سيتدهور أكثر بناء على هذا التقرير، بسبب الحواجز في اسرائيل ومصر والحروب المتكررة والخدمات المتدنية.

تخيلوا وضع الاقتصاد الفلسطيني بدون العقد الاخير المملوء بالدماء والتفجيرات. الآن تخيلوا الاقتصاد والسياحة في اسرائيل بدون “رصاص، سحاب، صامد”، والعمليات الثماني التي كانت قبلها وخلالها. الامر لا يؤثر على غزة فقط. فنحن نشاهد الضرر في الاقتصاد والسياحة في كل مناطق السلطة واسرائيل بعد كل مواجهة. 90 في المئة من اقتصاد بيت لحم وشرقي القدس مثلا يعتمد على السياحة المشلولة لعدة اشهر بعد كل مواجهة في غزة.

الدول المؤيدة للسلطة تزعم أن 38 مليار شيكل من اموال الدعم التي منحها المجتمع الدولي تم ابتلاعها دون أن ينشأ مصنع جدي واحد. إن فحص الدول المانحة أظهر أن معظم العاطلين في الضفة يحصلون على الأجر من السلطة بما في ذلك موظفون في السلطة يجلسون في بيوتهم. وأكثر من ذلك، بعض الأسرى في السجون الاسرائيلية يصل راتب الشخص منهم احيانا الى 15 ألف شيكل شهريا. هذه الحقائق تؤكد ضعف الرقابة الدولية على ما يحدث في السلطة عموما وعند حماس خصوصا.

السؤال المطروح الآن هو هل ستأتي النجدة من مصر؟ هذا مشكوك فيه. مصر ستستمر بانشغالها في المستقبل القريب باستقرار نظامها ومطاردة الاخوان المسلمين الخارجين عن القانون والسيطرة على صحراء سيناء – التي يسيطر عليها أنصار بيت المقدس التابعين لداعش. هذه الامور ستستمر وسيستمر معها تشديد الخناق على القطاع وفصله عن سيناء. لذلك لا أرى أي انقاذ أو مساعدة حقيقية من مصر في المستقبل القريب، وخصوصا في ظل سلطة حماس.

       تغيير النظام من الداخل

الامر المطلوب هو تغيير سلطة حماس، ولكن امكانية احداث التغيير الداخلي من قبل الشعب الفلسطيني غير ممكنة تقريبا. حماس هي المتعدية على حقوق الناس في المنطقة بين النهر والبحر. إن تغيير سلطة حماس سيكون في مصلحة جميع الاطراف، لكن اذا حدث هذا كخطوة داخلية وكاحتجاج من سكان القطاع. أعرف أن خطوة كهذه عبارة عن خيال علمي. لكن لا يمكن اسقاط هذا الخيار من اعتبارات المواطن الغزي محمد زيتوني وأمثاله يريدون فعلا العيش بهدوء.

لقد بدأت تسمع اصوات أولية حيث احتج شاب فلسطيني مؤخرا اثناء مؤتمر في ماليزيا أمام رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، وقدم عدد من الادعاءات التي كتبها صديق له من غزة. هل هذا يبشر بـ “الربيع الفلسطيني”؟ هل سيعرف الشباب الفلسطينيون القيام ضد قادتهم ومحاسبتهم على نتائج الصراع. يبدو أن لا. السنوات الاخيرة لأبو مازن ستستمر كما يبدو كسنوات بقاء وفي نهايتها سينضم الى ياسر عرفات كزعيم آخر لم يتنازل عن حلم الدولة الفلسطينية بين النهر والبحر وعاصمتها القدس.

إن هذا الخيار للتغيير الذي يستند الى الانتفاضة الفلسطينية ضد القادة الفلسطينيين، يمكن أن يحدث فقط من خلال جهود اسرائيلية ودولية تشمل دعم السكان في القطاع والضفة بدرجة تدفعهم الى عدم الاعتماد على المنظمة المتطرفة التي تزيد وضعهم سوء وخلق وضع يستطيع فيه المواطن العادي رؤية العصا والجزرة، وأن من يحمل ذلك ليس اسرائيل وانما حماس. ومن الافضل بالنسبة له وجود قيادة سليمة ومعتدلة. اذا حدث اطلاق نار أو عمليات في اسرائيل مصدرها غزة أو الضفة، فان المواطنين سيعانون – اغلاق كامل وهدم منازل والحاق الضرر بالبنى التحتية وصعوبة في الحياة. اذا كان هناك هدوء فسيحدث نمو اقتصادي وخروج الى العمل ووصول الى ميناء أسدود ونقل اموال الضرائب العالقة في اسرائيل.

في هذه الاثناء يتم حفر عشرات الانفاق الهجومية بين غزة واسرائيل من قبل “عبيد” بعضهم اولاد. حماس تستمر في تهريب وانتاج الصواريخ المملوءة بالمتفجرات. والدليل هو اقتباس من تقرير “الشباك” في الانترنت: “في نظر حماس، التسلح العسكري هو على سلم الاولويات وقبل الاهتمام برفاه السكان في القطاع وتطورهم واعمار الوضع هناك. في هذا الاطار، في الاونة الاخيرة، تصب حماس امكانياتها من اجل شراء البضائع بما في ذلك المواد ذات الاستخدام المزدوج لانتاج السلاح، التي تدخل الى القطاع بالتعاون مع تجار من يهودا والسامرة واسرائيل، وكذلك تهريب المواد التي تحتاج الى اذن خاص من خلال تمويهها. اغلبية المواد، بما في ذلك الاجهزة الالكترونية والكهربائية، تستخدم من اجل الانفاق الهجومية وانتاج السلاح وخاصة الصواريخ”.

في الاونة الاخيرة عُلم أن حماس في غزة تحاول توثيق علاقتها مع انصار بيت المقدس التي قد توافق مؤقتا على هذه العلاقة بسبب الضغط المستخدم عليها من قبل الاجهزة الامنية المصرية في سيناء. في ظل هذا الوضع سيكون على الجيش الاسرائيلي ودولة اسرائيل اجراء تحضيرات عسكرية لاعمال مختلفة. ففي الجولة القادمة في مواجهة حماس يجب أن تكون المسألة مبادر اليها بعمليات مانعة وليس ردا على خطف أو عبوة أو صاروخ على مدرسة وغيرها. على اسرائيل اتخاذ مبادرة لتغيير جوهري بين لحظة البداية ولحظة النهاية للحرب، هذا اضافة الى التعاون الاقتصادي من اجل تحسين وضع السلطة عموما وغزة بشكل خاص.

معاريف   29/1/2016