أبناء المحافظات في عين العاصفة هذه المرة: انتحار جماعي لمتعطلين عن العمل من عجلون.. ومسيرة جنوبية تقارن بين “ابن الفاسد وابن الشعب” في ذيبان.. الاعلام متأهب بعد استش

آخر تحديث 2016-05-14 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

عمان- رأي اليوم- فرح مرقه

بتحليله المعاكس للرواية الرسمية الاردنية للحادثة المعروفة بـ “سقوط الشقيقتين السلطي” قال استشاري الطب النفسي الدكتور محمد الحباشنة- رحمه الله- لـ “رأي اليوم” أن الانتحار من علٍ بصورة جماعية يندرج تحت ما يعرف بـ “الانتحار الايثاري” وهو معروف على مدار التاريخ، الامر الذي لم تتوافر شروطه آنذاك على حادثة السقوط والتي لا تزال قيد التحقيق المتكتم عليه.

بالتحليل المذكور يمكن فهم ما فعله خمسة شبان قادمين من محافظة عجلون قبل ايام، فقد  صعدوا على مبنى عرف بـ “بناية الانتحار” وسط العاصمة الاردنية ملوحين بالقاء انفسهم من علٍ، لتنطبق ملامح الانتحار المذكور آنفا واغراضه مع ما قاله الحباشنة، كون الانتحار “الايثاري” حسب شرح الطبيب الراحل له ثلاثة عناصر رئيسية: يحصل لجذب الانتباه لـ”قضية عادلة”، ويكون المقدمين عليه غالبا من الذكور، ويختار له منطقة مزدحمة.

العناصر الثلاثة توافرت في عملية “التلويح الاخيرة”، ما يعني ان انتحار الشبان لو تم، كان ليشكل اول حالة انتحار جماعي ايثاري صادم للمجتمع يجعل القضية التي انتحر لاجلها المنتحرون “واجهة للتفكير لكل من تمسهم القضية” كما لن تكون “زوبعة في فنجان”، حسبما تفهم “رأي اليوم” من التحليل الذي قاله الحباشنة في مناسبة سابقة وتفترض انه كان ليقوله الان، لولا ان وافته المنية قبل اسابيع.

التحليل النفسي في السياق لا يفسر الحادثة فقط، بل يفسر ابعد منها والتعامل المتكتم من جانب الحكومة والسلطات عليها، كونها تعلم وتدرك ان حالة من وزن “انتحار جماعي بسبب البطالة” لن تكون بالامر الهين ولا المقدور على تفادي اضراره اللاحقة، في الوقت الذي يجلس فيه المجتمع مرتبكا غير مقدّر تماما للتصرف الامثل امام حالة من وزن “قتل النفس″ بالصورة التي لوح بها الشبان ما قد يفسر أيضا الهجوم غير المبرر على رئيس الوزراء الاسبق سمير الرفاعي اذ تحدث في القضية.

الرفاعي بعد تغريدة تتناول حادثة “المنتحرين المتعطلين عن العمل” وتذكر بأن البطالة يجب ان تكون اولى الاولويات في الاردن، واجه حملة شرسة تحاول ان تطالبه بعدم الكلام في القضية وتتهمه بالتقصير بحق الشباب حين كان في الموقع ودون اي دلائل او قرائن، بصورة قد لا يفسرها الا نظرية “استبدال الاهداف” بصورة اساسية والتي يستخدمها المجتمع للهروب من الاعتراف بالمشكلة الحقيقية من جهة، ولكون التجاهل الرسمي اسبغ على القضية سبغة “عدم الاهمية” ما جعل حديث الرفاعي بها يبدو  “استعراضيا” من جانب ثانٍ.

رسميا لم يخرج احد للادانة او الاعتراض، فلا وزير العمل الدكتور نضال القطامين ظهر مبررا موقفه، ولا وزير الاعلام الدبلوماسي الدكتور محمد المومني، وحتى مقابلة الرئيس الدكتور عبد الله النسور على شاشة الجديد اللبنانية في برنامج وحش الشاشة تم الاعتذار عنها، رغم ان طوني خليفة مقدم البرنامج كان في عمان وبهدف حلقة اردنية بامتياز.

اعتذار النسور جاء باللحظات الاخيرة، مبرر بعارض صحي، رغم ان مجرد الظهور بأي مكان قد يؤدي غرض الحديث والتضامن مع الاردنيين.

بالعودة للرفاعي، والذي جاء رأيه في التغريدة غير جديد، إذ كان قد تحدث به عمليا غير مرة بحضور “رأي اليوم” وبلقاءاته معها وفي العلن، إلا انه على ما يبدو ذكر الاعلام بالحادثة وجرّأه على طرحها بعدما مرت مرور الكرام يومي الاربعاء والخميس، لتتصدر الحادثة مقالات الرأي والتحليلات الاخبارية والصحفية الجمعة، في تفاعل متأخر بعض الشيء مع الحدث، قد يفسره خصوصية المجتمع الاردني المحافظ الذي تربكه حادثة الانتحار لاسباب متعلقة بالدين والمجتمع‎.

أمر أهم أسهم في أن يضع الحادثة في أولويات الشارع والإعلام فجأة، يبدو أنه الإشارة الملكية التي فهمها الجميع من بدء دورة استثنائية بقانون واحد والتي بدت كصافرة نهاية للحكومة ومجلس النواب معا.

انقضّ الاعلام مرة واحدة على الحكومة، ورغم مضى 48 ساعة على القصة فقد تصدرت أهم ثلاث مقالات في صحيفة الغد الاردنية والمعروفة بالبوصلة المضبوطة والمجسّات التي لا تخيب، لتؤشر على الحادثة باعتبارها “أم الازمات”.

انتحار بسبب البطالة، هو بالتأكيد أم الازمات، وهو ناقوس خطير للمجتمع الاردني الذي بدا انه مرهق اكثر مما اورده النائب وصفي الرواشدة في رسالة نارية للقصر الملكي.

القضية تحدث فيها عدة اشخاص سابقا وأشروا عليها باعتبارها الخطر الاكثر دهما للداخل الاردني، ورجلين مثل الدكتور عمر الرزاز مهندس الاستراتيجية الوطنية للتشغيل والتي لا تزال حبرا على الورق، ورئيس الديوان الاسبق الدكتور مروان المعشر صاحب الاجندة الوطنية التي يعرف الاردنيون جميعا كيف اصبحت مثالا في الاستراتيجيات المهملة ايضا، كانا قد عملا لاجتثاث البطالة ايضا باعتبارها ام الازمات والاشكالات، ولكن في الحقيقة لا شيء يتغير بالنسبة لشبان خارجين من عجلون لينتحروا فوق بناية في عمان، او بالنسبة لأولئك الذين خرجوا من بيوتهم الجمعة في مسيرة تعترض على نفس القضية.

في ذيبان الجنوبية خرج الشبان يطالبون بأن لا تظل الوظائف والمناصب لابناء الذوات رافعين شعار “ابن الفاسد مستشار وابن الشعب عالدوار”، ما يعني ان الاردنيين بدؤوا بالغليان وهذه المرة في حراك مطلبي اقتصادي اكثر من كونه اقتصادي.

الشبان الباحثون عن عمل ليسوا وحدهم المتضررون، فـ”رأي اليوم” منذ اسابيع تستمع لشكاوى المستثمرين واصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة من السياسات الاقتصادية المحلية، والتي تسهم في ان يفقد هؤلاء السيولة اللازمة لدفع رواتب موظفيهم، ما يعني ان حالة الركود كبيرة في البلاد وتحتاج المزيد من النباهة في التعامل معها، على اساس ما قاله الرئيس الرفاعي نفسه سابقا “المديونية لن تنخفض.. فلنوسّع الاقتصاد”.

بكل الاحوال لا يمكن تجاهل ان الحراك المطالب بالوظائف اليوم هو حراك محافظاتي، بمعنى ان ابناء المحافظات المهملة لعقود باتوا غير قادرين على الصبر اكثر، وهنا لا بد للجميع ان يتذكر ان الحراكات الحقيقية تاريخيا لم تبدأ بالعواصم.