بقلم.. فاروق يوسف
أخلاقيا وقانونيا فإن كل ما ينتج عن الباطل هو باطل أيضا.
حكمة لم يدرك العراقيون حتى اللحظة قوة سلطتها التاريخية، فكان ذلك سببا في إستمرار عمليات تزوير الحقائق واللعب المكشوف بالعقول والتماهي مع العواطف المريضة، من غير أن ينتج عن كل ذلك أي شيء حقيقي، يستند عليه المرء من أجل أن يُصبر نفسه بالآمال.
لقد صدق العراقيون الأكاذيب التي أطلقها الاميركان بعد غزوهم الباطل. بل أنهم كرسوا تلك الأكاذيب حين أقبلوا على اقرار دستور، كان قد كُتب من أجل تمزيق نسيجهم الاجتماعي وحين بصموا بأصابعهم البنفسجية على بطاقات انتخابات صُرفت عليها مليارات الدولارات من اجل اضفاء الشرعية على زيف تلك الانتخابات.
ما فعلوه يمكن تلخيصه بجملة واحدة. إنهم دخلوا حلبة الزيف غير مضطرين فكانوا كمَن يضحك على نفسه حين صدقوا أن الاحتلال وهو فعل عدواني شرير سيحقق لهم ما عجزوا عن انجازه بأنفسهم من انتقالة إلى الزمن الذي تكون فيه حريتهم وكرامتهم وخيرات بلدهم مصانة في ظل عدالة، لطالما تاقوا إليها.
صحيح أن عمليات تضليل اعلامي كبيرة قد مورست من أجل أن تكون تلك القناعة واقع حال، غير أن الصحيح أيضا أن فئات كثيرة من الشعب العراقي قد تلقت تلك القناعة بعيون مغلقة وقلوب مفتوحة، بتأثير مباشر من منطق الغرور والتعالي على الحقائق الذي طالما دفع بالعراقيين إلى التهلكة بسبب شعورهم بأن كل ما يفعلونه لا يمكن أن يتخلله الخطأ.
لذلك لم تشك تلك الفئات بالاحتلال وبمن والاه ممَن قدم الى العراق على ظهور دباباته التي لوثت طلقاتها شرف العراقيين قبل أن تمزق سماء عاصمة الرشيد. فكانت نتيجة ذلك اليقين أن صار الشعب كله رهينة بأيدي رجال عصابات، لا هدف لهم سوى أن يفرغوا خزائن تلك البلاد الثرية من الاموال وحجتهم في ذلك أنهم يحافظون على الدستور الذي جعل منهم حراسا له وممثلين لشعب، رضي في أن يتخلى عن وحدته الوطنية ليُشار إليه في الدستور بأنه مجموعة من المكونات.
لقد يسر الشعب من خلال قبوله بما فرضه عليه المحتل من قناعات ثقافية الامر على مَن استثمروا قبولهم بالتعاون مع محتل بلادهم في المكان الذي سيدر عليهم أموالا طائلة من غير أن يبذلوا أي جهد يُذكر.
كان الجهد الوحيد الذي بذلوه يكمن في أنهم عطلوا قدرة الشعب على التفكير بمصيره بطريقة صحيحة. لقد كان من اليسير عليهم أن يحلوا الخرافة محل الواقع، بسبب تراكم الارث الديني بصيغته الطائفية وقوة تاثيره في مجتمع تم تجهيله.
ولأنهم كانوا مجرد لصوص ولم يمتلكوا الحد الادنى من مهارات السياسيين في اللعب المخادع فقد حولوا العراق إلى ملعب تصول فيه مافيات الفساد. وهو ما أنتهى بهم أخيرا إلى الموقع الذي يفرضه نظام المافيا، هناك حيث تتغلب المصالح الضيقة على الشراكة العامة.
ربما حدث ذلك لأنهم اطمنئوا أكثر مما يجب أن لا أحد في إمكانه أن يعرضهم للمساءلة أو لأنهم بعد أن سلموا البلد إلى الافلاس وصارت خزائنه فارغة شعروا بالهلع، خوفا على أرصدتهم الخيالية التي لن تكون في مأمن إن هم فقدوا السلطة.
ما شهده العراق في الأونة الأخيرة من صراع مكشوف بين أطراف الحكم إنما يشير إلى أن ما بني على باطل لابد أن ينهار مهما بلغت حماياته من الفطنة.
فالعراق الجديد الذي بشر بولادته على ركام العراق التاريخي دعاة الاحتلال ومريدوه قد انتهى إلى أن يكون ملعبا لحرب مافيوية، أطرافها الاحزاب التي اعتمد عليها المحتل في ادارة تلك الاطلال التي صار شعبها وراء السراب.
التاريخ يقول كلمته اليوم. فالاحتلال كان باطلا وهو ما دفع عددا من أركانه إلى الاعتراف بذلك. اما ما نتج عن ذلك الباطل فإن الوقائع تكشف عن أنه لن يتمكن من الامساك بطرف من الحق، بغض النظر عما نهبه من ثروات العراق.
سياسيو العراق يواجهون اليوم استحقاقا تاريخيا، هم أضعف من أن يصمدوا أمامه.
الباطل لن ينتصر.