هذا المقال بقلم طارق حضري، ولا يعبّر عن وجهة نظر شبكة CNN
--انتشرت الأسماء كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، بعضهم قريب جدا منا، والبعض الآخر نعرفهم، والبعض من أصدقاء من نعرفهم، والبعض لا نريد معرفتهم، قال من نشر الأسماء أن أزيد من 11 مليون وثيقة تمتلكها هذه الأسماء للتهرب من الضرائب في بلدانهم، وقال الجميع أنه لا يسعنا إلا أن نصدقهم.
من دولة لا نسمع عنها الكثير إلا في بعض مباريات كرة القدم، أو حين نقارن معبر قناة السويس بقناة بنما للعبور بين الأمريكيتين، خرجت الوثائق بالملايين لتقول لنا أن بعضا ممن نعرفهم يتهربون من الضرائب ويستفيدون من الإعفاءات ومن المتابعات من تهريب الأموال وأشياء من هذا القبيل، فبدأ الجميع يتحدث بشجاعة ويسألون: من سيرد؟
وعن هذا السؤال رد البعض، وبرر البعض، وإحتج البعض، ومنهم من إستقال، ومن نفى، ومن لم يرد أن يعلق عن الموضوع، وكل ما في الموضوع أن شركة فلتت من أيديها أوراق شركات من أسماء لها من الوزن في بلدانها أكثر مما يمتلكون، فكانت الصدمة لهم أكثر مما هي لنا نحن.
إن الشعوب ليست في حاجة لأن تكتشف من جديد أن من يحكمها يمتلك الكثير من المال وأن لهم من الوسائل والصلاحيات الكثير ليخرجوا ويدخلوا بالأموال متى شاءوا ذلك، وأن يدفعوا الضرائب أو عدم دفعها كما يريدون، وأن لهم من القوانين والدساتير والحكومات والأبناك والشركات ما يسمح لهم بفعل كل ما يريدونه.
إننا لسنا في حاجة لتقول لنا "بنما الصغيرة" ما يدور حولنا وما نراه كل يوم، ولسنا في حاجة لتقول لنا ما يمتلكه هؤلاء، فكلنا نعرفهم وهم لا يعرفوننا، ولسنا مهتمين كثيرا لما يمتلكون لأنهم يعرفون أننا لا نمتلك ما يمتلكونه، وقد يلهينا الفضول في معرفة طرقهم لكن قضايانا أهم من أملاكهم، وردودهم لن تفيدنا في شيء، ولا نحسدهم عما رزقه الله لهم، بقدر ما يحز في أنفسنا ما تعيشه بلداننا.
إن "بنما الصغيرة" ليست في حاجة لأن تسرب كل تلك الملايين من الوثائق، فكل شيء نعرفه، ونحس به، فنحن شعوب هذا الكوكب نعرف قيم عملات بلداننا وبعض العملات الدولية، وتعلمنا مدارسنا الحساب في صغرنا، فنعرف الغني منا والفقير بسهولة، وطبقاتنا الاجتماعية تختلف بين بعضها البعض..
إن كانت الأسماء التي وردت في وثائق "بنما الصغيرة" تتهرب من الضرائب، فهناك ما هو أحوج للشعوب من ضرائبهم، إن الشعوب في حاجة إلى ديموقراطية وحرية وكرامة وحقوق أخرى، إن الشعوب في حاجة إلى شفافية وحق في المعرفة قبل أن تنتظر من السلطة الرابعة أن تكشف لهم عن ضرائب بنما والجزر العذراء وطرق تهريب الأموال وتأسيس الشركات في الملذات الضريبية وغير ذلك من الجمل التي تجدها اليوم في كل مقال صحفي يتحدث عن أوراق بنما.
وثائق "بنما الصغيرة" رغم أن عددها بالملايين لن تشكل فرقا كبيرا للمستقبل، بقدر ما تشكل هي اليوم عائقا أمام الكشف عن ملايين القضايا الاجتماعية والإنسانية لسكان بلدان هؤلاء الحكام، وثائق "بنما الصغيرة" ليست أهم من أن يعيش هذا العالم في سلام وسلم.
تغطية ذات صلة