دانة زيدان: صنافير وتيران لم تترك حتى لإعلام السيسي فرصة الدفاع عنه.. الإعلام المناصر لعاصفة الحزم: تطبيق ناجح لإستراتيجيات السيطرة على الشعوب.. أطفال يلقون الأشعار ?

آخر تحديث 2016-04-15 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

دانة زيدان

منذ إعلان الملك السعودي نيته زيارة مصر بدأت التحليلات والتوقعات حول مدلولات هذه الزيارة وما ستحمله، خاصة في هذا الوقت الذي تؤسس فيه المملكة العربية السعودية لتحالف “سني” وسعيها لأن تكون مصر إحدى الشركاء الأساسين فيه. إلا أن أحداً لم يتوقع أن تكون نتيجة هذه الزيارة تنازل مصر عن جزيرتي “صنافير” و”تيران”.

لم يكن أمر تنازل القيادة المصرية عن الجزيرتين بالحسبان، للدرجة التي أجبرت الإعلاميين المعروفين بولائهم الكامل للسيسي على الخروج عن صمتهم وإنتقاد هذا القرار. أعلن الإعلامي “يوسف الحسيني” المعروف بتوجهاته ودفاعه الدائم عن السيسي، والحكم العسكري، رفضه لقرار التنازل، بل وقام بعرض مقطع مصور يتحدث فيه الزعيم “عبد الناصر” عن جزيرة “تيران” ومنع سفن الإحتلال الصهيوني من المرور عبر المضيق. ليتبع ذلك بخطاب للسيسي في فبراير توعد فيه بحماية مصر “ومسح من يحاول التعرض لها عن وجه الأرض” ليوجه الحسيني بعدها سؤالاً للسيسي حول مصير السعودية التي نامت 66 سنة وإستيقظت الآن لتدعي أحقيتها بتيران وصنافير.

بالرغم من أن الحسيني من أشد المؤيدين للنظام الحاكم في مصر، ومواقفه السابقة تشهد له بذلك، إلا أنه لم يستطع إلا المقارنة بين من تحدى الإحتلال الصهيوني وأغلق المضيق بوجهه، وبين من تنازل بكل “طيبة خاطر” عن جزء من الأراضي المصرية لتنفيذ مؤامر –حقيقية هذه المرة- بدأت تتكشف بعض خيوطها. الأخطاء الجسيمة والمتتالية للنظام المصري، لم تترك مجالاً حتى للإعلام الموالي له لتفسير ما حدث، وإختلاق المزيد من الإعذار له.

لخص أحد المتصلين ببرنامج “وائل الإبراشي” الوضع قائلاً بأنه لم يسمع يوماً بسعودية هذه الجزر، وطالب الجهات التي باعت الأراضي المصرية بالمجاهرة بذلك دون تزييف الحقائق والتاريخ، مبدياً خوفه من أن نسمع بالغد القريب بأن سيناء لم تعد مصرية أيضاً. 

لا يمكننا إلا أن نتسائل لماذا لم تطالب السعودية “بإستعادة” هذه الأراضي حين كانت واقعة تحت الإحتلال الصهيوني؟ وهل حين أغلق عبد الناصر المضيق بوجه الملاحة الصهيونية وقتها، هل أغلق مضيقاً سعودياً لا مصرياً؟ لماذا تقوم السعودية بهذا الوقت تحديداً وفجأة بالمطالبة بإستعادة هذه الجزر المشمولة بإتفاقيات كامب ديفيد والتي أكدت السعودية بدورها على إلتزامها بهذه الإتفاقيات الموقعة وتقديمها ضمانات لإستمرار معاهدات السلام ؟ أرى أن وراء الأكمة ما وراءها.

دعونا من مناقشة الوثائق التاريخية وصحتها من عدمه ولنتكلم بكل بساطة. أنا أعلم شيئاً واحداً، وهو أن أي قرار يبعث الراحة والطمأنينة في الأوساط الصهيونية هو قرار مشبوه والرئيس الصهيوني أبدى سعادته بنقل سيادة الجزيرتين للسعودية وبارك هذا القرار الذي يرى فيه فرصة لتعزيز الجبهة المواجهة “للخطر الشيعي”. ترى هل أصبحت “اسرائيل” يهودية على مذهب أهل السنة دون أن نعلم؟!

**************

الإعلام المناصر لعاصفة الحزم: تطبيق ناجح لإستراتيجيات السيطرة على الشعوب

يبدو لنا للوهلة الأولى بأن التوجه الحالي للعديد من الجهات الإعلامية العربية، وخاصة الممولة من قبل دول خليجية، هو توجه يفتقد لأجندة حقيقية، ويعمل دون هدف. إلا أننا إن أمعنا النظر لوجدنا بأن بعض أدوات الإعلام تتبع حرفياً وثيقة “نعوم تشومسكي” التي تحمل عنوان ” الأسلحة الصّامتة لخوض حرب هادئة ” والتي يعود تاريخها إلى عام 1979 ويتحدث فيها عن إسترتيجيات تستخدمها دوائر النفوذ ووسائل الإعلام للتلاعب بالشعوب وتوجيه أفكارهم وسلوكياتهم، وتمرير التوجهات التي تريدها لهم، وبالرغم من أن هذه الإستراتيجيات تبدو في غاية الوضوح إلا أنها أيضاً في غاية الفعالية. 

بت ألاحظ في الفترة الأخيرة – خاصة في الحرب على اليمن – بأن الإعلام الخليجي يتبع تلك الإستراتيجيات تماماَ. فعلى سبيل المثال يتحدث “تشومسكي” في وثيقته عن إستراتيجية الإلهاء بكونها أحد أهم إستراتيجيات تدجين الجموع عن طريق تشتيت إنتباه الرأي العام وتركيز الضوء بعيداً عن المشكلة الحقيقية، وإغراق الشعوب بالمعلومات التافهة وحجب المعلومات في مجالات هامة مثل العلوم والإقتصاد وعلم النفس. نلاحظ هذا بكل وضوح بنوعية البرامج المقدمة في إعلامنا، والتي أساسها الرقص والغناء – الهابط لا الفن الحقيقي – وإغراقنا بالمسلسلات التركية والأفلام البولودية – لدرجة أن أصبح هناك قنوات متخصصة بهذه الأفلام – فمن مسلسل إلى آخر لدوام مهمة التسطيح وتشتيت الإنتباه، وتجهيل الجمهور.

تتحدث الإستراتيجية الثانية عن إختلاق مشاكل غير موجودة ومن ثم قيام السلطة بتقديم الحلول، التي كان من الممكن أن يرفضها الشارع لولا إبتداع تلك المشكلة. تتجلى هذه الإستراتيجية في الإعلام في حديثه عن خطر المذهب الشيعي، وضرورة حماية الإسلام السني بوضوح، والتي وقع ضحيتها قطاع عريض من الشعوب العربية والإسلامية.

تحدثنا مسبقاً عن أسلوب التلقين الفج الذي تتبعه بعض القنوات، ومخاطبتها العامة وكأنهم أطفال لا يعرفون مصلحتهم وبحاجة لتلقي أفكارهم وتوجهاتهم وقراراتهم ممن هو أعلم بمصلحتهم. نلاحظ هذا الأسلوب إن تابعنا الإعلام الخليجي في حديثه عن “عاصفة الحزم” مثلاً، و”قناة العرب” خير مثال على هذا الأسلوب.

أما إستراتيجية إستثارة العاطفة بدل الفكر، فهي الغالبة مؤخراً على بعض القنوات التلفزيونية، فنجد الإعلام الموالي “لعاصفة الحزم” يعرض صور الجنود المشاركين في العمليات ضد اليمن، ويتباكى عليهم، ويجري اللقاءات مع عائلاتهم، لإستثارة عواطف المشاهد، بينما لا تأخذ صور ضحايا اليمن حيزاً في هذا الإعلام، ولا أيضاً أخبار شهداء فلسطين وأسراها ومصادرة الأراضي والبيوت. 

يمكن للمشاهد الذكي بسهولة ملاحظة الخطة الإعلامية التي تتبعها دوائر النفوذ لتمرير قراراتها، بعد تهيئة وبرمجة الشعوب عاطفياً وعقلياً، وغرس الأفكار المرادة في وعيها من خلال وسائل الإعلام. فهذا الأسلوب الكلاسيكي، ينجح في كل مرة، في أوساط العامة التي إتخذت الإعلام المرئي مصدراً وحيداً لتكوين توجهاتها.

**********

أطفال يلقون الأشعار وأطفال يتلقون الموت..

تناولت قناة “فرانس 24″ قبل فترة تقرير اليونسيف المعنون “أطفال اليمن على حافة الهاوية” والذي يتحدث عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها أطفال اليمن جراء الحرب. نقلت القناة حديث ممثل منظمة اليونسيف في اليمن، والذي أكد على أن متوسط عدد الأطفال الذين يُقتلون أو يشوهون في اليمن بشكل يومي يصل إلى ثمانية أطفال. عدا عن إرتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال وإغلاق المدارس بعد تعرضها للقصف، ووفاة أعداد كبيرة من الأطفال بسبب إنقطاع الأدوية والخدمات الصحية جراء الحرب على بلادهم.

صور أطفال اليمن في التقرير تهز الجبال، فبين جثة وأخرى ترى طفلاً قد فقد يده أو قدمه، وآخر في غاية النحالة بسبب سوء التغذية. أغير محطة التلفاز عن هذه الصور لأجد خبراً عن تنظيم مكتب إدارة التعليم في منطقة حائل مسابقة إنشادية تحت عنوان “منشد رعد الشمال” حيث يقوم طلاب المراحل التعليمية بالتنافس على اللقب من خلال إلقاء أشعار تتغنى بالعاصفة على ما يبدو من إسم المسابقة!

ترى هل سيفهم الأطفال الذين تعمل بعض الجهات على غسل أدمغتهم، بأن العاصفة التي يتغنون بها، ليست سوى حرب ذات أبعاد خاصة مشبوهة، حصدت أرواح من هم في مثل سنهم، وتركت بلادهم مدمرة ؟

كاتبة أردنية 

Danazeedan@gmail.com