(هذا المقال بقلم طارق حضري، ولا يعكس وجهة نظر شبكة CNN)
--تأسس البنك العربي منذ 86 سنة من يومنا هذا، وأخذ إسمه قيمته الجوهرية والتراثية أغنى من قيمته الإستثمارية في الوقت الحاضر، ومع ذلك يبقى الحلم بتوحيد بنك عربي قوي وموحد، وبنكا لكل العرب في كل مكان، مجرد كلام على ورق.
تأسس البنك العربي في القدس سنة 1930 على يد الفلسطيني الراحل عبد الحميد شومان (1888 – 1974) برأسمال لا يتجاوز 15 ألف جنيه فلسطيني (ما يعادل 4000 دولار أمريكي حاليا)، رفقة 7 من الشركاء حاملي الأسهم، وإنتقلت إدارة البنك سنة 1948 إلى العاصمة الأردنية عمان لتبقى فيها إلى حدود اليوم، وألا تتعدى أرباحها يقدر بـ 300 مليون دولار سنة 2015.
لم يبق مشروع فكر عبد الحميد شومان حبيس بنك وطني أردني-فلسطيني، فتكوينه البنكي المتأخر نوعا ما جعل من حنكته في التسيير الرغبة إلى تحقيق القيمة التراثية لإسم "البنك العربي" حقيقة في جعله بنكا لكل العرب في كل البلاد العربية، لكن الحلم تحقق بعد وفاة مؤسس البنك لكن ليس كان كان يريد.
إستطاع "بنك العرب" أن ينجح في الأردن، وأن يكسب ثقة مستثمري المملكة الهاشمية ومواطنيها، وأن يحقق أرباحا وتفوقا محليا يشهد له بين زبائنه وغير زبائنه، وأن ينافس بقوة باقي الأبناك كمصرف الراجحي وبنك الأردن وبنك عودة..، وأن يفتتح شبكة وكالات مصرفية هامة، لكن كل ذلك يصبح مجرد صفحة صغيرة من "بروباغاندا" إسمها البنك العربي، لأن حلم شومان كان أكبر بكثير من مجرد أرباح لا تتعدى حدود الأردن.
لم تستطع مجموعة البنك العربي من تحقيق حلم عبد الحميد شومان في التوسع عربيا وعالميا ليكون البنك رقم 1 لدى العرب في كل مكان، ومن مقارنة بسيطة ميدانيا فأصغر وكالة لمجموعة سيتي بانك الأمريكية بنيويورك يحقق أرباحا أكثر من فرع البنك العربي في مصر، وأصغر وكالة لبنك التجاري وفابنك المغربي في الدارالبيضاء تتجاوز ودائعه ما يمتلكه فرع البنك العربي في ستة وكالات بالمغرب، ونفس الشيء في الجزائر والسودان ودول عربية أخرى.
وفيما يحقق فرع الإمارات للبنك البريطاني HSBC ما يتجاوز 770 مليون دولار في دولة عربية واحدة سنة 2012 يعتبر ضعف ما تحققه مجموعة البنك العربي في 600 وكالة ب43 دولة عبر العالم، ما يثبت عجزا حقيقيا في منافسة لواقع عروبة البنك وعروبة زبائن البنوك العالمية.
وحتى أن رغبة مجموعة البنك العربي في إستغلال الثورة البترولية لدى دول الخليج العربي لم تتحقق، ففيما إستغلت الأبناك الأمريكية والبريطانية والفرنسية ك citibank و HSBC وBNP Paribas وغيرهم من ثورة الإنتاج البترولي للدول العربية، كان البنك العربي لا يزال يطور في نظامه الداخلي ويوزع الحصص بين أبناء عبد الحميد شومان والرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري وصبيح المصري، وليس هذا فقط، بل حتى أن النظام الإلكتروني لتسيير الحسابات المصرفية للزبائن عبر الأنترنت ظلت عائقا أمام البنك لعقود ولم تتحقق إلا منذ شهور قليلة.
إن تحقيق إرادة قوية للبنك العربي وإستغلال الإسم التراثي والجوهري لهذا البنك، بالإضافة للنية السياسية لما يسمى بإتحاد "جامعة الدول العربية" في توحيد شيء ما للعرب، لا يمكن إلا أن يخرج المجموعة من "فراغها الإستراتيجي" في التوسع وتحقيق أرباح حقيقية، وإما البقاء على ما هي عليه دون جدوى.
واجه بنك عبد الحميد شومان العديد من المتاعب، بداية بالاحتلال الإسرائيلي وخروج البنك من يافا وحيفا والقدس الشرقية، نهاية بإتهام البنك بدعم الإرهاب عبر تمويل حركتي حماس وحزب الله، وتغريم البنك ب24 مليون دولار أمريكي للخروج من القضية، كل هذا أمام صمت سياسي عربي رهيب كأن البنك لا عروبة له في كل هذا، ورغم أن المجموعة البنكية تحمل علما تدعي فيه "أنها البنك العربي الأوسع دوليا" تحت شعار "النجاح مسيرة".
ومنذ ساعات مضت، منحت "غلوبال فاينانس"، المجلة العالمية المتخصصة بالشؤون المالية ومقرها نيويورك، البنك العربي جائزة أفضل بنك في الشرق الأوسط للعام 2016، ورغم هذا التشريف الذي سيحمله البنك بهذا اللقب، سيكون أمام العرب وبنك العرب تحديا ولابد منه، وهو تشريف حلم حمل خلال مسيرة تجاوزت 86 سنة من الكفاح.