الوقود السام كارثة إنسانية تحصد اروح الأفارقة
الكاتب / دلال العكيلي
أثارت قضية تصدير الوقود الملوث لإفريقيا جدلًا واسعًا في الفترة الأخيرة، حيث باتت قضية الساعة في أغلب مناطق غرب القارة، بعدما أصدرت منظمة عيون الجمهور السويسرية غير الحكومية تقريرها في الخامس عشر من الشهر الجاري تتهم فيه شركات النفط الأوروبية بتصدير وقود سام إلى الدول الإفريقية مستغلة الفقر المدقع بالقارة.
وكشف التقرير أن شركات نفط كبري في سويسرا تشتري النفط الخام من دول إفريقية، وتعمل على تكرير ديزل رخيص وقليل الجودة يحتوي على نسب عالية من المواد السامة (الكبريت)، المخالفة للمعايير الأوروبية، وتعيد بيعه لذات الدول المصدرة، حيث تستغل شركات كبرى مثل فيتول، وترافيجورا، وأداكس أند أوريكس ضعف المعايير التنظيمية والقانونية لهذه البلدان، بتصدير النفط لهم مرة أخرى يحتوي على نسب عالية من الكبريت أكثر بكثير من الحدود المسموحة أوروبيا وعالميا، ما يعرض سكان المدن المحلية لكثرة الأمراض وفي حالات عدة للوفاة.
وبعد ثلاث سنوات من التحريات الطويلة، أكدت المنظمة السويسرية اعتماد أربع شركات تصدير وقود خاص إلى إفريقيا يحتوي على نسب مرتفعة جدا من المواد السامة تصل أحيانا إلى 378 مرة أكثر مما هو مسموح به في أوروبا، يسبب مرض السرطان، لأنه خليط من النفط الخام تضاف إليه مواد أخرى كي تعطى له الفاعلية المطلوبة بأقل التكاليف، وتتولى الشركات ذاتها توزيع هذه المحروقات في بلدان شرقي إفريقيا عبر مضخاتها دون أي اعتبار للصحة العامة.
وتستهلك هذه الكميات من الوقود لتشغيل المركبات التي تسير في مدن غرب إفريقيا، ويؤكد التقرير أن معظم دول غرب إفريقيا التي تصدر كميات هائلة من النفط الخام عالي الجودة لأوروبا تستقبل مثل هذه النوعية الرديئة والسامة التي تسبب تلوثا حادا في الهواء، الأمر الذي تشتهر فيه المدن الإفريقية سريعة النمو.
ورغم أن العملية غير أخلاقية، إلا أنها تبدو قانونية، خاصة أن الشركات السويسرية تستغل غياب قوانين لهذه الدول الإفريقية تحدد معايير جودة مثل هذه المواد المستوردة في بلدان تعاني من غياب التقاليد التشريعية، كما تستغل الشركات الاوروبية تواطؤ بعض الشركات المحلية والحكومات الإفريقية التي تعلم مدى خطورة الأمر على صحة مواطنيها وتستمر في استيراد كل ما هو زهيد في مجتمعات ضعيفة الدخل ويغيب فيها الوعي بالصحة العامة ومشاكل البيئة.
ويعتبر استيراد الوقود السام ليس الحالة الوحيدة أو سابقة في إفريقيا، إذ ما زالت القوى الاقتصادية العالمية، دولا وشركات، تتعامل مع القارة السمراء إما كمزبلة أو كمنجم أو كسوق للمواد الفاسدة، حيث قبلت بعض الدول الإفريقية دفن مواد خطرة على أرضها في إطار اتفاقيات خطيرة على الصحة مع الحكام.
وكشفت صحيفة الفاتو كوتيديانو الإيطالية في تقرير لها الدول الافريقية المستوردة لمثل هذه الأنواع من الوقود، مؤكدة أن الشركات السويسرية تبيع النفط مسبب السرطان لدول مثل أنجولا والسنغال وغانا وساحل العاج والكونغو.
وتابعت الصحيفة أنه من المعروف في الوقت الراهن أن الكبريت مع المركبات المشتقة من الاحتراق (بما في ذلك غاز ثاني أكسيد الكبريت) هي واحدة من ملوثات الهواء الرئيسية المسببة للأمراض الخطيرة، دون وضع قوانين رادعة للشركات الغربية والحكومات المحلية.
كارثة انسانية
وأكدت الصحيفة أن إحدى الشركات السويسرية تورطت قبل ذلك في كوارث بيئية في إفريقيا راح ضحيتها عدد من القتلى والآلاف الإصابات، ففي عام 2006، وبالتحديد في شهر ديسمبر، ظهرت أعراض مرضية غامضة على عدد من سكان مدينة أبيدجان في كوت ديفوار نتيجة انتشار روائح كريهة غير معهودة من مكبات النفايات في المدينة، وبعد يوم واحد من انتشار الروائح توفى 10 أشخاص ظهرت عليهم أعراض غثيان وقيء ونزيف في الأنف، وخلال ثلاثة أيام فقط كان عدد الذين تم إدخالهم إلى المستشفيات يتجاوز 100 ألف شخص، حتى أن منظمة الصحة العالمية اعتبرت ابيدجان “مدينة موبؤة”، وتبين أن سبب الوباء الغريب نحو 400 طن من النفايات السامة التي تم إلقاؤها على سواحل ابيدجان.
وكشفت التحقيقات في الكارثة البيئية المروعة عن أسرار وخفايا أكثر ترويعا من قبل شركات لا تهتم بحياة الإنسان، فالناقلة الضخمة التي جاءت بهذه الأطنان من السموم إلى ساحل العاج اسمها “بروبوكوالا” وهي تملكها شركة نقل بحري يونانية، وترفع الناقلة علم بنما، استأجرتها إحدى الشركات السويسرية التي ارتبط اسمها بالحادثة الأخيرة، الأمر الذي يؤكد أن كل ما يعني هذه الشركات الربح فقط، وليذهب الأفارقة إلى الجحيم.
سكان أفريقيا يستنشقون وقودا ساما تحظره أوروبا والولايات المتحدة
ورغم ذلك فثمة شركات تجارية دولية تقوم ببيع دول أفريقية أنواعا من الوقود بنسبة كبريت عالية تحظر هيئات تنظيمية في دول أخرى بيعه، وقالت جماعة الضغط “بابليك آي” ومقرها سويسرا إن المعايير المتدنية لجودة الوقود في أنحاء أفريقيا التي تسمح في المتوسط بمحتوى للكبريت يزيد 200 مرة عن الوقود في أوروبا تتيح لشركات الاستيراد والتصدير والتجزئة بيع وقود قذر لكنه رخيص الثمن “يهدد صحة الملايين من البشر”.
وقال التقرير إن “تجارا سويسريين وآخرين يحققون أرباحا كبيرة عبر استغلال النواظم الضعيفة لإنتاج وبيع أنواع ضارة من الوقود”، وأضاف قائلا “هذا الشكل من المراجحة التنظيمية يتجاهل مخاطر بالغة على الصحة العامة”.
ودعا التقرير الذي يحمل عنوان “الديزل القذر” شركات “ترافيجوراوأداكس أند أوريكس” و”فيتول السويسرية” وهي من أكبر الشركات التجارية في العالم إلى بيع الوقود فقط الذي يستوفي المعايير التنظيمية العالية، ووصفت الجماعة المشكلة بأنها “قنبلة موقوتة” في ظل نمو التجمعات المدنية في أنحاء أفريقيا والطفرة السكانية في مدن مثل لاجوس في نيجيريا وأكرا عاصمة غانا.
وأعلنت شركة فيتول إنها تلتزم بالقواعد التنظيمية الحكومية ولا يمكنها بمفردها التحكم في جودة الوقود الذي يباع في المحطات، وقالت “بوما إنيرجي” التي تملك “ترافيجورا” حصة فيها ولها محطات تجزئة ومشروعات في أنحاء مختلفة في أفريقيا إنها تلتزم بالمواصفات الوطنية وإن بيع الوقود بمعايير جودة أعلى متعذر لأسباب لوجستية، ولم ترد “أداكس أند أوريكس” على الفور على طلبات للتعقيب.
وقالت “رابطة التكرير الأفريقية” وهي جماعة غير ربحية تمثل القطاع في القارة إن تغيير إجراءات شركات التجارة فقط لن يحل المشكلة، واضافت “إذا التزم التجار السويسريون بتوصيات التقرير اليوم فإن تجارا آخرين من بلدان أخرى سيحلون مكانهم”، ويقع دور تحسين جودة الوقود في أفريقيا بكل وضوح على عاتق الحكومات الأفريقية وليس على الموردين وتابعت إنها تضغط على الحكومات بالتوازي مع برنامج البيئة التابعة للأمم المتحدة.
وزادت كينيا وتنزانيا وأوغندا والمغرب من الشروط المطلوبة لجودة الوقود لكن الجودة الأعلى تعني تكاليف أعلى وتواجه دول كثيرة في أفريقيا عجزا كبيرا في المالية العامة وتخشى إثارة غضب سكانها برفع الاسعار في محطات بيع الوقود.
مساءلة في البرلمان
ولم تلبث “فضيحة الوقود السام” طويلا حتى وصل صداها أرجاء الوطن بعد اثارتها من قبل النائب بمجلس نواب الشعب عن حراك تونس الارادة عماد الدايمي الذي صرح للشروق بتوجيهه مراسلة لكل من رئيس الحكومة وأسئلة شفاهية لكل من وزيرة الطاقة والمناجم هالة شيخ روحو ووزيرة الصحة سميرة مرعي اضافة الى مراسلة لوزير الشؤون المحلية والبيئة رياض المؤخر علاوة على طلب رسمي في النفاذ الى المعلومات التي تخص الشركة المعنية بتوريدها لذلك الوقود.
تونس ضمن الدول الموردة
وجاء في التقرير أن تونس تعد ضمن أربع دول هي الصومال ومصر والكونغو تستورد هذا النوع من المحروقات السامة والتي تحتوي في تركيبتها الكيميائية على نسبة تفوق 400 مرة أكثر من النسب الدولية المسموح بها، كما أضاف التقرير أن هذا الوقود السام يقع انتاجه على متن منصة خافرات راسية في البحر وورد في ملاحقه أن بداية استيراد هذا الوقود في تونس كانت مطلع سنة 2006.
ضعف التشريعات
كما تطرق التقرير الى صعوبة تتبع هذه الشركات على اعتبار أنها تستغل غياب التشريعات المنظمة لتصدير واستيراد المحروقات بما دفع العديد من البلدان الافريقية على غرار المغرب الى تغيير تشريعاتها بما يحصن شعوبها من جملة المخاطر الصحية والبيئية، وفي هذا السياق دفع عماد الدايمي الى ايقاف نزيف هذا الخطر وانكباب كافة الاطراف المتداخلة على سن تشريعات وقائية مفيدا بأن التشريع الجاري به العمل والمنظم لاستيراد الوقود تخلو من مواصفات دقيقة ووقع سنها سنة 1932 قبل تغييرها سنة 1956.
بلدان إفريقية.. النفط في أراضيها بكرا وتستورده ساماً
بلدان من أصل 8 إفريقية ورد اسمها، مؤخرا، في تقرير لمنظمة “بيبلك آي” السويسرية (غير حكومية) كدول تستورد وقودا ساما تصدّره شركات سويسرية، وتنتمي هذه البلدان الخمسة، وهي بنين وكوت ديفوار ومالي والسنغال وغانا، إلى منطقة غرب إفريقيا، والمفارقة انها تستورد هذا الوقود السام رغم ما تزخر به هذه الرقعة الجغرافية من ثروات نفطية هامة من شأنها تغطية متطلباتها من الذهب الأسود، لكن إما ثروتها النفطية غير مستغلة، او تحتاج إلى تعظيم الإنتاج المتوفر بالفعل.
وكشف تقرير “بيبلك أي” أن المحروقات المصدرة إلى غرب إفريقيا تحتوي على نسبة كبريت أعلى بـ300 مرة من تلك المسموح بها في القارة الأوروبية، ما أثار جدلا واسعا تصدر أغلفة وسائل الإعلام الإفريقية والدولية، وفي عام 1982، انطلق الإنتاج النفطي في بنين بحقل النفط الساحلي المكتشف في منطقة “سيم” المطلة على المحيط الأطلسي، ليتمكن بشكل سريع من إنتاج 8 آلاف برميل في اليوم، قبل أن يتقلص العدد إلى 1900 برميل عام 1996، وفق دراسة أعدتها “المجموعة الدولية للبحوث والمعلومات حول السلام والأمن” (مركز أبحاث بلجيكي عن السلم والأمن والحروب في العالم).
ورغم اكتشاف موقع نفطي في عرض سواحل “سيم” في أكتوبر عام 2013، قدرت طاقته الإنتاجية بـ87 مليون برميل، إلا أن هذا البلد يواصل استيراد جزء كبير من إحتياجاته النفطية من هولندا وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة والبرازيل والإمارات.
وفي كوت ديفوار، التي بلغ إنتاجها النفطي 10.7 ملايين برميل نهاية ديسمبر 2015، بمعدل 29 ألفا و411 برميلا في اليوم الواحد، وفق البنك الإفريقي “إيكو بنك”، تأتي 76% من وارداتها النفطية من نيجيريا لتغطية حاجتها المقدرة بـ75 ألف برميل يوميا.
ورغم انطلاق أعمال التنقيب عن النفط في منطقة “إيبويندا” الساحلية بكوت ديفوار، منذ ستينات القرن الماضي، إلا أن الإنتاج الفعلي بدأ في منتصف التسعينيات، وترافق مع اكتشاف مخزون نفطي ذو قدرة إنتاجية عالية بحوض “تانو” البحري، الواقع في عرض البحر على عمق 5 آلاف متر، وفي غانا أصبح النفط يحتل المركز الثاني من صادراتها بعد الذهب منذ 2012.
ويمتلك هذا البلد الإفريقي عدة أحواض نفطية بحرية تم اكتشافها منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين، وحقق طفرته الإنتاجية عقب اكتشاف حقل “جوبيلي” من قبل شركة أمريكية في 2007، ليقفز إنتاجه النفطي من 8 آلاف برميل يوميا عام 2010، إلى نحو 80 ألف برميل في 2012، ويبلغ احتياطي النفط المؤكد في حقل “جوبيلي” 660 مليون برميل، وفق أرقام رسمية
ويقتصر الإنتاج النفطي في غانا، حاليا، على موقع “جوبيلي”، في وقت لم تنطلق فيه أعمال التنقيب ببعض الحقول الأخرى التي توصف بـ “الواعدة”، وفق “المجموعة الدولية للبحوث والمعلومات حول السلام والأمن”، وبلغت واردات مالي من المنتجات النفطية أكثر من مليون طن متري السنة الماضية، مسجلة ارتفاعا بـ8% مقارنة بعام 2014، وفق ديوان المنتجات النفطية.
وفي يناير 2013، كشفت شركة إيطالية نجاح حفرياتها الاستكشافية بالمنطقة البحرية “كاب ثري بوينتس” النفطية، والتي قدرت طاقتها الإنتاجية بنحو 450 مليون برميل، رقم يعزز الاحتياطي النفطي في مالي والبالغ 660 مليون برميل.
وتهتم عدة شركات أجنبية بقدرات مالي النفطية، بينها شركة “سوناتراك” الجزائرية التي يتركز نشاطها في حقل تاوديني 50، شمال غربي البلاد، فيما تتواصل جهود تنقيب مؤسسات أخرى عن هذه الثروة الطاقية في حقول غرابن بمنطقة غاو وأوليميدن بـ “تامسما وفوس نارا 5 (شمال)، وفق “المجموعة الدولية للبحوث والمعلومات حول السلام والأمن”.
أما السنغال التي تصل احتياجاتها من النفط إلى “مليون و800 ألف طن في العام”، فهي تستورد النفط الخام من نيجيريا وفرنسا وهولندا والصين، وفق “وكالة الإحصاء والديمغرافيا السنغالية” ولم يلتحق السنغال بركب البلدان المنتجة للنفط، رغم الاكتشافات الهامة من الذهب الأسود في الفترة الأخيرة، من بينها إعلان شركة “كرن إينرجي” البريطانية زيادة المخزون النفطي بسواحل هذا البلد، والكشف عن وحدة من النفط الخام يبلغ سمكها 325 قدم وتقدر طاقتها الإنتاجية بـ 385 مليون برميل.
ووفق تقارير صحفية، يمكن أن تصبح السنغال وموريتانيا من بين “المصدرين للطاقة عام 2020، بفضل ثرواتهما الجوفية البحرية من النفط والغاز الطبيعي فقط”، وإضافة إلى موريتانيا، التي باتت منتجة للنفط منذ 2006، باحتياطي مؤكد يقدر بـ 20 مليون برميل، نجد النيجر التي تمكنت من ضمان موقع لها بين البلدان المنتجة للذهب الأسود منذ سبتمبر 2011 بفضل 4 أحواض رسوبية نفطية تغطي 90% من أراضيها، ما يعزز آمال منطقة غرب إفريقيا في تحقيق اكتفائها الذاتي من هذه الطاقة.
المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية
مرتبط