الحكيم والصدر.. وماركس
Wed, 21 Sep 2016 13:21:19
#الجمهورية_نيوز
عمار السواد
لم يعد السيدان علويا النسب، عمار الحكيم ومقتدى الصدر، شابين. مر وقت على هذا الوصف. صورة كل منها تشي بالشيب الذي غزا لحيتيهما، رغم ان الصدر الأصغر سناً من منافسه، أكثر شيباً، ربما هي الوراثة. لكن الاثنين في الاربعينيات من العمر. يقال إن النبي محمد اختير للرسالة حين بلغ الأربعين، وتأتي الحكمة والرصانة عند هذا العمر في ثقافة العرب، فيقولون "من بلغ الأربعين ولم يأخذ العصا فقد عصى". وفي المأثور النبوي "من بلغ الاربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز الى النار".
الرجلان تجاوزا معاً الأربعين عاما، ومفردة رجل الدين الشاب اختفت من وسائل الاعلام، وكلاهما ورثا اسم الأسرتين الأشهر بين اسر حوزة النجف الدينسياسية. عمامتان سود، وتاريخ من الصراع والأفكار والعقائد والايديولوجيات والدماء. لا أحد يتفضل على الاخر بحجم ما بذل من دام في مواجهة نظام صدام، الصدر فارق اثنين اعداما أو اغتيالا، والحكيم فقد اعمامه في اعدامات جماعية وعما في اغتيال بالسودان وعمه الأهم في تفجير القاعدة بعد السقوط.
في تسعينيات القرن الماضي اخذ الصراع جنبة أخرى، ظهور السيد محمد الصدر ليبدأ بمرحلة جديدة من النزاع على قيادة الحياة الدينسياسية الشيعية في العراق، واستمر الامر بعد التغيير في 2003، لدرجة يمكن القول معها ان مشكلة التيار الصدري كانت الحكيم، والأخير ظل ازمة الصدر. حينها لم يكن هناك أي توتر بين التيار والدعوة، على العكس، الصدريون دعموا الجعفري ثم المالكي للحصول على منصب رئاسة الوزراء ضد مرشح المجلس الأعلى عادل عبد المهدي، ولم يكن لأي من الاثنين ان يصلا لولا ذلك الدعم. واستمرت الحساسية بين الجانبين حتى وفاة السيد عبد العزيز الحكيم، ليبدأ تاريخ جديد.
لم يشارك عمار الحكيم في أي نزاع سياسي خاضه مجايله مقتدى الصدر ضد المالكي بعد الدورة الثانية، ولم يدخل في معركة سحب الثقة، بقي على الحياد. لكن الاثنين كانا العامل الرئيسي الذي منع الولاية الثالثة، وعبرهما مرت مباركة الاتيان بحيدر العبادي. تحالف مصلحة أو تحالف خائفين شارك به زعماء آخرون، المهم انهما تحالفا، وشاركا في الحكومة الحالية باعتبارها حكومتهما.
الفراق الجديد بدأ بعد اجتماع كربلاء، حين التقى زعماء الشيعية السياسية في آذار من العام الحالي، ولجوء الحكيم بعدها الى اعلان اصطفاف وثيقة الشرف التي كان واضحا انها ضد توجهات حكومة التكنوقراط المتبناة من قبل الصدر. عودة سريعة للصراع المؤجل، وإن كان ظاهر الحال ان المعركة ضد المالكي حصرياً. الأخير بالفعل طرف مرفوض لدى الصدريين، لكنه ليس الوحيد شيعيا، المجلس الأعلى الإسلامي رجع لواجهة المثلث الشيعي. وهنا مكمن الصراع: الدعوة الممثل التقليدي للاسلام "الواعي" القائم على نبذ رجل الدين وعلو شأن الإسلام بدون وجود دور فاعل للمرجعيات الحوزوية، واسرة الحكيم الباحثة عن إحياء قيمومة الولاية النجفية ودورها التقليدي في الحياة السياسية والصدر باعتباره ممثل الثورة ضد الحوزة النجفية التقليدية لصالح الطبقات الفقيرة.
لكن حزب الدعوة في النزاعات الشيعية لا يمتلك أكثر من رمزيته التقليدية باعتباره مرجعية عقدية تقليدية للأحزاب والتيارات الأخرى، رغم شعبية نوري المالكي المتأتية من كونه رئيس وزراء مثيراً للجدل، عدا عن ذلك فهو حزب مفرط في نخبويته وأحيانا ينظر للآخرين بنرجسية حمقاء، لذا لا يعوّل على امتلاكه للشعبية. النزاع الرئيسي يدور بين نموذجين من الإسلام السياسي الشيعي، الحكيميون وهم طبقة شيعية متدينة او مذهبية متوسطة او غنية، والصدريون باعتبارهم شرائح واسعة من الفقراء. الأمر يدور في اروقة السياسة والدين بين زعامتين وإسمين، وفي الشارع يمتد الى الفقراء و"الاقطاعيين"، لكن ليس بصيغة من تحدث عن اليسار الجديد، بل بصيغة أن المعركة الدينيسياسية ليست سوى عنوان الصراع الاقتصادي وجدل الطبقات، إذا ما اقتبسنا القليل من كارل ماركس.
فمن جهة هي نزاع على النفوذ بين اسرتين علويتين على الزعامة، ومن جهة ثانية صراع بين الشيعية المستَغَلَّة ومواجهتها المستغِلِّة، بالفتح والكسر، لكن هذه المرة باستخدام ذات المرجعيات العقيدية، أي الدين والموروث المذهبي المتصل بالطقوس وآل البيت. بمعنى آخر، هناك صراع زعامة أسرى يستخدم الموروث الواحد، وعند القواعد نزاع بين طبقتين. بالطبع الأمر ليس بهذه الحدية حين ننظر الى القواعد، فيمكن أن نجد فقراء مع الحكيم وأغنياء مع الصدر، لكن أحد أهم تمظهرات ما يجري هو الفقر والغنى.
وقد عبر أحد أعضاء المجلس الأعلى ذات مرة عن الامر صراحة حين أحال بعض التظاهرات الى "الحقد الطبقي". متناسيا أنه ليس حقداً بقدر ما هو اعتياش متبادل بين الجانبين على الغنى والفقر، على القواعد المتوسطة الدخل والغنية مقابل المحدودة الدخل والفقيرة. وان المشكلة الأساسية تبقى هي في استثمار الأغنياء والفقراء على حد سواء لضمان استمرار النفوذ في معركة لا يمكن حسمها الا بوجود دولة تمنع ان يكون المجتمع وطبقاته خاضعا للزعامات. بمعنى دولة قادرة على ضمان تساوي الفرص او عدالتها، كي لا يكون متوسطو الدخل والاغنياء من المتدينين مضطرين لهذا الولاء
السياسي والديني ولا تكون الشرائح الفقيرة بلا خيار سوى بأن تضع أحلامها في سلة سياسية او دينية!