خريج إماراتي بحقيبة وزارية

آخر تحديث 2016-02-03 00:00:00 - المصدر: ارم نيوز

تاج الدين عبد الحق

لن يكون الوزير الشاب الذي سينضم لحكومة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حالة شاذة في تاريخ الحكومات الإماراتية. فمنذ تأسيس دولة الإمارات قبل أكثر من أربعة عقود، والوزراء الشباب جزء أصيل من الحكومات التي تعاقبت على دولة الإمارات. والشيخ محمد بن راشد نفسه كان في أوائل عقده الثالث، عندما تسلم حقيبة الدفاع في أول حكومة اتحادية، كما أن وزراء آخرين كانوا في نفس العمر تقريبا عندما دخلوا الحكومة لأول مره. وأذكر من هؤلاء الدكتور مانع سعيد العتيبة وزير النفط الأسبق، الذي كان تخرّج للتو في جامعة بغداد، والدكتور المرحوم عبد الله عمران تريم الذي تسلم حقيبة التربية والتعليم . وكان العمر الغالب على الوزراء الذين دخلوا التشكيلة الحكومية الأولى هو عمر الشباب إذ كانت قلة قليلة منهم تتجاوز سن الأربعين فيما كانت الغالبية منهم في منتصف الثلاثينيات أو حتى أدنى من ذلك.

كان الاعتماد على فئة الشباب في الحكومة الاتحادية الأولى مبررا، فهم الفئة المتعلمة التي كان يعول عليها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- لبناء الكيان الاتحادي وقيادة عملية التنمية المتسارعة.

كانت فكرة الاعتماد على فئة الشباب – في ذلك الوقت – محفوفة بالمخاطر، فإلى جانب أنها تمثل سباحة بـ”عكس التيار” الذي كانت تقوده قيادات تقليدية، اعتمدت على مكانتها القبلية والعشائرية، فإن الشباب كانت تنقصهم التجربة العملية الكافية؛ التي تمكنهم من تحمل أعباء وزارية، وفي حكومة تدار بحسابات حساسة تفرضها طبيعة المرحلة التي كانت تمر بها الدولة الاتحادية، وفي ظروف دقيقة، كانت تعبُر فيها الدولة حقل ألغام سياسية وأمنية خطيرة على مستوى الإقليم.

في ذلك الوقت المبكر لم يكن العالم دخل عصر القيادات الشابة كما نشدها ذلك الآن، كانت تجربة القيادات الشابة، تجربة جديدة نسبيا. لم تكن مألوفة كما هي الآن، لم يكن هناك -كما اليوم- رئيس وزراء شاب كرئيس الوزراء الكندي ترودو أو رئيس أمريكي شاب كالرئيس أوباما أو رئيس وزراء بريطاني بعمر كاميرون.

وبهذا المعنى، فإن تجربة الوزراء الشباب في الإمارات، لم تكن مجاراة لموضة سائدة، بل كانت سابقة عليها، ولعل عدد الوزراء الشباب الذين دخلوا حكومة الشيخ محمد بن راشد المكتوم الأولى، التي شكلها قبل عشر سنوات يؤكد الطابع الأصيل لهذا التوجه؛ الذي كان سمة مستمرة في الإمارات منذ قيام الاتحاد وحتى الآن.

التجربة الإماراتية ليست تجربة مظهرية، بل  تجربة عميقة التأثير، وواضحة الأثر. فالقيادات الشابة التي تبوأت مناصب قيادية ليست مقتصرة على الوزراء الشباب الذين التحقوا بالحكومات المتعاقبة، بل شملت -أيضا- نماذج شابة مشرفة قادت العمل التنفيذي بحنكة تثير الإعجاب، ولا نقول، (الحسد). ولعل نظرة للفريق المحيط بالشيخ محمد بن راشد المكتوم سواء على المستوى الاتحادي  أم  المستوى المحلي تظهر المدى الذي تلعبه فئة الشباب في إدارة العمل التنفيذي، وتعكس الروح المهنية العالية التي تتمتع بها.

أذكر شخصيا أن الشيخ محمد سئل ذات يوم عن سر احتضانه للشباب وتقريبهم إليه، وفسح المجال أمامهم لتسلم أعلى المسؤوليات، وعما إذا كان ذلك يعكس صراعا بين الأجيال؟، وعندها كان الجواب عمليا من خلال استعراض التنوع بين الحاضرين في مجلسه والذي ضم كافة ألوان الطيف الاجتماعي والاقتصادي والرسمي ومن كافة الأعمار، في تناغم فريد سمته التكامل في الأدوار، وتوزيع مدروس للمسؤوليات.

الشباب الذين يحيطون بالشيخ محمد بن راشد المكتوم لا يمثلون وضعا فريدا، بل هم جزء من حالة عامة نجد أمثلة لها في كل مفاصل ومناطق الدولة وأجهزتها المحلية والاتحادية . إذ بات التنافس على استقطاب الشباب سمة عامة من سمات سوق العمل الحكومي، والسلاح الذي تتسابق على امتلاكه المؤسسات المختلفة في سعيها للحصول على السبق في الإنجاز والتميز في الأداء.

اليوم تتحدى الإمارات نفسها وهي تفتح باب التنافس أمام جيل الشباب المبكر، الذي تقل أعماره عن 25 عاما لتبوؤ المناصب الوزارية. ويبدو أن حجم التفاعل الذي يبديه هذا الجيل مع القضايا العامة هو الذي دفع الشيخ محمد لإعلان مبادرته، وفتح الباب لسباق طلبة الجامعات لدخول حلبة العمل العام من أوسع الأبواب ومن على مقاعد الحكومة. هذه التجربة الجديدة ستحظى -كما حظي الإعلان عنها- بالاهتمام لكن من المؤكد أنها ستكون تجربة ناجحة ككل التجارب التي كانت غير مألوفة أو غريبة، أو مفاجئة عند الإعلان عنها، لكنها سرعان ما تحولت عند التطبيق إلى أنموذج يغزل الآخرون على منواله.