سليمان جودة
في آخر يونيو (حزيران) المقبل، سوف تكون ثلاث سنوات قد مضت على سقوط جماعة الإخوان في مصر، وسوف تكون هذه المناسبة المقبلة فرصة أخرى وربما أخيرة لـ«الجماعة»، لتسأل نفسها لماذا سقطت، بدلاً من أن تظل منشغلة بمن أسقطها، لأنه انشغال لن يغير من أمرها، كجماعة إخوانية، ولا من أمر ما هو حولها، شيئًا!
وعلى طول الفترة من 30 يونيو 2013، وهو تاريخ السقوط، إلى اليوم، لم يكن هناك شيء يشغل يوسف القرضاوي، سوى تحريض المصريين ضد جيشهم، دون أن يدرك الرجل أنه لولا هذا الجيش العظيم ما كانت هناك الآن دولة اسمها مصر، كما نعرفها، ولا كان هناك كيان مصري ينتسب إليه القرضاوي نفسه، ويحمل جنسيته، ويواريه ثراه، بعد عُمر طويل!
وكان المُتصوَر أن يكون عامان ونصف العام مدة كافية جدًا لأن ينتبه القرضاوي، بعد أن تذهب عنه السكرة وتأتي في رأسه الفكرة، إلى أن المشكلة تكمن في «الجماعة» نفسها.. وتحديدًا في فكرها، وليست المشكلة، أبدًا، في مَن أسقطوها من ملايين المصريين، إذ لو كُتب للجماعة الإخوانية أن تعود إلى السلطة من جديد، بفكرها نفسه القديم، فسوف يُسقطها المصريون من جديد أيضًا، وسوف تظل تسقط مائة مرة، ما لم تغير من عقلها، وما لم تبدل من فكرها، وما لم تخيب فيها ظن جمال البنا، شقيق مؤسسها، الذي قال فيها، الشقيق لا المؤسس طبعًا، إنها لا تتعلم، ولا تنسى!
إن القرضاوي يوصف في العادة بأنه واحد من قياداتها التاريخية، وعندما يكون هذا هو وصفه، وهذا هو مكانه فيها، ثم يأتي في يوم 26 يناير (كانون الثاني) 2016، أي بعد سقوطها بعامين ونصف العام، ليدعوها إلى إجراء انتخابات شاملة في مؤسساتها بالداخل والخارج، وبأسرع وقت ممكن، لتتجاوز أزمتها، فمعنى هذا أن ما قال به جمال البنا كان في محله تمامًا، وأن عبارته في وصف الجماعة كانت تعبر عن فهم عميق لها، والدليل أنها لا تزال تقف عند 30 يونيو 2013، أو لا يزال الزمان يتوقف بها هناك.. فهكذا تقول دعوة القرضاوي لها بكل وضوح، وبهذا وحده، تنطق الدعوة من أولها إلى آخرها!
إذا كان ما ينقص الجماعة هو مجرد إجراء انتخابات شاملة في الداخل، وفي الخارج، فما أسهل المشكلة إذن، وما أهونها!
كيف بالله يفوت على القرضاوي أن الحكاية أكبر من الانتخابات بكثير، وأنه بدعوته هذه يحصر المشكلة في داخل الجماعة، ويتصورها مشكلة بين الجماعة وبين نفسها، في الوقت الذي يقول فيه الواقع من حولها إن المشكلة هي بين الإخوان وبين الآخرين في المجتمع المصري، وأن إجراء الانتخابات سوف لا يحل مشكلتها، وسوف لا يجعلها تتجاوز أزمتها أبدًا، لأنه يتعامل مع الشكل في القضية كلها، وليس مع المضمون فيها، بأي صورة؟!
الانتخابات إذا جرت، وبسرعة، كما يريد القرضاوي، قد تنقذ الأوضاع المُنهارة داخل الجماعة، وتحديدًا بين قيادييها وشبابها، ولكنها، أقصد الانتخابات، لن تنقذها كجماعة، من غيرها، ولن تزيل الحاجز النفسي الذي قام، ويقوم بكل قوة، بين كل مصري ينتمي إلى وطنه بصدق، وبين جماعة أرادت في لحظة أن تبدد كيان هذا الوطن وحدوده، فاصطدمت بالجماعة المصرية كلها، وهذه الجماعة الأخيرة تعرف معنى كلمة «وطن»، ولا بد أن الجماعة الإخوانية مدعوة إلى أن تتعلم من الجماعة المصرية ماذا تعني هذه الحروف الثلاثة: وطن!
الجماعة الإخوانية مصممة، على مدى عامين ونصف العام، على أن تعيش في عالم افتراضي من صنعها، وهي لا بد أن تنتقل منه إلى عالم واقعي آخر، يتجاوز الأول ويمحوه، وسوف لا يحدث هذا إلا إذا آمن قياديوها، من أمثال القرضاوي وغيره، أن الانتخابات التي يدعو إليها الرجل هي مرحلة ثانية، لا مرحلة أولى، في مواجهة أزمتها، وأن هذه المرحلة الأولى ليست إلا مراجعة شاملة لسلوك الجماعة وفكرها معًا، منذ نشأت في عام 1928 إلى أن سقطت في 2013.. إنها مراجعة لو شاء الله لها أن تتم، بصدق، وبأمانة مع النفس، ومع الغير، سوف تجعل ما قبل 2013 في مسيرة الجماعة الإخوانية، لا علاقة له بما بعد هذا التاريخ، لسبب بسيط للغاية، هو أن ما كان في ما قبل قد أدى إلى السقوط، ولا يمكن لجماعة.. أي جماعة.. أن تنهض، وهي تتكئ، أو تتوكأ، أو حتى تتساند، على أسباب السقوط ذاتها.. لا يمكن!
وسوف تكون ألف باء المراجعة التي لا بديل عنها أن تقر الجماعة بأن مصر وطن، وأن هذا الوطن له صاحب اسمه الجماعة المصرية، لا الجماعة الإخوانية، وأن اللحظة التي تصورت فيها الجماعة الثانية أنه من الممكن تبادل المواقع، كانت كاشفة بامتياز، لأن ما تصورته هي ضد طبائع الأشياء كلها، والطبع يغلب في كل الأحوال، وبالتالي فإن كل ما هو ممكن أن تكون الجماعة الإخوانية جزءًا من الجماعة الأكبر، والأشمل، والأعم، لا أن تكون قبلها، ولا أن تكون بديلاً عنها.
فإذا قبلت هي هذا، ولا بديل عن أن تقبل به، فهناك استدراك أخير، هو أن قبولها به ليس معناه أبدًا إعفاء الذين تورطوا فيها في أعمال عنف، أو تحريض على عنف ضد المصريين، أو أي جرائم أخرى، بامتداد العامين ونصف العام، من حساب القانون!