صناعة الطائرات .. منافسات للسيطرة على اقتصاد السماء
الكاتب / عبد الامير رويح
تواصل شركات صناعة الطائرات الكبرى تنافسها من أجل السيطرة على سوق صناعة الطيران العالمية، من خلال تطوير الانتاج وتسويق الطائرات خصوصا وان هذه الصناعة، اصبحت اليوم من أكثر صناعات العالم نموا، حيث يزداد الطلب عليها بشكل مستمر وقد اكدت بعض التوقعات والتقارير أنه بحلول 2032 سيتضاعف عدد الطائرات في أساطيل الطيران في العالم لتتجاوز 36 ألف طائرة، وأن العالم سينفق نحو 4.5 تريليون دولار تقريبا على شراء طائرات جديدة، وذلك بالأسعار الحالية لهذه الطائرات، بالطبع أسعار المستقبل ستكون مختلفة.
ويلاحظ أن شركتي بوينغ وإيرباص هما الأكثر استحواذًا على السوق العالمية والأكثر إنتاجًا للطائرات ذات الحجم الكبير، بينما نجد أن بقية الشركات تتخصص بشكل أكبر في طائرات رجال الأعمال والطائرات صغيرة الحجم وغيرها من الصناعات الاخرى المتعلقة بالطائرات. وفيما يخص اخر اخبار صناعة الطائرات فقد اثمرت دورة 2016 لمعرض فارنبره الجوي 123،9 مليار دولار (112،3 مليار يورو) من الطلبيات وصفقات البيع، كما اعلن المنظمون. واضاف المنظمون ان هذا المبلغ “يتجاوز التوقعات” حتى لو انه لم يحقق الرقم القياسي البالغ 204 مليارات في الدورة السابقة قبل سنتين. وفي التفاصيل، تشمل الطلبيات والبروتوكولات شراء 856 طائرة ب 93،98 مليار دولار، و1407 محركات ب 22،7 مليار دولار، واتفاقات اخرى تبلغ 7،2 مليارات دولار.
واعلن جون ليهي المدير التجاري لايرباص لدى تقديم حصيلة هذه الشركة الاوروبية، عن مبيعات بلغت 35 مليار دولار، منها 25،3 مليارا من الطلبيات الأكيدة ل 279 طائرة. وكانت شركة بوينغ العملاقة الاخرى اعلنت من جهتها عن 182 صفقة بقيمة 26،8 مليار دولار، منها 19 مليارا من الطلبيات الجديدة. واعربت الشركتان عن تفاؤلهما بنمو السوق في السنوات العشرين المقبلة، والتي سيؤمنها نمو البلدان الناشئة وخصوصا في اسيا والاسعار المتدنية. واستقبل المعرض زائرين بلغ متوسط عددهم 20 الفا في اليوم. وقال المدير العام للمعرض شوان اورمرود ان “سوء الاحوال الجوية طرح علينا تحديا اضافيا، لكن ذلك لم يكبح الشركات العارضة والزائرين… المستقبل زاهر للصناعة الجوية”.
- مبيعات ايرباص
في السياق ذاته أغلقت ايرباص الفجوة مع بوينج أو كادت في معركتهما المحتدمة على طلبيات الطائرات في يوليو تموز بعد أن فازت بنحو نصف المبيعات المؤكدة البالغة 197 طائرة التي كشف عنها خلال معرض فارنبورو الجوي وفقا لأحدث البيانات من الشركتين. وفي ظل تباطؤ واسع النطاق للمشتريات قالت شركة صناعة الطائرات الأوروبية إنها باعت إجمالي 373 طائرة بين يناير كانون الثاني ويوليو تموز أو 323 بعد التعديل في ضوء الإلغاءات. بالمقارنة باعت منافستها الأمريكية بوينج 383 طائرة أو 333 بعد الإلغاءات.
وتراجعت الطلبيات الإجمالية للشركتين المهيمنتين على قطاع صناعة الطائرات 17 بالمئة عنها قبل عام تحت وطأة بواعث القلق بشأن الاقتصاد العالمي وأسعار النفط المنخفضة نسبيا التي نالت من الطلب على الطرز الجديدة الموفرة في استهلاك الوقود. وتكافح كلتا الشركتين للفوز بمبيعات جديدة في سوق من المعتقد أنها تعاني من تخمة في معروض الطائرات وبخاصة الطرز عريضة البدن حسبما يقول خبراء القطاع. ويثير التباطؤ تساؤلات بشأن ما إذا كانت الشركتان ستمضيان في خطط تعزيز الإنتاج في وقت لاحق من العقد الحالي.
وتضمنت أحدث بيانات إيرباص إلغاء الخطوط الجوية القطرية تسلم أولى طائراتها ضمن طلبية لعدد 50 طائرة من الفئة ايه320نيو. وكانت الناقلة الخليجية انتقدت ايرباص وبرات اند ويتني بشأن تأخر تسليمات ايه320نيو وقالت في يونيو حزيران إنها ستمارس خيار عدم تسلم الطائرة الأولى التي تقف ضمن عدة طائرات بألوان الخطوط القطرية خارج المصنع الفرنسي في انتظار تزويدها بالمحركات. وفي وقت سابق قالت مجموعة ايرباص إن نسخا معدلة من المحركات قيد التسليم حاليا. في غضون ذلك تجري الخطوط القطرية محادثات مع بوينج بخصوص الطائرة 737 ماكس لتنويع طائرات أسطولها الذي يشهد توسعا سريعا.
على صعيد متصل قررت شركة “ايرباص” خفض إنتاجها من الطائرات الضخمة من طراز “إيه 380” بسبب تراجع الطلب عليها، بحسب ما ذكرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية. وقالت الصحيفة الفرنسية ان إنتاج طائرات “إيه 380” سيخفض تدريجيا اعتبارا من هذا الخريف، ليقتصر على إنتاج طائرة واحدة شهريا اعتبارا من 2018، مقابل طائرتين ونصف طائرة حاليا.
وأوضحت الصحيفة أن هناك تراجعا في الطلبات، ونقلت عن مدير برنامج “إيه 380” في الشركة آلان فلورنس قوله “سيتيح هذا القرار لنا العمل على إنهاء عمليات التسليم في انتظار طلبات جديدة”. ولإنهاء الطلبات التي لديها حتى الآن، أمام الشركة عشر سنوات من الانتاج تقريبا. في نهاية آب/أغسطس 2016، كانت هناك 124 طائرة “سوبرجامبو إيه 380” لم يتم تسليمها بعد، من أصل 319 تم طلبها مع بدء تصنيع هذا الطراز في العام 2000، بحسب الصحيفة.
وتنتظر الطلبية الايرانية (12 طائرة) التي تمت بعد رفع العقوبات الدولية عن الجمهورية الاسلامية إثر توقيع الاتفاق النووي، الحصول على إذن تصدير لتصبح نافذة، لكنها لن تكون كافية لابقاء الشركة على مستوى الانتاج نفسه. وستسلم “ايرباص” هذه السنة 27 طائرة من طراز “إيه 380″، وهو العدد نفسه الذي سلمته في العام 2015، وأقل بثلاث طائرات من السنوات التي شهدت المستوى الاعلى من التسليم (أكثر بثلاث طائرات) بين 2012 و2014. بحسب فرانس برس.
وقال فلورنس “يمكننا تطوير نماذج أخرى، لكن طلبيات الشركات اليوم تتناول تطوير الطائرة الحالية. علينا أن نحسن إنتاجها، عبر توسيع قمرة الطيار وتأمين ليونة وحرية أكبر في تجهيزها من جانب زبائننا”. وتابع “ما زال لطائرة إيه 380 مكانها في منتجات ايرباص. فهي تتناسب تماما مع ارتفاع نسبة الحركة الجوية وازدحام المطارات”.
- بوينغ بعد 100 عام
الى جانب ذلك تواجه مجموعة “بوينغ” التي أسست قبل مئة عام واستحالت رمزا لصناعة الطيران في الولايات المتحدة والعالم، منافسة قوية حاليا في كل قطاعات انشطتها من الطائرات المدنية او العسكرية الى استكشاف الفضاء، غير أنها تحافظ على قدراتها الابتكارية في مجال التكنولوجيا. وقال لورين تومسون من معهد “ليكسينغتون انستيتيوت” إن “المسألة التي ستحدد مستقبل بوينغ في السنوات المقبلة تكمن في معرفة ما اذا كانت قادرة على التغلب على ايرباص” التي تهيمن على قطاع الطيران المدني وبدأت اخيرا في انتاج طائرات في الولايات المتحدة وتطمح للفوز بعقود عسكرية بمبالغ طائلة.
من ناحيته لفت ميشال ميرلوزو المحلل لدى مجموعة “فروست اند ساليفان” الى ان المجموعة الاوروبية التي أسست في كانون الاول/ديسمبر 1970 “باتت تملي جدول الاعمال الخاص بالتكنولوجيا والابتكار في المجال الجوي”. وفي المجال الدفاعي، تم استثناء “بوينغ” من اكبر برنامجين عسكريين اميركيين وهما اللذان يتعلقان بقاذفة القنابل المستقبلية المصنعة من جانب “نورثروب غرومان” والمقاتلة من الجيل الجديد “اف – 35” (“لوكهيد مارتن”). ولم يبق لها سوى طائرة التموين “كاي سي – 46” التي يسجل تأخر متكرر في المشروع الخاص بها.
ولتعويض تأخرها، يتعين على “بوينغ” تعزيز وجودها في خدمات الصيانة، وهو سوق مدر للارباح في وقت تسجل الميزانية العسكرية تراجعا مطردا، وفق نصائح الخبراء. وبعدما كانت متقدمة لفترة طويلة في مجال استكشاف الفصاء، باتت تواجه منافسة في اطلاق الصواريخ والاقمار الاصطناعية المخصصة للاتصالات مع بروز شركات مثل “سبايس اكس” التي لا تكتفي بالابتكار على صعيد التكنولوجيا بل تقدم اسعارا تنافسية ايضا.
وقال ماركو كاسيريس من مجموعة “تيل غروب” إنه “اذا لم تعمد بوينغ الى تقليص هائل في اسعارها ولم تقم بترشيق بنيتها فهذا يعني ان بقاءها مرشحة جدية في هذا المجال ليس بالامر المؤكد”. وتتباهى شركة “دلتا” بتفوقها في مجال تصنيع الصواريخ. فقد قال مديرها العام دنيس مويلنبرغ في تصريحات ادلى بها اخيرا لصحيفة “يو اس ايه توداي” “إننا نعمل على اول صاروخ سينقل الانسان الى المريخ”، مضيفا ان هذا الصاروخ سيكون اكبر بنسبة 50 % من الصاروخ المخصص لعمليات الاطلاق نحو القمر “ساتورن 5” والذي صنعت الشركة اجزاءه الرئيسية.
أما المناخ السياسي في الولايات المتحدة فيتسم بايجابية اقل بالنسبة لـ”بوينغ” اذ ان اعضاء في الكونغرس يسعون الى اعاقة مبيعات المجموعات الى ايران بعد اشهر قليلة على إضعاف شركة التأمين العامة على القروض “اكسبورت – امبورت بنك” التي غالبا ما تسمى “مصرف بوينغ”. واشار ريتشارد ابو لافيا من “تيل غروب” الى ان “بوينغ” تبقى مع ذلك “ايقونة اميركية وعالمية”. من ناحيته لفت ميشال ميرلوزو الى ان هذه الشركة الاميركية هي “اول من وضع تصميما بطريقة كاملة لتصاميم الطائرات التجارية التي حولت المشهد الخاص بصناعات الطيران وذلك المتعلق بشركات الطيران”. بحسب فرانس برس.
وخلال قرن من وجودها، حققت نجاحات تجارية في مجال الطيران المدني بفضل طرازاتها ذات الاسماء الثلاثية الارقام. وقد فاقت ايراداتها 96 مليار دولار سنة 2015 بينها 68 % في المجال المدني. وبعد أن طبعت طائرات بوينغ 737 و757 و777 و787 تاريخ الطيران، ستبقى طائرات 747 وهي اول ناقلة ركاب كبيرة صاحبة البصمة الخالدة لأنها جعلت الطيران المدني في متناول الجميع بحسب ميرلوزو الذي اقر بأن “نبوغ” بوينغ على صعيد بيع حلول تقنية مبتكرة بلغ حدوده مع طائرة “787 دريم لاينر” الذي شكل مصدرا لخسائر كبيرة بالنسبة للشركة. وبالاضافة الى “ايرباص”، يتعين على “بوينغ” التي اسست في 15 تموز/يوليو 1916 التنافس حاليا مع شركات اجنبية “صغيرة” تعلن طموحات كبيرة في مجال الطيران مثل الكندية “بومباردييه” والصينية “كوماك”.
- قضايا فساد
من جانب اخر فتحت الهيئة البريطانية المكلفة بمكافحة الفساد تحقيقا جنائيا ضد مجموعة “إيرباص” للصناعات الجوية حول شبهات فساد واحتيال ودفع رشاوى. من جانبها، أكدت “إيرباص” على نيتها التعاون مع المكتب البريطاني في التحقيقات الجارية. وأعلن “مكتب عمليات الاحتيال الخطيرة” (سيريوس فرود أوفيس) التابع للهيئة البريطانية المكلفة مكافحة الفساد أن بريطانيا فتحت تحقيقا جنائيا ضد مجموعة “إيرباص” يتعلق بشبهات فساد.
وقال المكتب أن “هذه الادعاءات تتعلق بمخالفات بشأن جهات استشارية أخرى”. وأكدت مجموعة “إيرباص” هذه المعلومات، وقالت إن المكتب البريطاني “فتح تحقيقا في شبهات بالاحتيال ودفع رشاوى وفساد في قطاع الطيران المدني لإيرباص”. وتحدثت المجموعة عن “مخالفات تتعلق بمستشارين”، بدون أن تذكر أي تفاصيل. وشددت المجموعة الأوروبية على أنها تنوي “التعاون” مع المكتب البريطاني. وقال متحدث باسم المكتب البريطاني أنه لن تنشر أي معلومات قبل انتهاء التحقيق. بحسب فرانس برس.
ويأتي هذا الاعلان بعد أشهر على تعليق الوكالة البريطانية لقروض التصدير اعتمادات التصدير الممنوحة لـ”إيرباص”. واتخذت فرنسا وألمانيا الإجراء نفسه بحق المجموعة. و”إيرباص” هي أكبر مجموعة تجارية للصناعات الجوية في المملكة المتحدة. وقد ارتفعت ارباحها الصافية في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 15 بالمئة. وبلغت أرباحها نصف السنوية الصافية 1,76 مليار يورو.
- أكبر طائرة برمائية
في السياق ذاته قال الاعلام الصيني الرسمي إن الصين أتمت انتاج اكبر طائرة برمائية في العالم، وذلك في خطوة جديدة تخطوها البلاد للتخلص من اعتمادها على الطائرات الاجنبية. وتقول وكالة انباء شينخوا الرسمية إن شركة AVIC للطيران التابعة للدولة ازاحت الستار في مدينة زوهاي الساحلية الجنوبية عن اولى هذه الطائرات التي اطلقت عليها اسم AG600. وتقول الوكالة ايضا إن الطائرة التي يبلغ مداها الاقصى 4500 كيلومترا مصممة للاستخدام في اطفاء حرائق الغابات وعمليات الانقاذ البحري.
ونقلت الوكالة عن غينغ روغوانغ نائب مدير عام الشركة قوله إن الطائرة التي يقارب حجمها طائرة بوينغ 737 المألوفة هي اكبر من طائرة اخرى مصممة للاقلاع من الماء والهبوط فيه. ولكن مع ذلك، فإن قطر جناحيها اصغر بكثير من قطر جناحي طائرة H-4 Hercules – المعروفة بالـ “الأوزة الخشبية” – والتي صممت في اربعينيات القرن الماضي لنقل الجنود الى ساحات المعارك. ولكن الطائرة الاخيرة التي صممها هوارد هيوز لم تحلق الا مرة واحدة في عام 1947.
وقالت شينخوا إن الطائرة الصينية التي تستهدف السوق الصينية المحلية بالدرجة الاولى “ستكون مفيدة جدا في تطوير واستغلال الموارد البحرية”، مضيفة انها “قد تستخدم ايضا في مراقبة البيئة واستشعار وجود الموارد الطبيعية ونقل هذه الموارد.” يذكر ان الصين منخرطة في الوقت الحالي في نزاعات مع عدد من جيرانها – بما فيها اليابان وفيتنام والفلبين – حول حقوق استغلال الموارد الاقتصادية الموجودة في البحار التي تطل عليها.
ومن شأن الطائرة الجديدة ان تعزز قدرة الصين على القيام بطيف واسع من العمليات في بحر الصين الجنوبي الذي انشأت فيها سلسلة من الجزر الاصطناعية التي تحتوي على مدارج هبوط وغيرها من المنشآت ذات الاستخدام المدني والعسكري المزدوج. وقالت شينخوا إن AVIC تسلمت الى الآن طلبات لـ 17 من هذه الطائرات.
المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية
شارك هذا الموضوع:
مرتبط