ملاك خالد
صحافية في قناة الميادين منذ انطلاقتها. مهتمة بالشؤون الإقليمية والدولية. شاركت في تغطيات القناة في تركيا ومصر وسوريا ولبنان.التركيبة الديموغرافية للإقليم تجعل تحالف حكومته مع أرمينيا أمراً منطقياً وبالتالي تجعله في محور واحد مع الروس في مواجهة اذربيجان وحليفتها تركيا التي يريد الأرمن اعتذاراً تاريخياً منها عن مجازر الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحقهم من قبلها قبل مئة عام.
الاشتباكات في الإقليم المتنازع على سيادته في جنوب القوقاز ليست جديدة. على مدى اثنين وعشرين عاماً، هي عمر اتفاق وقف إطلاق النار بين آذربيجان وأرمينيا، شهدت المنطقة العازلة المنزوعة السلاح خروقاً متعددة من قبل الطرفين، كانت غالباً عبارة عن تبادل قذائف المدفعية عبر جانبي الحدود. الإقليم الواقع في اذربيجان والذي بات الصراع حوله جزءاً من تاريخه وحاضره، يؤدي اليوم مهمة صندوق بريد، وإن على دماء أبنائه. العالم يتجه الى إقفال ملفات أرهقت صراعاتها الدول الكبرى، وكادت تهز توازن العلاقات الدولية القائمة منذ انتهاء الحرب الباردة. ملف سوريا أبرز الأمثلة، وكذلك طي أوراق الاتفاق النووي الإيراني موقعة من قبل طهران وعواصم دول الخمس زائداً واحد. إقفال هذه الملفات لا يعني إنهاء التوترات بين الدول ذات الصلة بها. من هنا تشكل المرتفعات السوداء التي أعطت الإقليم اسمها مساحة لتبادل الرسائل حول التوترات غير المنتهية، ولا سيما بين موسكو وأنقرة اللتان وترت علاقاتهما الأزمة السورية. وأيضاً إسقاط الدفاعات الجوية لجيش أنقرة مقاتلة سوخوي روسية بزعم تخطيها الأجواء التركية حين كانت في طلعة قتالية شمال سوريا. سحب الاستثمارات وتحذير المواطنين من السفر والتهديدات التي تبادلتها العاصمتان إثر إسقاط الطائرة في تشرين الثانينوفمبر الماضي لم تكن على ما يبدو خطوات كافية لتنفيس التوتر بين البلدين المعنيين بالأزمة السورية. وبرغم البعد الجغرافي بين سوريا والقوقاز، إلا أنه ليس من الصعب الربط بين ما يحدث في هذا البلد العربي وفي كرباخ. بعد إسقاط السوخوي, عززت روسيا تواجدها العسكري في قاعدتها العسكرية قرب العاصمة الأرمينية يريفان. العاصمة الأرمينية الواقعة شرق جبال أرارات حليف وثيق لروسيا، فيما باكو عاصمة اذربيجان، من أقرب الحلفاء لأنقرة. تصريحات أردوغان عن دعم "الأخوة" الآذريين بوجه الأرمينيين تؤكد أن لتركيا مصلحة في تحريك ملف كرباخ. أمر كان قد أشار إليه ناطق باسم حكومة الإقليم غير المعترف بها دولياً حين قال إن آذربيجان لن تقوم بتصعيد كهذا من دون غطاء من دول أخرى وسمى تركيا تحديداً. موسكو دعت طرفي النزاع الى ضبط النفس والعودة الى اتفاق الهدنة، وقد عمل وزيرا دفاعها سيرغي شويغو وخارجيتها سيرغي لافروف على الاتصال بالرئيسين الأرميني سيرج سركيسيان والآذري إلهام علييف لحثهما على وقف التصعيد. الاقليم الذي لا تبلغ مساحته نصف مساحة لبنان، سكانه لا يتجاوز عددهم المئة والخمسين ألفاً، غالبيتهم تعود الى أصول أرمينية فيما أقل من خمسة في المئة منهم أصولهم آذرية. التركيبة الديموغرافية للإقليم تجعل تحالف حكومته مع أرمينيا أمراً منطقياً وبالتالي تجعله في محور واحد مع الروس في مواجهة اذربيجان وحليفتها تركيا التي يريد الأرمن اعتذاراً تاريخياً منها عن مجازر الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحقهم من قبلها قبل مئة عام. وعليه، فإن ما الاشتباكات الأخيرة تحمل بعدين: بعداً يمثل حلقة جديدةً من مسلسل العداء التاريخي بين البلدين، وبعداً جيو-سياسي يتعدى حدود اذربيجان وأرمينيا وكرباخ وكل منطقة القوقاز ليطال دولاً كبرى تمتد حدودها من شرق روسيا الى غرب الولايات المتحدة. الجنود الذين قتلوا في الاشتباكات التي تعد الأعنف منذ اتفاق وقف إطلاق النار بعد سنوات دموية من الحرب بين البلدين تسببت بمقتل ثلاثين الف شخص، ربما لن يكونوا آخر الضحايا في الحرب الطويلة والمستمرة منذ عقود بين البلدين. لكن الأكيد أن الاقليم المنسي حتى من قبل مجموعة مينسك الأوروبية الموكلة منذ عقدين تقريباً إيجاد مخرج سياسي لأزمة سيادته، بات اليوم في صدارة اهتمام العالم. فما يحدث هناك قد يكون مجرد رسالة عالية الصوت تسمعها موسكو تحديداً وبيد ساكن الكرملين أن يرد عليها بطريقته كما حدث عندما ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا إثر الازمة الأوكرانية قبل نحو عامين. وقد تؤدي التطورات في الاقليم الذي يرتبط بأرمينيا عبر ممر لاتشين الطبيعي الى إشعال حرب جديدة بأبعاد عسكرية وسياسية واقتصادية، ولا سيما أن أراضي الاقليم الزراعي تحتضن شبكة أنابيب تعد شرايين حيوية لنقل النفط الاذري تحديداً الى بحر قزوين ومنه بقية العالم.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
التعليقات
إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع قناة الميادين الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها
تواصل معنا
النشرة البريدية
© جميع الحقوق محفوظة لقناة الميادين 2012 - 2016
Designed & Developed by Mentis