اخبار العراق الان

الاصلاح .. كثير من الاقتصاد المنتج ، قليل من لغو السياسة

الاصلاح .. كثير من الاقتصاد المنتج ، قليل من لغو السياسة
الاصلاح .. كثير من الاقتصاد المنتج ، قليل من لغو السياسة

2016-09-27 00:00:00 - المصدر: NEN عراق


التاريخ:

1 مشاهدة

الكاتب – عادل عبد المهدي

ارسل الي احد الاخوة من رجال الاعمال العراقيين هذه الرواية المعبرة :
” يأتي سائح غني الى المدينة ويدخل الفندق ويضع 100 دولاراً على كاونتر الاستقبال، ويذهب لتفقد الغرف في الطابق العلوي من اجل اختيار غرفة مناسبة. في هذه الاثناء يستغل موظف الاستقبال الفرصة ويأخذ المائة دولار ويذهب مسرعاً للجزار ليدفع دينه. الجزار يسرع بها لتاجر الماشية ليدفع باقي مستحقاته عليه. تاجر الماشية بدوره يأخذ المائة دولار ويذهب بها الى تاجر العلف لتسديد دينه.. تاجر العلف يذهب لسائق الشاحنة الذي احضر العلف لتسديد ما عليه من مستحقات متأخرة.. سائق الشاحنة يركض مسرعاً لفندق المدينة الذي يرتاح فيه من عناء السفر ويعطي لموظف الاستقبال المائة دولار لتسديد ديونه. موظف الاستقبال يعود ويضع المائة دولار مرة اخرى مكانها على الكاونتر. ينزل السائح والذي لم يعجبه مستوى الغرفة ويقرر اخذ المائة دولار ويرحل عن المدينة!!! ولا احد من سكان المدينة كسب اي شيء، الا انهم سددوا جميع ديونهم. هكذا تدير الولايات المتحدة الامريكية اقتصاديات العالم.”
القصة درس في الاقتصاد، واتفق معها تماماً عدا نهايتها، عندما يقول “لا احد من سكان المدينة كسب اي شيء الا انهم سددوا جميع ديونهم”.. فالجهات الخمس، اي عامل الفندق والجزار وتاجر الماشية وتاجر العلف والسائق قاموا بعمل سابق بقيمة 100 دولار، وكسبوا قيمة عملهم او انتاجهم. فالعملة تخفي ورائها المعاملات الحقيقية. والـ100 دولار نقداً قيمتها في الناتج الوطني 500 دولار، وهو ما غطته من معاملات حقيقية.. فالعملة ما هي سوى معادل لحجم العمل والمعاملات والمكاسب الحقيقية التي تجري على ارض الواقع.. ولا قيمة ذاتية للعملة (او النقد) بدون العمل والانتاج والمعاملات والمكاسب الحقيقية، خصوصاً بعد ان فقدت العملة طبيعتها السلعية (المعدن خصوصاً) وتحولت الى مجرد رمز.
فالكل دائن ومدين -بعمل او سلعة او خدمة- بشكل من الاشكال. وللأسف الشديد فان الوعي الاقتصادي عندنا صار يستبدل الرمز والوهم النقدي بالحقيقة الاقتصادية. ويرى نفسه فقيراً او غنياً بمقدار النقد لديه، وليس بمقدار الاصول والموجودات والثروات حجم العمل وقدرات الانتاج المفتوحة امامه. فالاهم في الاقتصاد الامر الاخير وليس الاول.. واكثر الدول والشركات انتاجاً واصولاً وموجودات وحيوية قد تكون اكثر الدولة والشركات مديونية. فان كانت هناك فرص عمل وقدرات انتاج فان النقد سيتوفر سابقاً للعملية، او لاحقاً لها.
وفي العراق لدينا فرص عظيمة لكننا لا نستغلها بحجة عدم كفاية الاموال.. والحقيقة ان هناك ما يكفي من الاموال لتحريك العمل والانتاج الوطني.. لكننا لا نضعها في القنوات والدوائر المنتجة.. بل نصرفها على عمل وانتاج نستورده، ونعيش على ريع لا نساهم حقيقة بانتاجه، او نحرك الاقتصاد بواسطته. بل على العكس دمر المال الريعي العمل والانتاج ودورات الاقتصاد المختلفة، بالاعتماد على هشاشته النقدية فقط، دون تحريك الحقيقة الاقتصادية بواسطة ما يشبه “الـ100 دولار”. فلو لم يحضر “السائح الغني”، لما توفرت وسيلة نقد تضاعف من نفسها (5) مرات، فلا تتجدد الدورة.. فكل طرف سيتمنع من التعامل مع الاخر قبل سداد دينه.. فلا تذهب الـ100 دولار للفندق والجزار والتجار والنقل وغيرهم، لتنطلق لكل منهم دورة راسمال وعمل جديدة تولد القيم والقيم المضاعفة والمضافة، فتتراكم الاصول والموجودات والمكاسب، بل تذهب للاسواق والمنتجين الاجانب. وبدل ان نراكم اصولنا وموجوداتنا فاننا ندمرها ولا نحافظ عليها. فالوهم النقدي يخفي وراءه حقيقة اقتصادية. ونحو الحقيقة يجب ان يذهب اقتصادنا، لا ان يتعيش على الوهم، الذي لا يمثل نمواً حقيقياً دون نمو وانطلاق الحقيقة الاقتصادية.. والذي ينهار مع انهيارها.

شارك هذا الموضوع:

الاصلاح .. كثير من الاقتصاد المنتج ، قليل من لغو السياسة