سيناريو ترقيع العراق وخيارات الكورد

آخر تحديث 2016-04-18 00:00:00 - المصدر: الحرة الحدث

 

بقلم.. كمال كركوكي

جديد تعود بغداد الينا بأزمة جديدة، ازمة أخرى تُضاف الى سلسلة الازمات التي لم تعد شيئاً جديداً على الوضع العراقي وستتطور الى اسوء مما عليه الان. فلاشك ان هذه الأزمات ماهي الا نتاج دقيق لعيوب تاريخية جوهرية في بنية وتشكيلة دولة العراق. 

وبالرغم من تظافر الجهود الدولية ومنذ عقود على ترقيع العراق، الا ان الواقع السياسي الحالي والاحداث الأخيرة يُشيران وبما لا يقبل الشك الى ان مشروع ترقيع العراق قضية خاسرة تستنزف جهوداً واموالاً وتودي بحياة مواطنين ولا تنتج الا مشاكل أعمقْ وتُعقداً أكبرْ للازمات.

وما لم نكن صريحين – نحن كاحزاب كوردستانية – مع أنفسنا ومع شعبنا، وما لم نُقدم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة، فإننا سننزلق الى اتون مشاكل مُستعصية مع بغداد لن تنتهي ابداً بل وستؤدي الى المزيد من الكوارث والماسي التي تعرضنا اليها ولازلنا نتعرض اليها.

وفي هذا المقال نعرض اهم ملامح الواقع السياسي العراقي الحالي، وخيارات الكورد تجاه هذا الواقع:

اولاً لنبدأ بالوضع الاقتصادي، فالعراق الذي يمتلك رابع أكبر احتياطي النفط في العالم، والذي يمتلك بنى تحتية متكاملة لاستخراج وتصدير النفط، وله كامل الأسواق العالمية للتصدير، يمر بأسوء ازمة اقتصادية، ليست بسبب تدني أسعار النفط فقط بل بسبب فشل جوهري من قبل القائمين على السياسة النفطية في العراق في كيفية إدارة عقود النفط مع الشركات الدولية.

وفي المجال الاقتصادي أيضا، يعاني العراق، وسبب ذلك مشاكل كبيرة واذىً حقيقي لشعبنا في إقليم كوردستان، من ضعف بنيوي في توزيع الثروات بين أقاليم ومحافظات ومكونات العراق على النقيض تماماً مما نص عليه الدستور العراقي. 

فقد تمسك العراق والى الان بجميع القوانين التي كان يتبناها نظام صدام، فلم تغير أي من الحكومات العراقية المتعاقبة بعد (2003) من السياسات او القوانين التي تؤطر عمل القطاع النفطي والواردات. وطيلة الفترة الماضية لم نستطع كسر حلقة المشاكل والمتاهات التي تضعها بغداد في ملف قانون النفط والغاز وعائدات التصدير، فكل مرة يتم فيها التوصل الى اتفاق، لا نلبث ان نعود سريعاً الى المربع الأول. وهكذا عملياً لم تغير كابينة العبادي من أي خطوة قامت بها حكومة زميله المالكي.

ثانياً في المجال السياسي، بعد (2003)، بدأ الكورد في "العراق الديمقراطي الفدرالي اللامركزي" بحقائب ومناصب وزارية سيادية، الى ان انتهينا الان بحقائب وزارات خدمات ومعادلات سياسية بعيدة عن أي شراكة حقيقية للكورد في القرارات المصيرية والسيادية. وهنا نود تذكير الأطراف الداعية للبقاء تحت مظلة بغداد بتاريخ الدولة العراقية منذ عشرينيات القرن الماضي. 

فقد بدأ الكورد أيضا بحقائب وزارية مهمة، ثم عانى، وعبر جميع الحكومات العراقية، من سياسات تهميش وتهجير وقتل، الى ان انتهى الكورد بعمليات قتل عام وتهجير وجينوسايد ومقابر جماعية، وأصبحت ذاكرتنا التاريخية تحتفظ بجروح حلبجة والانفال (كًرميان وبادينان) والقتل العام للبرزانيين والكورد الفيلية والالاف المؤلفة من الشهداء والمفقودين. 

ثالثاً في المجال العسكري، الجيش العراقي يعاني من مشكال بنيوية حقيقية ومن غياب العقيدة العسكرية وحس المواطنة والايمان بأهمية تحرير أراضيهم. أي العراق يعاني من فقدان تام لأي قدرات عسكرية قادرة على تحرير ومسك الأرض. فهو يحرر قرية هنا ليعود ويخسر مدينة هناك.

وبالرغم من الدعم الأمريكي التام، نجد انه يجد صعوبة كبيرة في تحقيق أي تقدم حقيقي ملموس دائم في المعركة ضد داعش، فوضع الجيش العراقي ومن حزيران 2014 لم يتغير كثيرا الان في 2016. هذا إضافة الى انتشار وانشطار متزايد في عدد الجماعات المسلحة خارج سيطرة الدولة، وظهور بوادر واضحة على تبلور امراء حرب يديرون اجندات خارج سلطة الدولة. 

في المقابل نجد ان قوات الپێشمرگە الباسلة تسطر الانتصار بعد الاخر بالرغم من ضعف الإمكانيات وقلة الموارد الاقتصادية، لأنه يمتلك الايمان الوطني الراسخ والعقيدة العسكرية العميقة التي تؤهله ان يكون الحارس الأمين والموكل بحماية أرواح وممتلكات شعب كوردستان وارضنا العزيزة. 

رابعاً لو حللنا بشكل مختصر الازمة الجديدة، نجد ان العراق وبالرغم من محاولة جهات دولية كبرى ترقيعه بكافة السبل الممكنة لا يستطيع لملمة شتات مجتمعه وطبقته السياسية ونوابه، وبعد ثلاثة أشهر من تدافع سياسي شعبوي وفوضوي واضح لم تستطع تلك القوى الدولية وبكل ما اوتيت من قوة ونفوذ ان تنجح في ترقيع ولو شيء بسيط من الشرخ السياسي والاجتماعي في بنية وهيكلية العراق.

فأزمة ومشاكل العراق تختنق أكثر وأكثر ولا يوجد اي أمل في تهدئتها او حلها. ونحن الكورد ان لم نخطو خطوتنا التاريخية في اجراء الاستفتاء وتحقيق إرادة شعبنا بتقرير مصيره سنذوب في نيران هذه الصراعات المركبة والمتداخلة والتي لم تكن لنا فيها أي يد، ولم نتسبب بها، لم نفجرها ولم نتدخل بين قادتها. فلماذا نجر أنفسنا وشعبنا الى هذا المعترك؟!

وهنا اعود واذكر الاطراف المختلفة وخصوصا تلك التي تُنَظرْ وتنادي بأهمية البقاء تحت سيطرة بغداد، وبضرورة العدول عن أي خطوة تبلور حق شعبنا الطبيعي والمكفول بالقوانين الدولية لأجراء الاستفتاء، ادعوهم واذكرهم بضرورة قراءة الواقع الحقيقي للعراق، وضرورة تغليب المصلحة الوطنية الكوردستانية على المصالح الحزبية الضيقة، والتي ستضر بهم اولاً. فشعب وتاريخ كوردستان لن يغفر لهم تهافتهم على وضع العصا في عجلة الاستقلال والتبلور لامة وشعب بكامله. 

الواقع العراقي غير القابل للترقيع، الواقع العراقي الذي استمر على إعادة انتاج قيادات وعقليات شوفينية دكتاتورية عبر عقود طويلة، كان ولايزال واقعاً وتركيباً سياسياً مناهضاً ومعادياً لأي مصلحة كوردية. ماذا تكون عليه خياراتنا في ضوء هكذا واقع متدهور ومنزلق الى اتون صراعات غير قابلة للحل منذ عقود وعقود؟ ماذا نستطيع ان نكسبه لشعبنا من بقاءنا ضمن دورة هذا الصراع؟

رأينا كيف تخرج بغداد من دوامة لتعود سريعاً الى دوامة أخرى اكثر تعقيداً واشكالاً، ولنطرح هنا سؤالاً جوهرياً يأتي في عمق المعادلة الحالية للوضع في العراق، هل نريد لشعب وإقليم كوردستان ان يكون جزءاً من هذا الصراع غير القابل لا للحل ولا للترقيع؟ هل صحيح ان نوقف عجلة تقدمنا الى الامام والتبلور كأمة وشعب في انتظار بغداد؟ هل صحيح ان نضيع تضحيات قوات الپێشمەرگە الشجاعة وشهدائنا الابرار متوقعين الاحسن من هيكلية سياسية لم تجلب سوى المعاناة والمأساة لشعبنا؟ 

اننا نعتقد جازمين ان كل يوم يمر ونحن ندور في اتون أزمات بغداد هو خطأ كبير في حق نضال شعبنا الابي الكريم. كيف لنا نعتقد بمستقبل امن لأطفالنا مع عراقٍ لا يؤمن – ولم يؤمن يوماً – بشراكة حقيقية، وماهي تفاعلات الازمة الأخيرة الا موقف واضح وصريح جداً من الدور الكوردي في بغداد. الحكومات العراقية المتعاقبة لم تترك فرصة الا ودفعت باتجاه تهميش أكبر ودفع اكبر للكورد خارج العملية السياسية ومعادلة القرار السياسي، فلماذا نتمسك نحن بشيء يثبت التاريخ وتثبت الأحداث يوماً بعد اخر انه غير قابل للتصحيح او الترقيع؟! نحاول ومنذ سنوات حل المشاكل الجوهرية في العلاقة مع بغداد، ولم ندخر وسعاً في عقد المفاوضات والذهاب بزيارات الواحدة تلو الأخرى لتمسكنا العميق بأهمية اتباع السبل السياسية والديمقراطية، لكن وبسؤال بسيط يتوارد الى ذهن مواطنينا في إقليم كوردستان ماذا تحقق من كل ذلك؟ هل استطعنا من العقلية والتركيبة التي تحكم بغداد؟ هل احترمت أيا من الحكومات المتعاقبة بعد 2003 لوعودها واتفاقاتها مع حكومة وقيادة كوردستان؟ هذا بالرغم من ان إقليم كوردستان كان يضطلع دائما بدوره الإيجابي والبناء في رأب الصدع بين مختلف قيادات النخبة السياسية للعراق. فرئيس أقليم كوردستان، الرئيس بارزاني لم يدخر جهداً في سبيل المضي بحلول لحقن الدماء والمضي بعملية سياسية تعيد العمل الحكومي الى نصابه وتُنهي الصراعات السياسية الدائرة.

وبدلاً من المضي بالاتفاقات السياسية المبرمة مع الإقليم احتراماً لهذا الدور الإيجابي للرئيس بارزاني ولوعودهم وتواقيعهم على تلك الاتفاقات، كانت الحكومات المتوالية في بغداد لا تتوانى في أي فرصة عن تهميش الدور والقرار الكوردي. 

وهكذا، وفي ضوء تاريخ العراق، وفي ضوء تطور الاحداث وتفاعلها منذ 2003 والى الان، لا تنم كل تلك الاحداث والأزمات المتتابعة والمتتالية الا عن انهيار واسع في مختلف اركان هيكلية العراق، سواء كان ذلك سياسياً او عسكريا او اقتصادياً، في الوقت الذي لم يكن للكورد أي دور في هذا الانهيار المتوالي للعراق، بل على العكس، عانى شعبنا الكوردي من سياسات قمعية وقسرية أدت الى تضحيات جليلة ومأساة كبيرة بين مختلف أبناء شعبنا. 

لذلك، نقول اننا مقتنعون تماماً بان خيارات الكورد في بغداد، تبدأ أصلاً من شعبنا في إقليم كوردستان، تبدأ من الاخذ بخطوات واثقة وحقيقية ورصينة نحو اجراء استفتاء حق تقرير المصير، ولندع شعبنا يعبر بشكل ديمقراطيٍ مباشر وحر عن الخيارات التي تتناسب وتوازي مقدار تضحياته وصموده. ونحن سنكون اهلاً للمسؤولية التي سيكلفنا بها شعبنا ولن نتوانى عن المضي قدماً لتحقيق طموحات وامال شعبنا المشروع