التراث العراقي مردود مالي كبير يعاني ألاهمال الحكومي
خاص – NEN عراق
هناك رؤية اقتصادية تتمحور حول السياحة في العراق، لتؤكد أن هذا البلد بإمكانه أن يعيش بترف عال من السياحة فقط، فهناك تراث انساني حضاري في كل بقعة من بقاع هذا البلد في جنوبه ووسطه وشماله، في مدن البصرة، والناصرية وبابل وبغداد وسامراء ونينوى، هذا على صعيد التراث، واذا تحدثنا عن السياحة الدينية وكثرة المراقد المقدسة في معظم مدن العراق، فإن هذا النوع من السياحة يمكن أن يشكل رافدا اقتصاديا لا ينضب.
ومن المهم أن نذكر في البداية أننا ازاء موضوع خطير، لكننا مع خطورته وتفرده، ندير له ظهورنا، ولا نعطيه أية أهمية تذكر، إلا ما يعادل ذر الرماد في العيون، إن التراث الشعبي ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافة المادية والفنون التشكيلية والموسيقية ، وهو علم يدرس الآن في الكثير من الجامعات والمعاهد الأجنبية والعربية لذا فإن الاهتمام به من الأولويات الملحة.
وطالما أننا في مضمار التراث واجوائه، فمن الممكن ان يتم رسم بعض المشاهدات لتراث مدينة في دولة مجاورة للعراق، الفارق الوحيد بين الغرب والعراقيين بشكل عام أنهم يحترمون تراثهم، أما هنا فقليلا ما يتم الاهتمام به وتسليط الضوء عليه الا في حالات خاصة ، وهذا أمر عجيب، قد لا يحدث في اكثر دول العالم تأخرا، فعندما يتجول السائح في اسطنبول، خاصة اذا كان من هواة جمع ومشاهدة الاثار،ويقوم بزيارة لمتحف ايا صوفيا الشهير ، يتراى له ان رائحة التاريخ تحيط به من كل جانب، ويعود قرونا الى الوراء، وينتابه شي ء من الغموض الجميل الذي يجتاح الانسان وهو يتجول مشدوها في متاهات التاريخ ورموزه، واذا خرج من متحف آية صوفيا ودخل(القصر الكبير)، فحضر تاريخ السلطة العثمانية بكل ثقله وحضوره وأساطير السلطة وأعاجيبها، ويرى ايضا قاعات العائلات الحاكمة وصور السلاطين وابناؤهم تلمع وكأنها مصنوعة الآن، وكانت غرفهم ومجالسهم وعروشهم وسيوفهم ودروعهم وطرابيشهم حاضرة وتجسد السلطة بقوة، واخيرا رائحة التاريخ التي تبثها القاعات والغرف والابواب والنوافذ المصنوعة من أخشاب (تاريخية) لا يدنو منها القِدَم.
بالاضافة الى جوقات السياح وخاصة من اوربا تتقاطر كالسيل على الاماكن الأثرية في اسطنبول، في احد الشوارع العامة يلاحظ ان هنالك أناس يتجمهرون ويستديرون حول ساق شجرة بسمك 70 سم وارتفاع مترين ومحاطة بحواجز من المعدن المشبك وتبدو عليها القداسة، اذ يتعجب من حالنا نحن العراقيين ، نمتلك تراث الكون ولا يتم الاهتمام بها بشكل يثير اعجاب العراقيين انفسهم قبل السواح، فيرى السائح بين مرفق تراثي وآخر، وبين خطوة وأخرى،اهتماما حكوميا وشعبيا كبيرا في التراث بهذه المدينة، علما أن العالم حدد يوما خاصا للتراث تعبيرا عن مكانته الكبيرة في تاريخ البشرية.
وبالاضافة الى كل ماتم ذكره يوجد ايضا يوم التراث العالمي (بالإنجليزية: world heritage day) هو يوم تحتفل به العديد من دول العالم في يوم من أيام أبريل/ نيسان وهو يوم حدده المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية الـ (ICOMOS) للاحتفاء به كل عام ويتم برعاية منظمة اليونسكو ومنظمة التراث العالمي من أجل اليوم العالمي لحماية التراث الإنساني، حسب الاتفاقية التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في باريس في عام 1972. في اليوم العالمي للتراث، يحتفي العالم بالتراث الثقافي الذي يشمل الآثار والأعمال المعمارية والمجمعات العمرانية والمواقع الحضرية ذات القيمة الاستثنائية، وتراث طبيعي ليشمل المواقع الطبيعية ذات القيمة العالمية.
في العراق يوجد تراث أهم الحضارات في التاريخ، وأولها في الحضور التاريخي وفي التأثير، وتنتشر في عموم مساحة العراق ومدنه نزولا من الشمال نينوى مرورا بسامراء، والمدائن، ورموز بغداد التراثية لندخل في بابل وآثارها التاريخية الهائلة، اسد بابل ومسلة حمورابي وقلاع البابليين وساحات السباقات والمبارزات، ثم الناصرية واور والزقورة وأهوار العراق الهائلة، وقبل ذلك تلك الاماكن الأثرية التي تحفل في مدينة كربلاء، فضلا عن المراقد المقدسة للأئمة الاطهار (ع)، كل هذه المعالم التراثية الكبيرة لم تجد ما تستحقه من اهتمام مدني او حكومي.
وكذلك نحن نفرط بمصدر اقتصادي مهم جدا، يمكن أن يتحول الى مورد مالي لا يقل أهمية عما يحققه النفط لنا، ونعني به السياحة الدينية، ولكن يحتاج الامر الى استثمار وتنبّه وتخطيط، ان العراق يغص بالمراقد الدينية، ويندر ان تذهب الى مدينة عراقية إلا وتجد فيها مرقدا او أكثر، وهذا يعني استقطاب أعداد كبيرة من السائحين والزوار، بقليل من الاهتمام والتخطيط يمكن أن تصبح السياحة الدينية مورادا هما وجديدا للعراق، ولكن يحتاج الامر الى دراسات وتخطيط لخبراء في هذا المجال مع دقة وحرص في التنفيذ.
ان الاحتفال باليوم العالمي للتراث يدعونا كعراقيين، المسؤولين اولا، والمثقفين والمعنيين بالتراث، وعموم المواطنين أن نبذل ما يكفي من الاهتمام بهذه الأماكن، فهي فضلا عن امكانية ان تشكل لنا مصدرا ماليا اقتصاديا هائلا، فإنها تسهم بصورة فعالة في تسريع بناء الدولة واركانها وتضاعف من قوة مؤسساتها وتزيد من وحدة ولحمة شعبها ومكوناته كافة، كما أن احترامنا لتراثنا يزيد من احترام الأمم والشعوب والدول الأخرى لنا، وهذا يستدعي اهتماما شعبا بما نمتلك من رموز دينية وايقونات تراثية، وأشكال متنوعة في التصميم والعمارة، لأننا بصريح العبارة بلد يعج برائحة التاريخ، ولكننا لا نعبأ بهذا الجانب، مع أنه يمكن أن يدرّ علينا ما يعادل الأموال التي يدرها علينا النفط، او الزراعة عندما كانت مزدهرة.
شارك هذا الموضوع: