اخبار العراق الان

إدريس بنيعقوب: الحزب السياسي المغربي بين ثقافة المناضل و”عقلية الزبائن”

إدريس بنيعقوب: الحزب السياسي المغربي بين ثقافة المناضل و”عقلية الزبائن”
إدريس بنيعقوب: الحزب السياسي المغربي بين ثقافة المناضل و”عقلية الزبائن”

2016-06-07 00:00:00 - المصدر: راي اليوم


إدريس بنيعقوب

لم يخضع أبدا  الحزب السياسي في المغرب إلى مجموع المحددات المفاهيمية و المعايير التصنيفية التي وضعها فقهاء القانون الدستوري و المختصون في العلوم السياسية. فإذا كانت طموحات الحزب و مسببات وجوده هي  المشاركة في ممارسة السلطة، و اقتسام الدور التنظيمي و التأطيري و التدبيري للحياة العامة مع جهاز الدولة البريوقراطي و التقنوقراطي،  فإن عددا من  الأحزاب في المملكة و بالنظر إلى ظروف نشأتها و تطورها لا تتمثل هذا التصور، و لم تحدد لنفسها أي دور أو يمكن القول أنها  سلبت أدوارها الحقيقية لتقوم فقط بمهمة محددة زمنيا و حتى جغرافيا.

عدد من الأحزاب تبنت مرجعيات فكرية و فلسفية واضحة و حددت لنفسها ادورا سياسية و اجتماعية مرتبطة بمنظومة القيم التي تحيل عليها مرجعياتها تروم الكرامة و المساواة و العدالة الاجتماعية  و التخليق و إحقاق الحقوق لذوويها و غيرها من الأهداف و المرامي ، و تعد هذه الأدوار مقدسة بالنسبة إليها  بل أكثر من ذلك تضع وجودها أحيانا في خانة الضرورات الإنسانية، الشيء الذي يحدو بها لزاما  إلى وضع برامج و خطط تواصلية و إعلامية و تكوينية لاستقطاب مناضلين حقيقيين، بإمكانهم التضحية بكل شيء من أجل هذه القيم و إن كان الثمن هو الاعتقال و الإضطهاد أو الإقصاء  و غيرها.

أحزاب أخرى لم يكن وجودها في المشهد السياسي حاجة فلسفية أو اجتماعية بقدر ما كان إخراجها إلى الحيز السياسي فقط من أجل أداء مهمة محدودة داخل الزمان و المكان، و غالبا  ما تكون هذه المهمة محددة في  عرقلة توسع  الأحزاب التي حددت لنفسها أدوارا واضحة داخل النسق السياسي و السوسيوثقافي و  التي  لها من عناصر القوة و التأثير  مايؤهلها لتغيير أو توجيه قيم السلطة التي ينبني عليها النظام أو النسق السياسي ككل. و من جهة أخرى كان ظهورها و توسعها بهدف  تأطير تشكيلة إجتماعية أو عرقية  غير منصاعة للإجماع الوطني من وجهة نظر جهاز الدولة، من أجل تهذيبها و صهرها داخل المجتمع بعد تحوير و ظبط  قناعاتها.

حزب المهام لا يسعى إلى بناء مؤسسات حزبية يعمرها مناضلون تشبعوا بمرجعية  الحزب و لا يسعى إلى خلق ثقافة نضالية دفاعا عن  القيم ذات البعد الحقوقي  الإنساني عموما   ذات التجليات الإحتجاجية  داخل التنظيم و خارجه  إن اقتضى الأمر. مشروعية حزب المهام مستمدة من وفائه لمصدر قوته، المصدر الذي رسم له المهمة و مكنه من أدوات البقاء و التواجد في مؤسسات البلاد و هيأ له وعاء حركته داخل المشهد العام خلافا لحزب الأدوار الذي يؤسس مشروعيته على مساره النضالي التاريخي، على العمل من أجل تثبيت قيم الحق و على الحاجة الإنسانية و الاجتماعية لظهوره. ليس من أولويات حزب المهام المؤقتة التي يمكن أن تصبح مؤقتة دائمة حسب الحاجة السياسية و حسب ظروف الزمان و المكان ، ليس من أولوياته تبني المسار التقريري الديمقراطي إن على المستوى الداخلي أو على مستوى اشتغاله داخل جهاز الدولة و انبثاقاتها المتشعبة، بل يعمل دائما هذا الصنف من الأحزاب على  جلب « زبناء » يتداولون فيما بينهم المصالح في عملية شبيهة بعملية بيع و شراء و مقايضة خصوصا في المحطات الإنتخابية. هذا المنطق جعل عددا من الاحزاب السياسية بمثابة استثمارات أو  مشاريع مدرة للدخل، ليس لها اي أدوار  بل أصبحت أحزابا للتيه و الضياع، غاب  فيها  المناضلون و انتعش فيها الزبائن.

في ظل هذه الأفكار ينبع التساؤل المشروع عن هوية و سيناريوهات التحالفات الحزبية أو السياسية، سواء في إطار الأغلبية المسيرة للشأن العام أو في إطار المعارضة، من يتحالف مع من و من يكمل من؟ من يستعمل من هل صاحب الدور أم  المكلف بمهمة؟ هل نحن هنا بصدد تشكل قواعد جديدة للعبة التوازن بين صاحب المهمة في مواجهة صاحب الدور أم هناك هيمنة و توجيه تحكمي من حزب المهمة لأحزاب الأدوار؟ هذه التساؤلات قد تشكل منطلقا لبحث سوسيولوجي عميق لطبيعة الفاعل السياسي المغربي في المستقبل.

و خلاصة القول، لا يمكن الحديث عن أي  تطوير أحادي الجانب-  من طرف الدولة و الإدارة-  للمسار الديمقراطي في المغرب في غياب تطور في البنيات العضوية و الذهنية الحزبية و وضوح في أدوار كل حزب على حدى وفق مرجعية نسقية و معرفية محددة.

*باحث في العلوم السياسية.