بعد 25 عاماً على مرورها.. الأكراد نادمون على انتفاضتهم ضد صدام

آخر تحديث 2016-03-20 00:00:00 - المصدر: نقاش

حينما انتفض مواطنو إقليم كردستان بمعاونة قوات البيشمركة بداية شهر آذار (مارس) عام 1991 ضد سلطة نظام صدام حسين وللمرة الأولى طردوا آنذاك مؤسساته وأجهزته وتمخض عن ذلك تأسيس برلمان وحكومة كردستان.

وبدأت أولى خطوات الانتفاضة يوم الخامس من آذار (مارس) 1991 من قضاء رانية (130 كلم شمال غرب السليمانية) وبعد تحرير السليمانية وأربيل ودهوك من نفوذ صدام حسين والمؤيدين له جرى تحرير مدينة كركوك كمرحلة أخيرة  في الانتفاضة وتحقق ذلك يوم العشرين من آذار في العام نفسه لمدة وجيزة قبل ان يستعيدها النظام مرة أخرى.

وبعد مرور (25 عاما) وللمرة الأولى وصل احتجاج مواطني كردستان الى حد يعبر الكثيرون منهم عن ندمهم للقيام بتلك الانتفاضة، إذ يرون أن ما قامت الانتفاضة من اجله يتكرر اليوم.

وقد تحولت مناسبة ذكرى الانتفاضة هذا العام الى جدل حامٍ على شبكات التواصل الاجتماعي، وبدل الثناء عليها مثل الأعوام الماضية تحولت الآراء هذا العام إلى نوع من الاستهزاء بأهدافها.

هيمن عبدالقادر وهو مختص نفساني واحد الناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي في إقليم كردستان كتب في ذكرى الانتفاضة هذا العام: "كانت مكتسبات الانتفاضة بشكل انتج غراند ملينيوم وروتانا وبالاس وديفان وجميعها اسماء لعدد من الفنادق الفارهة والمعروفة في مدن اقليم كردستان للسياسيين ولأبنائهم، فيما باتت المطاعم الشعبية مثل عوثة كلشير وزوراب المطعم وأحة كولة وشيرة الطبل لنا نحن المواطنين".

وكتب أيضاً ان "من مكتسبات الانتفاضة الأخرى ان ساعات الماركة وبدلات بولو وتيشيرتات لاكوست وأحذية ديادورا أصبحت لهم، وساعات الماء وساعات الكهرباء وجوزات الكهرباء ذات الامبيرات الأربعة ولايتات الشحن لنا، مناصب الوزير ووكيل الوزير وعضوية البرلمان والمدراء العامين والمستشارون لهم ولأبنائهم وأقاربهم أما التصفيق والحملات الانتخابية وتلوين الأصابع فهي لنا".

ويضيف هيمن ان "مابقي لنا هي دفاتر الضغط والسكر ولهم دفاتر الدولار واليورو ، ومحاور خازر ومخمور وملا عبدالله لنا ولاس فيغاس ولندن وباريس لهم ولأبنائهم".

هيمن أبدى ما كتبه كنوع من المقارنة في التفاوت الطبقي الذي نشأ بعد الانتفاضة بين المواطنين العاديين والمسؤولين الحكوميين والحزبيين وكتب أيضا: "إنني متأكد من ان ما اكتبه ليس امتعاضي وغضبي وحدي وإنما هو امتعاض وغضب عدد كبير من مواطني اقليم كردستان وهو ما استحصلناه بعد ربع قرن".

هيمن ليس الوحيد الذي عبر عن امتعاضه من الانتفاضة عن طريق الكتابة فلو تجولت سريعا في صفحات شبكات التواصل ستجد ان الناس غاضبون من الانتفاضة والمكتسبات التي جاءت بها.

وعن السبب وراء استهزاء الناس بالانتفاضة ومقدساتها يقول دياري خالد الذي يحمل شهادة الماجستير في التاريخ "هناك مجموعة من الأسباب أكثرها تتعلق بالمسؤولين فقد انتفضوا ضد سلطة طاغية ولكنهم أيضاً أصبحوا طغاة وقمعيين".

وقال دياري لـ"نقاش": لقد "بدأ المسؤولون الأكراد في اللحظات الأولى بعد الانتفاضة بأعمال السلب والنهب للثروات والموارد السطحية والجوفية للبلاد وساهموا في وجود التدخلات الأجنبية داخل كردستان".

وحسب قول دياري فأن ما يعبر عنه الناس واستخفافهم بالانتفاضة هو لكونها لم تثمر أي ثمرللشعب وانتفع منها المسؤولون فقط وهم الآن يفكرون بعقلية الجبل ويمارسون التحزب في المؤسسات الحكومية.

ندم قادتها

آزاد محمد المعروف بـ(آزاده رش) هو من البيشمركة القدامى واحد فناني الإقليم البارزين وقد كان احد الذين قادوا الانتفاضة في مدينة السليمانية يوم السابع من آذار حتى ان المؤرخين الذين كتبوا تاريخ الانتفاضة يقولون ان آزاد كان اول من أطلق النار في مدينة السليمانية وأطلق الانتفاضة.

وقال آزاد لـ"نقاش" ان "الانتفاضة لم تحقق الأهداف التي اندلعت من اجلها لاننا انتفضنا حتى نأتي بالديمقراطية للناس ولرفاهيتهم ولكن ما نراه الآن هو عكس كل ذلك تماما".

وضرب آزاد مثالا على ذلك أزمة منصب رئاسة الإقليم وقال ان الاطراف السياسية هي الآن على خلاف حول منصب تسبب في خلق أزمة سياسية في الإقليم فلو تحققت الديمقراطية لما كانت تلك الخلافات بين الأطراف السياسية ستحدث.

ومنذ التاسع عشر من آب (اغسطس) من العام الماضي ظهرت آراء مختلفة حول منصب مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، فالأطراف السياسية في الاقليم باستثناء الحزب الديمقراطي الكردستاني تقول ان ولايته قد انتهت فيما يستند الحزب الديمقراطي الى قرار مجلس الشورى الذي ينص على قانونية بقاء بارزاني في منصبه.

ويضيف آزاد: "في اليوم الأول من الانتفاضة كنا أنا وأصدقائي نشرف عليها بحماس بالغ، ولكن مع الأسف لقد أوصلنا ذلك الحماس إلى يومنا هذا الذي يعاني فيه المواطنون من عشرات الأزمات والمشاكل".

ولا يعاني إقليم كردستان من أزمة سياسية فقط وإنما أصاب استمرار المشكلات بين أربيل وبغداد حول النفط والميزانية وانخفاض أسعار النفط والحرب ضد داعش، أصاب اقليم كردستان بأزمة مالية عميقة.

وردد بيستون فائق عضو برلمان كردستان عن كتلة التغيير آراء آزاد قائلا: "لا تزال الديمقراطية في كردستان وخاصة لدى الذين كانوا ينادون بها قبل الانتفاضة وبعدها باقية كمجرد شعار كبير يستخدم باستمرار".

واضاف بيستون لـ"نقاش" أن "الانتفاضة سببت اختلافا طبقيا حيث ظهرت طبقة غنية جدا تختلف كليا عن الطبقات الأخرى فهي لم تفشل في تحقيق أهدافها فحسب، وإنما تم تدمير أهداف وشعارات الثورة والثوار أمام أنظار الجميع".

هذه الآراء شائعة بين الكثيرين ممن شاركوا في الانتفاضة الشهيرة ضد نظام صدام حسين عام1991ويجري الحديث عنها اليوم، حتى ان لطيف فاتح فرج وهو من البيشمركة القدامى والمشاركين في انتفاضة مدينة كركوك قال إن "الانتفاضة لم تحدث فروقا طبقية فحسب بل أدت ايضا الى تمكن أقلية مافياوية من أغلبية هي اما من الطبقة الدنيا او الوسطى، هذه المافيا تكاد تفتت جميع العلاقات الاجتماعية وهذا اخطر من المشكلة الطبقية".

الافتخار بالمكاسب

ورغم سيادة الامتعاض بين الناس في ذكرى الانتفاضة هذا العام إلا أن الذين يرون ان الانتفاضة كانت اكبر تحول بالنسبة لمواطني إقليم كردستان في جانبه الايجابي كثيرون.

المؤيدون يدافعون بقوة عن مكتسبات الانتفاضة ويفخرون بها ويقولون ان الانتفاضة على الأقل حررت مواطني إقليم كردستان من أعتى نظام وأنتجت الحرية.

ويقول لطيف الشيخ عمر العضو القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني ومسؤول مركز تنظيمات الحزب في السليمانية أن كل المؤسسات الإعلامية والمنظمات المدنية التي تعمل الآن في إقليم كردستان بحرية هي من مكتسبات الانتفاضة.

ويضيف: وإن "لم يتحقق جزء من أهداف الانتفاضة وينبغي عمل المزيد من اجل ذلك ولكن الذين يستخفون بالانتفاضة هم أناس لم يروا ظلم سلطة البعث لذلك يتحدثون بتلك الطريقة".

وحول الموضوع ذاته يرى المختص النفساني آرام احمد ان ما يحدث هو غضب الناس على السلطة وليس على شعارات ومقدسات الانتفاضة وان ما يقوله الناس عن شعارات ورموز الانتفاضة ما هو الا تنفيس عن غضبهم من السلطة.

وقال آرام الذي يحمل شهادة الماجستير في علم النفس لـ"نقاش": هذا هو "الجانب النفسي للإنسان فحين يكون غاضبا من شيء ما ولا يملك سلطة عليه ينفس عن غضبه بأمور أخرى وهذا مثبت في علم النفس وما يجري الآن يدخل ضمن ذلك الإطار".