بقلم.. جاسم الحلفي
لا نجد في تاريخ الأنظمة البرلمانية في العالم، حسب اطلاعي، ان برلمانا في بلد ديمقراطي أو يشهد تحولات ديمقراطية قد اعتصم، نعم، يحدث تعليق لجلسات البرلمان، أو تمديد لمدة عمله بفعل ضرورات موضوعية او صراعات داخلية، وهناك صراعات شديدة سياسية، أو حروب، عطلت أعمال برلمانات كما في لبنان، علما ان النظام السياسي اللبناني شبه رئاسي وليس برلمانيا، وأستثني هنا البرلمان الليبي الذي انشطر إلى مجلسين متصارعين، مع ان النظام السياسي الليبي لا يمكن تصنيفه ضمن بلدان التحول الديمقراطي، فالفوضى هي الصفة الغالبة على الوضع السياسي هناك.
اذا لم يجد البرلماني فرصة لممارسة وظيفته في تغيير الأوضاع او إصلاحها الا بالاعتصام، فكيف للمواطن العادي ان يعبر عن احتجاجه على الازمة العامة الشاملة والمسؤولين عنها؟
يبدو ان هذه الأزمة من العمق والقوة بحيث شلت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصا في انعكاسها على الوضع المعيشي والحياتي للمواطنين ارتباطا بفشل السياسات الاقتصادية والمالية، وفي اتساع نطاقها بحيث لم تبق سلطة او مؤسسة او مرفق في منجى من عصفها.
لم يكن اعتصام البرلمانيين الا صدى لحركة الاحتجاج الشعبية، ومن المهم النظر اليه من زاوية النتائج التي اسفر عنها، وليس فقط من زاوية مصالح المعتصمين، فهناك تباين واضح في مصالحهم وغاياتهم، كذلك في الأجندات التي تحرك بعضهم، والسؤال هنا هو: هل يتمكن البرلمان من افراز كتلة برلمانية وطنية إصلاحية غير طائفية، بعيدة عن كل استقطابات المحاصصة واشتراطاتها؟
المهم في الأمر هو قدرة حركة الاحتجاج الشعبية على نقل معركتها مع المحاصصة والفساد الى ساحة مجلس النواب، كما نقلتها إلى مسرح الحكومة ورئاسة الجمهورية، ويقينا ان تأثيراتها ستشمل السلطة القضائية أيضا، فيما لم يفلت منها أي حزب او كتلة سياسية متنفذة، مسببة للازمة ومسؤولة عنها.
طبيعي ان عجز رئيس الحكومة د. حيدر العبادي عن طرح حلول ومعالجات جذرية للمعضلات القائمة، بالاستفادة من الهبة الجماهيرية المطالبة بالإصلاح، والتي انطلقت في تموز العام الفائت ولقيت تأييدا واسعا من لدن الشعب العراقي، ان هذا العجز هو احد اهم أسباب تفاقم الأزمة. كما ان طرحه موضوعة استبدال الحكومة بحكومة تكنوقراط، دون ان يتمكن من تشكيلها، قد زاد الطين بلة، مع ان الاصلاح لا يتم بتبديل الوزراء وانما عبر رؤية وبرنامج ومنهج واضح، وعلى يد فريق عمل كفوء ونزيه وشجاع، اما وعود الإصلاح والتغيير فقد بقيت كلمات لا تدل على شيء جدي وملموس.
في كل الأحوال يتوجب الاقدام والإسراع في طرح حلول ومعالجات استثنائية غير معهودة، تبدأ بمغادرة منهج التسويف والمماطلة واللعب على عامل الوقت، كذلك التحلي بالشجاعة في اتخاذ خطوات واضحة واثقة صحيحة مطمئنة، للخروج من مأزق المحاصصة الطائفية، على ان يتم ذلك دون تقاطع مع الدستور، وان يكون التغيير جذريا وشاملا، ويبدأ في تشكيل حكومة من كفاءات وطنية نزيهة وجريئة، وذات خبرات وقدرات قيادية وإدارية ناجحة.