اخبار العراق الان

فوضى المكونات الدينية والقومية: لماذا ستكون معركة الموصل مختلفة؟

فوضى المكونات الدينية والقومية: لماذا ستكون معركة الموصل مختلفة؟
فوضى المكونات الدينية والقومية: لماذا ستكون معركة الموصل مختلفة؟

2016-10-13 00:00:00 - المصدر: نقاش


 قبل أيام وجه رئيس الوزراء حيدر العبادي كلمة إلى سكان الموصل عبر إذاعة جديدة أنشأها الجيش، طمأن فيها السكان، وقال إن "المدينة ستكون لكم بعد تحريرها كما حررت الأنبار وصلاح الدين"، ولكنه يعلم بان معركة الموصل ستكون معقدة، حاله حال السكان المحاصرين الذين لا يعرفون مصيرهم حتى الآن بعد أن أغلق المتطرفون أبوابها واستعدوا لمعركة طويلة.

 

عوامل سياسية واجتماعية وعسكرية وجغرافية معقدة ستجعل معركة الموصل معقدة، ولم تكن هذه العوامل موجودة خلال معارك تحرير تكريت وبيجي والرمادي والفلوجة والرطبة، فالموصل دخلت في الحسابات الدولية مع انضمام تركيا الى الأحداث، والجميع يسعى للمشاركة ورسم المستقبل وفق مصالحه، بالمحصلة فان المعركة العسكرية ستثير مشكلات سياسية وقومية ودينية وعرقية بقيت منذ عقود بلا حلول.

 

وما بعد المعركة يبقى التحدي الأصعب، فالمحافظة التي تعتبر ثاني اكبر مدينة في العراق وتضم خليطا من السكان السنّة والشيعة والمسيحيين والشبك والايزيديين والكرد لن يكون من السهل إدارتها تحت قيادة واحدة، وما اقدم عليه "داعش" من ممارسات وحشية خلال سنتين لن تضمد جراحها سريعا.

 

تحدي الجغرافيا

تعتبر نينوى ثاني اكبر مدينة في العراق بعد الأنبار، وتبلغ مساحتها (37323) كلم، وتشكل 9% من مساحة العراق، وتتكون من (32) بلدة، عشرة منها كبيرة و(22) صغيرة مترامية الاطراف، ويبلغ عدد سكانها قبل هجوم "داعش" على المدينة في حزيران (يونيو) 2014 نحو ثلاثة ملايين ونصف. وفقا لبيانات لوزارة التخطيط العراقية.

 

ويسيطر "داعش" على مركز نينوى وشرقها وجنوبها، ويمتلك معبرا حدوديا مهما إلى سورية عبر قضاء البعاج، وتكمن قوة المتطرفين في الضواحي المحيطة في نينوى في بلدتي الشورة وحمام العليل جنوبا، وتلعفر غربا، وغالبا ما يستخدم "داعش" الضواحي للدفاع عن مدنه.

 

وبسبب المساحة الشاسعة لنينوى فأن الجيش سيخوض معارك عدة لا معركة واحدة، كما حصل في الانبار فقد كان على القوات الامنية تحرير مدن الرمادي والفلوجة وهيت والرطبة وكبيسة خلال فترة طويلة استغرقت شهورا.

 

ولكن الجيش لن يكون لوحده في معركة الموصل اذ تنتشر قوات البيشمركة الكردية في الاجزاء الشمالية من نينوى ضمن هلال يبدأ من بلدة مخمور في الشرق مرورا بالكوير والحمدانية وتلكيف انتهاءً الى سنجار في الغرب، بينما تنتشر قوات الجيش العراقي في الأجزاء الجنوبية عند بلدة القيارة.

 

وتنتشر قوات محلية من عناصر الشرطة بزعامة اثيل النجيفي عند بلدة بعشيقة في الشمال، وفي الغرب ينتشر خليط من مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" والبيشركة" والايزيديين في الغرب.

 

وعلى هذه القوات قطع مسافات طويلة للوصول الى مركز الموصل، بينما استعد "داعش" للدفاع عن مدينته مستفيدا من عامل الوقت والجغرافيا، عبر زرع العبوات الناسفة والمكامن على الطرقات ووحدات قتالية متمرسة ستخوض حرب عصابات طويلة.

 

ولكن المشكلة ان سيطرة المتطرفين على معبر حدودي مع سورية ستمنحه ميزة في المناورة عبر جلب تعزيزات من سورية او الانسحاب مؤقتا الى الجانب السوري ومن ثم معاودة القتال، اذن ان اي عملية عسكرية دون تأمين الحدود بين نينوى وسورية ستجعلها خطيرة.

 

 

تشكيلات مسلحة متناقضة

على عكس باقي المعارك التي خاضتها الحكومة العراقية ضد المتطرفين في صلاح الدين والانبار وديالى عبر قوات الجيش والشرطة الاتحادية والفصائل الشيعية المتحالفة معها، هناك تشكيلات مسلحة اخرى تسعى الى المشاركة في معركة الموصل، ولكل منها أهدافها الخاصة.

 

سبعة تشكيلات عسكرية تنتشر حول الموصل حاليا بانتظار انطلاق المعركة، الجيش العراقي، القوات الاميركية، البيشمركة، الفصائل الشيعية المعروفة باسم "الحشد الشعبي"، قوات اثيل النجيفي، "حزب العمال الكردستاني"، القوات التركية.

 

الشيء الجيد إن جميع هذه القوات لها هدف واحد بالقضاء على تنظيم "داعش"، ولكن الخصومات بينهم شديدة، ولا تنسيق مشترك للمعركة المرتقبة، وبينما يرفض مجلس محافظة نينوى مشاركة الفصائل الشيعية في المعركة خوفا من ارتكاب اعمال قتل طائفية كما جرت في الفلوجة، تخشى قوات البيشمركة ايضا من مشاركة الفصائل الشيعية.

 

كما يرفض الجيش العراقي الاعتراف بالقوات التي يترأسها المحافظ السابق اثيل النجيفي، ولكن النجيفي يؤكد ان قواته البالغ عددها نحو ثلاثة آلاف مقاتل ستشارك في المعركة، وهذه القوة تضم خليطا من عناصر الشرطة السابقين ومقاتلين من العشائر تدعمهم تركيا بالسلاح والرواتب.

 

أما "حزب العمال الكردستاني" الذي ينتشر مقاتلوه في قضاء سنجار قرب الموصل يواجه تحفظات من قوات البيشمركة التابعة الى "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني بسبب صراعات كردية داخلية، وكذلك الجيش العراقي الذي يعتبرها قوات غير قانونية، اما القوات التركية المنتشرة في المنطقة تعتبر مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" إرهابيين مثل "داعش".

 

أما القوات التركية المنتشرة في معسكر بعشيقة شمال شرق الموصل ويبلغ عددها نحو (1500) عنصر مع تجهيزات عسكرية ثقيلة من الدبابات والمدافع تواجه رفضا من الجيش العراقي والفصائل الشيعية، واندلعت ازمة دبلوماسية بين بغداد وانقرة بعد رفض انقرة سحب قواتها، وقيام العراق برفع شكوى الى الأمم المتحدة بهذا الخصوص.

 

بدورها ترفض تركيا مشاركة الفصائل الشيعية في المعركة، وكذلك ترفض مشاركة "حزب العمال الكردستاني"، بينما ترحب قوات البيشمركة وقوات اثيل النجيفي بمشاركة الأتراك في المعركة.

 

عندما حرر الجيش العراقي بلدات تكريت وبيجي والرمادي والفلوجة وهيت لم تكن هذه التعقيدات موجودة خلال المعركة، فالنقاشات كانت تدور حول مشاركة الفصائل الشيعية في تحرير مدن سنية، وجرت المعارك بتنسيق عالي المستوى بين الجيش والفصائل الشيعية وقوات العشائر وسلاح الجو الاميركي، وهذا بالطبع كان احد عوامل الانتصار.

 

ولكن غياب التنسيق بين التشكيلات العسكرية في معركة الموصل لن يكون ايجابيا بلا شك، وربما تندلع معارك جانبية بين هذه القوات بدلا من المعركة الاساسية ضد "داعش"، وهو ما قد يطيل من وقت المعركة لأشهر، بينما سيستغل "داعش" هذه الخلافات لمصلحته.

 

المبعوث الأميركي "للتحالف الدولي" بريت مكورك قال في مؤتمر صحافي قبل ايام ان "داعش ربما سيبقى لوقت طويل في الموصل بسبب الخلافات بين المكونات في نينوى ونسعى الى فهم الدوافع السياسية بين مختلف الاطراف المشتركة في المعركة".

 

واعترف مكورك بان "معركة الموصل عملية لا يمكن توقع مجرياتها على نحو كبير، وهي المعركة الاكثر تعقيدا في العراق".

 

تركيبة سكانية معقدة

تمكن الجيش العراقي من تحقيق انتصارات ساحقة ضد "داعش" في صلاح الدين والانبار وديالى وهي مناطق يقطنها سكان سنّة فقط، ولكن في الموصل القضية اكثر تعقيدا، فهناك يسكن الشبك الشيعة في تلعفر، والايزيديين في سنجار، والمسيحيين في الموصل ومناطق سهل نينوى، والتركمان جنوب تلعفر، والكرد في القرى والبلدات القريبة من دهوك واربيل، اضافة الى السنّة.

 

وتسعى الفصائل الشيعية الى استعادة السيطرة على مدينة تلعفر التي تضم نحو نصف مليون شيعي من طائفة الشبك، بينما تسعى قوات البيشمركة الى السيطرة على قضاء سنجار ومناطق سهل نينوى التابعة الى المسيحيين وضمها الى اقليم كردستان، ويرفض السنّة مشاركة الفصائل الشيعية والبيشمركة في المعركة.

التركيبة السكانية المعقدة ستحول المعركة العسكرية إلى معركة دينية وطائفية وقومية، قبل ايام قال زعيم الفصيل الشيعي "عصائب اهل الحق" خلال كلمة له في محافظة بابل ان "الحشد الشعبي سيشارك في معركة الموصل من اجل الانتقام والثار، الثأر للإمام الحسين (حفيد النبي محمد وقتل عام 680)".

 

التشكيلات العسكرية الايزيدية المتحالفة مع "حزب العمال الكردستاني" تسعى للانتقام من العرب السنّة الذين يعيشون جنوب سنجار وتعرض الاف منهم للقتل والاختطاف على يد المتطرفين عام 2014، ويتهمون السكان السنّة بالمشاركة في هذه الاعمال، وبوادر هذا الانتقام حدثت فعلا في كانون الثاني (يناير) عام 2015 عندما هاجم مسلحون ايزيديون قريتي سيباية وجري وقتلوا وحرقوا منازل تابعة للعرب السنّة.

 

اما قوات البيشمركة تعتبر المعركة قومية من اجل رسم خريطة دولة كردستان، وتسعى للمشاركة في المعركة لحماية حدود الاقليم والعمل على ضم مناطق سهل نينوى وسنجار الى اقليم كردستان، ومنع الفصائل الشيعية والجيش الاقتراب من هذه الحدود.

 

ما بعد "داعش"

أكثر ما يقلق حول الموصل ليست المعركة العسكرية بل مستقبل المدينة بعد طرد المتطرفين، والسجالات الحادة تدور حول كيفية ادارة محافظة نينوى الكبيرة في المستقبل، وظهرت مقترحات لتقسيمها الى ادارات مستقلة عن بعضها.

 

ان ابرز الكوارث التي سيورثها المتطرفون بعدهم هو التغيير الديموغرافي الذي تعرضت له نينوى خلال السنتين الماضيتين، هاجر جميع السكان المسيحيين الذين تبلغ اعدادهم بنحو 150 الف مسيحي من الموصل ومناطق سهل نينوى، وهم يسكنون الان في اربيل عاصمة اقليم كردستان بينما هاجر بعضهم الى اوربا والولايات المتحدة.

 

ويرفض هؤلاء العودة الى مناطقهم من جديد، ويقول الكثير من المسيحيين الذين يسكنون في مخيمات بانهم فقدوا الثقة في سكان الموصل، وهم يخشون من عمليات انتقامية بدوافع دينية ضدهم اذا ما عادوا الى منازلهم، ويفضلون البقاء في اقليم كردستان على العودة.

 

والشيء نفسه ينطبق على الشبك الشيعة الذي يسكنون قضاء تلعفر ويبلغ عددهم نحو نصف مليون شخص نزح غالبيتهم الى محافظات كربلاء والنجف الشيعية جنوب العراق، ويقولون بانهم لن يعودوا الى مدينتهم التي تحيط بها بلدات سنية من كل جانب.

 

أول المقترحات المثيرة للجدل التي برزت خلال الاسابيع الماضية هو تقسيم نينوى الى محافظات عديدة حسب تقسيمها القومي والديني، تكون هناك مدن خاصة بالمسيحيين والايزييديين والسنّة والشيعة مستقلة عن بعضها البعض وتقوم بحماية نفسها دون الاكتراث بالمدن المجاورة.

 

بينما لا تمتلك الحكومة العراقية رؤية جديدة لمستقبل نينوى، وتسعى الى اعادة النظام الاداري الذي كان قائما فيها قبل احتلال "داعش" ويرتكز على محافظة واحدة تضم جميع البلدات السنّية والشيعية والكردية والايزيدية.

 

أما القيادات السياسية السنّية التقليدية بدأت ترتيب أوراقها من اجل المطالبة بالاقاليم في الانبار ونينوى، ويقترح المحافظ السابق لنينوى اثيل النجيفي تأسيس اقليم نينوى، فيما يطالب مسؤولو الانبار بتحويل المحافظة الى اقليم أيضاً، ومستقبلا يعملون على التوحد معا في اقليم سنّي واحد في العراق.

Tqj5DQeY5r0