سامي العسكري هنالك حاجة حقيقية وملحة لاصلاح حكومي واداري ، قضية يدركها الجميع ، لكنهم يختلفون في سبل تحقيق الاصلاح المنشود. الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العراق نتيجة انخفاض عائداته النفطية والتي يعتمد عليها بشكل شبه كامل ، وتصاعد الاحتجاجات السياسية من تظاهرات واعتصامات وحالة التذمر الواسع ، كلها عوامل يمكن ان توفر ارضية مناسبة لاجراء اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة ، تمكنها من معالجة الترهل والفساد وقلة الفاعلية. وهي اجراءات اذا ما نجحت تشكل نقلة نوعية وكبيرة في تحسين اداء الحكومة واجهزتها المختلفة ، كما انها – دون شك – تشكل رصيدا سياسيا مهما لرئيس الوزراء الذي سينظر اليه على انه الرجل المجدد لحيوية الدولة العراقية . عملية الاصلاح الحكومي والاداري ، لكي تنجح ، فانها بحاجة الى بيئة سياسية مساعدة والى فهم لطبيعة الواقع العراقي والى التزام كامل بالدستور والعملية السياسية. فاي خلل في مراعاة تلك الامور ينعكس سلبا على نجاح الاصلاح ويتحول من عنصر اساسي في بناء دولة قوية الى عامل ضعف يهدد كيان الدولة ويضعف الحكومة ويعرقل اداءها. لم يحسن المستشارون الذين عملوا مع رئيس الوزراء في مشورتهم ، فقد تجاهل الجميع حقيقة ان الاجراءات الصحيحة تكون صحيحة حين تكون نقاط الشروع فيها صحيحة. فقرار الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية لم يكن الخطوة الاولى التي يجب ان يبدأ بها رئيس الوزراء بل هي تاتي ضمن خطوات لاحقة في مشروع الاصلاح. فالغاء هذه المناصب لم يترك اي اثر ايجابي يساعد الحكومة في السير في طريق الاصلاح ، وبدت عملية الاقالة وكانها معركة سياسية بين رئيس الوزراء ونواب الرئيس الذين يقف كل واحد منهم على راس احدى الكتل السياسية البرلمانية فالمالكي يراس دولة القانون والنجيفي يراس اتحاد القوى وعلاوي يراس العراقية. وعملية الاقالة مع انها لم تساهم في عملية الاصلاح لكنها ساهمت في خلق بيئة سياسية معارضة لمشروع الاصلاح الذي بدا وكانه تصفية حسابات سياسية سواء داخل حزب رئيس الوزراء او بين الزعامات السياسية الرئيسة في البلاد. ثم جاء اعلان رئيس الوزراء عن نيته اجراء تعديل وزاري (جذري) عشية سفره الى اوربا. وهو اعلان تم من دون التشاور مع الكتل السياسية ، وجاءت حركة مقتدى الصدر الاستعراضية لتزيد من تعقيد الامور. فطرحت فكرة حكومة التكنوقراط بعيدا عن مشاركة الكتل السياسية ، وهو نمط جديد من الحكومات لم تالفه الانظمة البرلمانية التي تكون الحكومات فيها اما حكومة الحزب الفائز في الانتخابات او حكومة ائتلاف الاكثرية حيث تتحد بعض الكيانات السياسية الفائزة لتشكل تحالفا يمتلك اغلبية في البرلمان وتبقى يقية الاحزاب والكتل الاخرى في صفوف المعارضة او النمط الثالث وهو الحكومة الائتلافية الشاملة وهو النموذج الذي سارت عليه الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2005 ولحد الان. في النظام الرئاسي يمكن تشكيل حكومة التكنوقراط اذ يكون الرئيس منتخبا بشكل مباشر من قبل المواطنين وفوزه يحمل معه تخويلا ضمنيا في تشكيل الحكومة بغض النظر عن موقف وراي الاحزاب التي تكون في السلطة التشريعية (البرلمان). ان لجوء رئيس الوزراء الى تشكيل حكومة تكنوقراط لا يكون للكتل السياسية راي فيها يعد خروجا على النظام البرلماني فضلا عن بروز اشكال اخر يتعلق بانتماء رئيس الوزراء نفسه ، فكيف يجيز حزبا سياسيا لنفسه الحق في رئاسة حكومة ويحرم بقية الاحزاب السياسية من المشاركة فيها. ان فرض هذا اللون من التشكيلة الوزارية ، خاصة حين يكون بتهديد النواب من قبل طرف سياسي مشارك في الحكومة والبرلمان والعملية السياسية ، ينسف مبدأ التداول السلمي للسلطة ، فاين السلم حين يشعر البرلماني انه مهدد من قبل مليشيات يتوعده زعيمها بانه سيجعل من البرلماني الذي لا يصوت (عبرة لمن اعتبر). ان تغيير الوزارة بوزراء غير حزبيين ولا مرتبطين او متعاطفين مع الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات لا يحل اي من مشاكل الحكومة وضعف الاداء واستشراء الفساد فيها . فالحكومة ، وليس الكابينة الوزارية ، ماكنة كبيرة تضم الالاف من المناصب الرفيعة والتي تصنع القرارات اليومية وهي باغلبيها جرت عملية تسيسها طوال السنوات العشرة الماضية. ان نقطة الشروع الصحيحة في عملية الاصلاح الحقيقي هي من قاعدة المؤسسات التنفيذية صعودا الى الهرم. فرؤوساء الاقسام والمدراء والمدراء العامون والمستشارون ووكلاء الوزرات هم العناصر والاجزاء الحيوية في ماكنة الحكومة, اما الوزراء فهم سلطة سياسية في الحكومة يعبرون عن توافق ارادات الكتل السياسية في ادارة الدولة. فالتخصص في الوزراء ليس مطلوبا بقدر توفر عنصرين اساسيين الاول قدرة ادارية متميزة تمكنه من ادارة وزارته والثاني ثقل سياسي خلفه قادر على حمايته من الضغوط السياسية التي قد يتعرض لها من بقية الكيانات السياسية. ففي الديمقراطيات وحكوماتها البرلمانية لا يشترط في وزير الصحة ان يكون طبيبا ولا في وزير الدفاع ان يكون ضابطا. من واجب رئيس الوزراء ان يعيد النظر في مشروعه الاصلاحي الذي نتمنى جميعا له النجاح لان من شان هذا النجاح ان يحقق تطورا في البناء الحكومي والاداري لمؤسسات الدولة ويساعد على محاصرة الفساد المالي والاداري المستشري في كل المرافق الحكومية. نقطة الشروع ليس في الغاء مناصب شكلية الغرض منها تحقيق المشاركة السياسية كنواب الرئيس ولا ابدال الوزراء السياسيين باخرين اكاديميين لا يملكون خبرة عملية وادارية ولا تدعمهم قوى سياسية مؤثرة في المشهد السياسي العراقي . انما تكمن نقطة الشروع في اعادة النظر في الوظائف الحكومية بدءا من المدراء والمدراء العامين مرورا بالمستشارين والمفتشين العموميين وانتهاءا بوكلاء الوزرارات. فمن حق رئيس الوزراء ومن واجبه ايضا ان يخرج هذه المواقع من دائرة المحاصصة السياسية وان يكون المعيار في اختيار الاشخصا لهذه المواقع هو الكفاءة والقدرة الادارية مع تحقيق التمثيل العادل للمكونات وليس الكيانات السياسية. وحين تكون الكفاءة الادارية والفنية هي المعيار حينها لا يضر ان يكون الموظف مستقلا او منتميا لكيان سياسي معين مادام معيار اختياره لم يكن بسبب انتماءه او عدمه بل لكفاءته وخبرته