جهود لإحياء صناعة ساعات اليد البريطانية
لن تجد صعوبة في العثور على ساعة سويسرية الصنع في متاجر قلب العاصمة البريطانية لندن، حيث تباع ساعات يد تنتجها علامات تجارية شهيرة، مثل رولكس، وأوميغا، وباتك فيليب.
لكن العثور على ساعات يد من صناعة بريطانيا قد يمثل صعوبة حقيقية.
ومن بين شركات صناعة الساعات البريطانية، هناك شركة “بيرمونت”، والتي لها متجر في منطقة ماي فير وسط لندن.
ويبلغ سعر ساعات اليد الميكانيكية التي تنتجها الشركة ما بين 2,695، و30,950 جنيهاً استرلينيا، وجميعها صممت وجمعت بعناية فائقة يدوياً في انجلترا.
ويبلغ عدد موظفي المصنع 30 من صانعي الساعات يعملون في معمل في بلدة هينلي أون تايمز في منطقة أكسفوردشير، وتُصنع العديد من أجزاء تلك الساعات في مصنع في سيلفرستون في مقاطعة نورثهامشير.
يقول نك إنجلش، مؤسس مصنع بيرمونت للساعات: “الهدف هو إنتاج ساعات تبقى معك من 20 إلى 30 عاماً، وتحافظ على رونقها دون تغيير. ونحن أيضاً نضيف إلى التاريخ العظيم لصناعة الساعات البريطانية، فالعالم يضبط توقيته على غرينتش، وليس جنيف، ولذلك أسباب وجيهة”.
وتنتج بيرمونت التي تأسست عام 2007 ما بين ثمانية آلاف إلى عشرة آلاف ساعة سنوياً.
وبينما يعتبر ذلك شيئاً يسيراً مقارنة بنحو 800 ألف ساعة تنتجها شركة رولكس السويسرية الضخمة كل عام، إلا أن بيرمونت لها متاجر في كل من نيويورك، وهونغ كونغ، بجانب لندن، وهي كذلك الراعي الرسمي لكأس مسابقة اليخوت الأمريكية.
ورغم ذلك، فهي من بين عدد قليل من شركات صناعة الساعات البريطانية التي حققت نجاحاً. فحسب أحدث تقرير عن صناعة الساعات في العالم أعدته مجموعة “ديجيتال لاكشري” العالمية، كان من بين 62 علامة تجارية فخمة جرى البحث عنها على الإنترنت عام 2015 على مستوى العالم، كانت واحدة فقط بريطانية، وهي بيرمونت.
ويعتبر ذلك مخيباً لأمل الكثيرين من عشاق الساعات، مع الأخذ في الاعتبار أن بريطانيا كانت رائدة في صناعة الساعات في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
ففي عام 1800، صنعت بريطانيا حوالي نصف ساعات العالم، بمجموع قدره 20 ألف ساعة في العام. لكن الولايات المتحدة، وسويسرا، تفوقتا تدريجياً على بريطانيا في حجم الإنتاج.
وفي هذه الأيام، يحتكر السويسريون تقريباً سوق الساعات الفخمة، بينما يتم صنع ساعات كوارتز التي تعمل ببطاريات رخيصة الثمن في آسيا.
لكن هناك مجموعة صغيرة، ومتنامية أيضا من العلامات التجارية البريطانية، والتي تبلغ حالياً حوالي 12 شركة، تأمل في إعادة أيام المجد لصناعة الساعات البريطانية.
منطقة رمادية
يقول دادلي جايلز، المدير التنفيذي للمعهد البريطاني لعلوم قياس الوقت: “بالتأكيد رأينا افتتاح عدد أكبر من شركات الساعات البريطانية خلال السنوات الخمس أو العشر الماضية”.
ويضيف: “وقد انجذب الناس إليها لأنه إذا كنت قادراً على تصميم وتسويق ساعات ميكانيكية، فإن فرص النجاح جيدة. وتجتذب العلامات التجارية البريطانية الناس لأنها دائما مرتبطة بالجودة العالية والإبتكار”.
إضافة لذلك، فإن سوق الساعات الفخمة يشهد نمواً باستمرار، بفضل زيادة الطلب من أقطار مختلفة مثل الهند والصين.
لكن العلامات التجارية البريطانية الجديدة تواجه عقبات كأداء. فعلى سبيل المثال، تكلف معدات صناعة الساعات مئات الآلاف من الجنيهات، بالإضافة إلى أن الإمكانيات الهندسية البريطانية في هذا المجال تكاد تكون معدومة، مما يعني أن تلك المعدات لا بد من استيرادها من الخارج.
ويمكن لذلك أن يجعل من الصعب على الشركات أن تدعي أن ساعاتها “مصنوعة حقاً في بريطانيا”. بيرمونت على سبيل المثال، تستخدم معدات أساسية مصنوعة في سويسرا.
يقول جيمس باتري، رئيس تحرير مجلة ووتش برو: “الموجود في بريطانيا هو علامات تجارية بريطانية، بينما غالبية مكونات تلك الساعات يتم التزود بها من خارج بريطانيا، ومن ثم يتم تجميعها في بعض الحالات داخل بريطانيا”.
ويضيف: “لهذا، هناك منطقة رمادية حول ما الذي تعنيه عبارة ‘صنع في انجلترا’، وهي مشكلة لا تعاني منها علامات النخبة التجارية السويسرية”.
ويزعم عدد قليل فقط من الشركات أنه يقوم بتصنيع كل مكونات الساعات داخل الأراضي البريطانية، وأحد أشهر هذه الشركات هي شركة “روغر دابليو سميث”، والتي تقوم بتصنيع عدد محدود من الساعات في جزيرة “آيل أوف مان”. ويبلغ سعر الساعة الواحدة 100 ألف جنيه إسترليني.
لكن عددا متزايداً من الشركات يطمح لتصنيع كل أجزاء الساعة داخل بريطانيا، مثل شركة غاريك التي افتتحت في مدينة نورفولك عام 2015. أما أجهزة الحركة الداخلية للساعات التي تنتجها الشركة، وهي القلب النابض للساعات الميكانيكية، فيتم تصنيعها حالياً في سويسرا، ثم يجري تعديلها داخل مقر الشركة في انجلترا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني ستبدأ الشركة في تصنيع أجهزة الحركة الداخلية للساعات، والمصصمة بالتعاون مع شركة سويسرية، ويجري تجميعها في بريطانيا.
ويقول ديفيد برايلزفزرد، مؤسس شركة غاريك: “هذا يعني أننا أقرب بمسافة خطوة واحدة لبلوغ حلمنا بتصنيع أجهزة الحركة الداخلية بالكامل محلياً. ونقوم بتصنيع كل شيء آخر تقريباً بأنفسنا”.
ويبلغ سعر ساعات غاريك ما بين 2,500 و 50 ألف جنيه استرليني، وبيع منها 70 ساعة العام الماضي لزبائن حول العالم.
لكن الوصول إلى هذه المرحلة لم يكن أمراً سهلاً، كما يقول برايلزفورد. فقد استغرقت الشركة 18 شهراً فقط لكي تتقن صناعة نوع من الساعات لم يصنعها أحد في بريطانيا لسنوات طويلة.
ويضيف: “لقد أهدرنا كثيراً من الوقت والمال لأنه لم يكن هناك أحد نذهب إليه في بريطانيا للحصول على الاستشارة. ولذا، تعين علينا أن نتعلم كل شيء من العدم”.
شراء منتج محلي
ويقول جيمس باتري إن عدداً متزايداً من شركات تصنيع الساعات البريطانية تقوم بإعادة بعض أو جميع عمليات التصنيع إلى بريطانيا. لكن غالبيتها باهظة التكلفة، مما لا يترك أمام المصنعين خياراً سوى الإنتاج في الخارج، مع أن ذلك يجعل من الأسهل إنتاج ساعات بأسعار يطيقها الناس، وبكميات أكبر.
كما بدأت شركة بريطانية جديدة في دخول هذا المجال، وهي شركة “تيك مارول”، في فبراير/شباط من هذا العام، بعد حملة تمويل من الجمهور بلغت 180 ألف جنيه استرليني.
وتنتج تلك الشركة ساعات مصممة في بريطانيا، ومصنعة في الصين، ويبلغ سعر الساعة الواحدة منها نحو 250 جنيهاً استرلينيا.
ويقول أوليفر غوف، مؤسس الشركة: “إنها ساعات ميكانيكية تعبأ يدويا، وليس فيها خصائص آلية، فهي ليست ساعة كوارتز. ولكي أكون صادقاً معك، نحن نحاول إعادة الساعات التي تعبأ يدوياً لتستعملها الجماهير”.
الشركة التي تبيع منتجاتها فقط عبر الإنترنت، باعت حتى الآن 1500 ساعة، وتتوقع أن تبيع 5000 ساعة خلال العام القادم.
ويرجع غوف نهضة صناعة الساعات البريطانية إلى بروز ثقافة الصناعة المحلية بشكل عام في بريطانيا.
ويقول: “الأمر له علاقة بانتقال الناس من التسوق من محلات السوبرماركت الكبيرة، مثل تيسكو، وسينسبري، إلى شراء اللحم من دكان الجزارة المحلي، والجبن من معمل الألبان المحلي. ويمتد ذلك ليشمل الأشياء الأخرى التي تصنع يدوياً، في بلدك الذي تنتمي إليه، حيث يقوم الناس بصناعة ذلك المنتج الذي توشك أن تضعه على معصمك”.
ولربما كان من المثير للدهشة أن غوف يرغب في تصنيع كافة مكونات ساعاته في المملكة المتحدة يوماً ما، ويعتقد أن سعرها سيكون معقولاً.
ويضيف: “نعم لديك تكلفة الأيدي العاملة، والأجهزة، لكن إذا كنا قد اعتدنا أن نصنعها في بريطانيا في الماضي، فلماذا لا نستطيع أن نفعل ذلك مرة أخرى؟ قد تكون فرصة حقيقية إذا فكرنا كيف يمكننا أن نفعل ذلك”.
وتبقى صناعة الساعات البريطانية محدودة الحجم والتطور، لكنها بدأت في اللحاق بالركب. أما فيما يتعلق بما إذا كانت المملكة المتحدة تستطيع العودة يوماً ما إلى ريادة سوق الساعات، فما علينا إلا الانتظار.
المصدر / BBC Entrepreneurship.
شارك هذا الموضوع: