القطاع المصرفي بين فكي رأس المال الأجنبي
الكاتب / محمد شريف أبو ميسم
أطاح العجز المالي ،الذي تعرضت له قلة من المصارف الخاصة ،بحالة الثقة التي عملت على رسم ملامحها وبصعوبة بالغة رابطة المصارف الخاصة والبنك المركزي ازاء حالة انعدام الثقة الناجمة عن مرحلة القرارات الارتجالية في سنوات حكم الاستبداد التي اطاحت بكل محاولات رسم الملامح الخاصة بالثقافة المصرفية في العقل الجمعي العراقي فضلا عن تداعيات الظروف التي أعقبت سنوات ما بعد التغيير .
تداعيات هذا العجز ترتب عليها حالة عدم القدرة على الايفاء بحقوق المودعين من قبل هذه المصارف ، ما دفع البعض من هؤلاء المودعين الى التظاهر والتجمهر أمام بناية ادارة احد المصارف للمطالبة بأموالهم على اثر قرار البنك المركزي القاضي بوضع الوصاية على هذا المصرف ومحاولة تطمين المودعين بسداد أموالهم من الاحتياطي القانوني البالغ 15 بالمئة من قيمة الودائع .
بعض من المعنيين بشؤون المصارف الخاصة برر ما حصل على انه ناجم عن حالة التلكؤ في دفع مستحقات المقاولين الذين مولوا أعمالهم بقروض من هذه المصارف ، ما جعل المقاولين بوصفهم مستلفين من هذه المصارف مدينين غير قادرين على ايفاء بسداد الديون ، فضلا عما يقال بشأن مستحقات هذه المصارف التي بذمة البنك المركزي فرع كردستان الذي تلكأ هو الآخر في الايفاء بالتزاماته منذ نحو عام جراء الازمة المالية التي تعرض لها الاقليم .
علاوة على انخفاض اسعار العقارات المستثمر بها أو المعتمدة كضمانات للقروض الممنوحة التي لم يتمكن المقاولون من سدادها.. ومهما كانت المبررات فان حصول مثل هذه الحالات وتكرارها يكشف عن خلل في طبيعة النظام المصرفي في البلاد بشكل عام وفي المصارف الاهلية بشكل خاص.
وخلاصة القول: فان حالة الثقة بين الجمهور وبين المصارف الخاصة تعرضت الى ما يشبه الهزة التي نسفت كل ملامح بنائها على مدار السنوات الماضية، فالسمعة جامعة كما يقال ، اذ أصيبت سمعة عموم المصارف الأهلية جراء تداعيات ماحصل مؤخرا مع ذلك المصرف ، ما يعني الشروع من جديد من نقطة الصفر لاعادة بناء هذه الثقة التي تحتاج ابتداء لرفع انقاض التهديم ومن ثم العمل على وضع اساسات متينة لبناء هياكل هذه الثقة التي تحتاج الى قطع خرسانية من العمل الجاد والدعم الاعلامي والاعلان والتسويق الفعال للخدمات المصرفية بجانب الأهمية البالغة لقانون يضمن ودائع الجمهور يتم بموجبه تاسيس شركة لضمان الودائع المصرفية.
وبخلاف ذلك ستبقى هذه الثقة ركاماً من الانقاض وتبقى المصارف الاهلية دكاكين لبيع الدولار والمضاربات المالية دون دور حقيقي في عمليات التنمية الاقتصادية وفي المشهد الاقتصادي الكلي الذي ينتقل بوتيرة متسارعة نحو آلية السوق بدعم من المؤسسات المالية العالمية.
وبناء على ما تقدم فان مسألة اعادة الثقة بين الجمهور والمصارف الاهلية ستحتاج الى وقت طويل وجهود جادة ومخلصة تستثمر حلقات التسويق المصرفي الاعلامية وسواها لبناء جسور جديدة عمادها الايفاء بحقوق المودعين ورفع معدلات الائتمان والتخلي عن مفاهيم الربح السريع والاستثمار في الجمهور أولا من خلال فعاليات التسويق المصرفي.
ولأن اقتصاد السوق لايمكن ان يقوم دون قطاع مصرفي معافى فان هدف اعادة الثقة الذي سيحتاج لوقت طويل ربما ستتخلله انتقالات سريعة نحو اقتصاد السوق بحسب البرنامج الحكومي المعلن وبحسب اشتراطات الجهات الدائنة وفي مقدمتها البنك وصندوق النقد الدوليين، ما يعني ان الساحة ستكون خالية من القطاع المصرفي الخاص في هذا الوقت، وبالتالي فان الفرصة ستكون متاحة امام القطاع المصرفي الحكومي ليتولى زمام المبادرة خصوصا وان الجمهور ما زال يثق بالمؤسسات الحكومية فضلا عن الحاجة الماسة لتحريك الكتلة النقدية المكتنزة التي يقدرها البنك المركزي بنحو 10 بالمئة من كتلة التداول البالغة 40 ترليون دينار .. فهل سيستطيع القطاع المصرفي الحكومي ان يتولى هذه المهمة بعيدا عن البيروقراطية؟.
ان الانتقال السريع نحو اقتصاد السوق والاعتماد على عناصره المحلية لخلق تنمية حقيقية في واقع كواقعنا الاقتصادي الحالي تتطلب الحاجة لرساميل شركات عالمية تتناغم مع رغباتها ومسعاها للهيمنة على السوق المحلية بوصفها جزءاً من سوق الشرق اوسطية ، ما يعني حتمية ولوج المصارف العالمية للساحة العراقية بالتزامن مع هذا التحول الذي يشهد نكوصا للقطاع المصرفي الخاص وضعف القطاع المصرفي الحكومي ، وهذا هو المبتغى الحقيقي الذي تؤسس له الجهات التي تزيد من الاشتراطات والقيود على الاقتصاد الوطني عبر برنامج المديونية المعد مسبقا مع تداعيات انخفاض أسعار النفط. ان ولوج المصارف التي تعد نوافذ للشركات التي تحكم العالم في هذا الارباك الذي تشهده علاقات السوق وهذه الفوضى الاقتصادية لا يعد مكسبا للبلاد، لأنها ببساطة ستحتكر السوق
وتجير حركة الاموال لصالحها بمعنى انها ستبتلع الفعاليات التي لا يريد المفسدون في القطاع المصرفي الحكومي واللاهثون وراء الربح السريع في القطاع المصرفي الخاص النهوض بها الآن .