تأثيرات العامل السياسي على اسعار النفط العالمي
الكاتب / حيدر غازي
تميزت السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، بالسعي لفرض السيطرة التامة على منطقة الشرق الاوسط الغنية بالنفط , لكن اتسمت هذه السياسة اتجاه القارة الأفريقية بالتجاهل وعدم الاهتمام , وحاولت امريكا محاصرة التوسع الشيوعي في أفريقيا، ما بين ١٩٤٧ و ١٩٨٩ , ودون ذلك لم يكن ذو اهمية استراتيجية.
اتضحت ملامح السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه أفريقيا منذ بداية العام ١٩٩٨ ، إذ سعت إدارة الرئيس كلينتون إلى تأسيس شراكة أمريكية – أفريقية جديدة , بسبب عوامل متعلقة بالعقيدة الأمنية الأمريكية المتعددة الأبعاد ؛ و إلى عوامل أخرى متعلقة بالطاقة ، حيث تحتوي القارة على ثروات ضخمة , وارتباطها في أي توازنات مباشرة أو غير مباشرة بالمشاريع الشرق أوسطية .
إن الاهتمام الأمريكي بالقارة الأفريقية، يأتي في سياق محاصرة نفوذ قوى كبرى، أصبحت ترى في القارة الأفريقية مجالاً خصباً للاستثمار، وسوقاً مهمة من الموارد الأولية , لذلك كان من الضروري أن تشمل الاستراتيجية الأمريكية هذه القارة، وبخاصة ثروتي النفط والغاز؛ إذ تُعَدّ أفريقيا المنطقة الأخيرة في العالم التي يوجد فيها احتياطي هائل من النفط والغاز , إذ يقدر الخبراء حجم النفط الأفريقي بين ٨ و ٩ % من إجمالي الاحتياط العالمي، ما يوازي ١٠٠ مليار برميل . بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، يكتسب النفط الأفريقي أهمية استراتيجية ، وقد صدر أعلان الرئيس السابق جورج بوش الابن في خطاب حول حالة الاتحاد في العام ٢٠٠٦ عزم الولايات المتحدة الأمريكية الاستغناء عن ٧٥ % من الواردات النفطية القادمة من الشرق الأوسط والحصول عليها من مصادر بديلة بحلول العام ٢٠٢٥ . لكن ما الاسباب التي جعلت الولايات المتحدة الامريكية تتخذ تلك الخطوة ؟؟ و ماهي تلك المصادر البديلة ؟؟
ان الاسباب الحقيقية لتخفيض الولايات المتحدة وارداتها النفطية من الشرق الوسط يعود لأمرين اساسيين : احدهما اقتصادي يتعلق بالتكلفة المترتبة , من الحماية الامنية لناقلات النفط التي تجوب البحر والمخاطر التي تواجهها من القرصنة البحرية والحوادث بالاضافة للمسافة التي تقطعها تلك الناقلات انطلاقاً من الخليج العربي او البحر الاحمر مروراً بالمحيط الهادئ وصولاً الى سواحل الولايات المتحدة , بينما النفط الافريقي الذي يتم استخراجه بيسر وسهولة يوضع على ناقلات ترسوا في الجانب الجنوبي الغربي من القارة السمراء لتقطع المحيط الاطلسي بمسافة اقل ووقت اقصر دون تعرضها للكثير من القرصنة او الكوارث الطبيعية . الامر الاخر سياسي بإمتياز ويشمل عدة اوراق ضغط على دول عربية و شرق اوسطية منتجة للنفط تستخدمها الولايات المتحدة لقضايا مختلفة مع تلك الدول كـ (ايران والسعودية والعراق) ، اما المصادر البديلة فهي على نوعين : 1- النوع التقليدي وهو النفط الافريقي . 2- النوع الحديث وهو النفط الصخري. 1- النفط والغاز الافريقي : تأتي القارة الإفريقية في المرتبة الثالثة عالمياً لاحتوائها على ما يقدر 14,660 الف مليار متر مكعب من الغاز أي بنسبة 7,9 % عالمياً ، و في المرتبة الثالثة على المستوى العالمي من حيث الإمكانيات النفطية أي بنسبة 10 % من المخزون العالمي ، حيث يقدر الإحتياطي الإفريقي 125.6 مليار برميل ويقدر العمر الإفتراضي للمخزون النفطي الإفريقي ب 30 سنة حسب معدلات الإنتاج الحالية. 2- النفط الصخري: حاولت الولايات المتحدة ان تستخدم النفط الصخري كوسيلة للتحكم باسعار النفط العالمي , لكن تكلفة استخراج النفط الصخري تصل ما بين ٧٠ إلى ٨٠ دولارًا للبرميل، وباستعمال التقنيات الحديثة المتطورة في الاستخراج يمكن أن تهبط هذه التكلفة إلى ما دون ذلك وقد تصل إلى 60 دولار . ولذلك فإن انخفاض سعر النفط التقليدي مؤخراً إلى نحو ٥٠ أو ٤٠ دولارًا للبرميل يجعل استخراج النفط الصخري غير ذي جدوى، والمعروف بأن أمريكا استغلت إنتاج النفط الصخري بسبب ارتفاع أسعار النفط التقليدي فوق المئة دولار للبرميل، لذلك حاولت الولايات المتحدة الضغط على السعودية في خفض انتاجها اليومي ليرتفع الطلب وترتفع معه الاسعار لكن المملكة السعودية قابلت هذا الضغط بالرفض ، بسبب العلاقات القديمة مع بريطانيا التي لم ترغب بزيادة الانتاج الامريكي للنفط الصخري . واسباب العداء الامريكي البريطاني ليس ببعيد فهو يعود الى الازمة الاقتصادية العالمية التي نأت امريكا بنفسها عن الحلفاء الاوروبيون بتركهم يغرقون بأزمة هي صنعتها .
في سبتمبر من عام بدأت المملكة العربية السعودية في زيادة إنتاج النفط بأكثر من مئة الف برميل يوميا خلال الفترة الاخيرة من شهر سبتمبر. وفي الأسبوع الأول من شهر نوفمبر خفضت السعودية سعر النفط بنسبة ٤٥ سنتا للبرميل، ما دفع أسعار النفط إلى الهبوط السريع من ٨٠ دولارا للبرميل الى ما دونه تدريجياً . وينم هذا العمل عن وقوف بريطانيا وراء السعودية لدعمها في وجه أمريكا التي تعمل على تنشيط اقتصادها حتى تتخلص من تداعيات الأزمة المالية ولو على حساب الآخرين , وليست مصادفة ان تندلع ازمات دولية على مستوى القرم في اوروبا و داعش في العراق والمفاوضات النووية مع ايران , والحرب في سوريا واليمن من الجانب السعودي في وقت تعتمد كل هذه الاطراف على عائدات النفط في تمويل موازناتها . بدأت الولايات المتحدة بتقبل فكرة انخفاض اسعار النفط عالميا , كونها ستكون عامل ضغط على روسيا وايران وربما مستقبلا على السعودية اذا ما انصاعت للأوامر الامريكية مجدداً , وهذا ما حدث بالفعل بدأت المملكة السعودية بالترنح امام عجز بنحو ٤٠ مليار دولار، في تمويل موازنتها والبحث عن قروض دولية , وذلك بسبب انخفاض سعر النفط , لكن روسيا اعلنت في مطلع عام 2016 انها متأقلمة مع اسعار النفط عند 50 دولاراً للبرميل , واتجهت طهران لتعظيم وارداتها المالية من مصادر اخرى دون النفط كالزراعة والصناعة , لكن من لم يستطع مجارات التيار الدولي واللعبة الاقتصادية العالمية هو العراق الذي بدى لا يعرف كيف ينهي الازمات المتوالية على امنه واقتصاده واموره السياسية الداخلية والخارجية . إن الانخفاض في أسعار النفط هو أمرٌ جيّد بالنسبة للولايات المتحدة , فهو يضع المال في جيب المستهلكين الأمريكيين ، ويقلل من العجز التجاري، ويعمل عموماً بمثابة محفزٍ للاقتصاد , ولقد كانت إدارة أوباما محقةً تماماً بالوقوف جانباً والاكتفاء بمشاهدة أسعار النفط وهي تهبط في العام 2014 و 2015 . إن التوقيت عند الولايات المتحدة هو أهمُّ شيء ويجب ان تخرج برؤية جاهزة ذات إطارٍ واقعي للمشكلة من أجل الحصول على تنازلٍ كاملٍ من قبل إيران وروسيا بشأن سوريا لكن الحقيقة ذلك لم يجدِ نفعاً . ومع انتهاء فترة اوباما الرئاسية تتزايد التكهنات بأرتفاع اسعار النفط ووصولها الى 60 دولارا للبرميل مع تفاؤل بارتفاعه الى فوق ذلك , بسبب احداث عديدة في الشرق الاوسط منها , الاتفاق الروسي الامريكي على انهاء داعش في سوريا والعراق , وتصدع الاقتصاد السعودي بسبب العجز المالي ومصاريف الحرب في اليمن وسوريا , كما ان روسيا ترغب بإرتفاع الاسعار , لتعويض مصاريف الحرب في سوريا , عدا ذلك فأن ايران تبدو وبكل ثقلها ماضية دون الاكتراث الى اسعار النفط العالمية , وهذه الثقة ربما تدفعها الى عدم خفض انتاجها لتدعيم اسعار النفط عالمياً , وهذا المتغير الوحيد في المعادلة , الذي جعل تكهنات اسعار النفط لا يقفز كثيراً .
الكاتب / حيدر غازي باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية
مرتبط