اخبار العراق الان

تلاشي الطبقة المتوسطة مقابل هيمنة الاغنياء

تلاشي الطبقة المتوسطة مقابل هيمنة الاغنياء
تلاشي الطبقة المتوسطة مقابل هيمنة الاغنياء

2016-11-06 00:00:00 - المصدر: NEN عراق


الكاتب / خالد الثرواني

التفاوت الطبقي في العراق .. تلاشي الطبقة المتوسطة مقابل هيمنة الاغنياء

عندما يقلب العراقيون دفتر الذكريات كثيرا ما يتوقفون امام صفحات العقد السبعيني من القرن الماضي، كون المجتمع آنذاك كان يختلف كثيرا عن الان -مثلما يقولون-، يتذكر الحاج صابر بحسرة كتب الجيب المنتشرة بكثر والمتداولة بين الشباب وكثرة المثقفين وميسوري الحال وسيادة التعاون بين الناس، وذوبان التسميات القبلية والاثنية في بوتقة مجتمع قوي متعاون، تقل في السرقات ويبتعد عن الحسد والكراهية.

الطبقة الوسطى كانت قوية الوجود بين افراد المجتمع العراقي -حينما كان الاقتصاد العراقي قوي والبلد يعد من البلدان المستقرة والمتطورة- وهي كانت تمنع انحدار المجتمع نحو أي هوة ثقافية او سياسية لكنها بدأت بالتلاشي تدريجيا لعدد من الاسباب.

بدأ تاريخ ولادة الطبقة الوسطى في العراق مع ولادة الدولة العراقية الحديثة عام 1921, وشهدت توسعا مطردا, حيث شكلت بحسب تعداد 1977 حوالي (35%) من سكان المدن و(22%) من أجمالي السكان, وتضم (المهنيين والأطباء والمحامين والمهندسين والمدرسين وضباط الجيش وموظفي الخدمة المدنية وأساتذة الجامعات والمستويات الوسطى في القطاع التجاري).

ماهي الطبقة الوسطى؟

عرف عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر الطبقة الوسطى بكونها الطبقة التي تجلس في وسط الهرم الاجتماعي، وهي في الاحوال كافة مجموعة واسعة من الناس انبثقت في المجتمع الحديث وحسب المفهوم الاقتصادي الاجتماعي، لتؤدي مساهمة اجتماعية ـ اقتصادية، وهي تقع بين الطبقة العاملة والطبقة العليا الثرية. وان المقياس المشترك لهذه الطبقة هي راس المال البشري ويتم التعامل معها بكونها راس مال ثقافياً.

تعود تسمية الطبقة الوسطى (middle class) إلى الكاتب الايرلندي جيمس برادشو في مؤلفه الصادر عام 1775 الموسوم (مشروع التصدي لتهريب الاصواف الايرلندية الى فرنسا)، إذ عّرج الكاتب متناولاً تعبير (الطبقة الوسطى) بكونها تتوسط موقعاً بين طبقة النبلاء وطبقة الفلاحين في اوروبا.

مميزاتها

يقول صلاح حسن الموسوي، مدير مركز الجنوب للدراسات والتخطيط الاستراتيجي ان “اهم مميزات الطبقات الوسطى في العالم تصدي نخبها للعمل الثقافي والإنتاج الفكري وحضور المكون الأخلاقي في صلب تكوينها؛ والتي طالما سلحت به الدولة من خلال أبناءها الذين يصعدون الى الحكم”.

ويضيف “تعرضت الطبقة الوسطى في العراق الى ضربة قاصمة ابان الحكم البعثي الذي اختزل المجتمع والدولة العراقية (بنظام عبودية على طريقة الأزمان الغابرة وبواسطة ايدلوجيا قومية حديثة)”.

الطبقة الوسطى في العراق

على صعيد العراق، يصف الكاتب حيدر قاسم الحجامي في مقاله الموسوم (تراجع الطبقة الوسطى)، المنشور سنة 2009، “بان الطبقة الوسطى هي التي تتوسط هموم الطبقتين الاُخريين، إذ تنحدر الطبقة العليا الثرية نحو الخمول الفكري وهي تنغمس في تعظيم الربح وتراكم راس المال، في حين تكابد الطبقة العمالية والفقيرة هموم العيش وضعف قدرتها على بلورة مطالبها”.

ويقول الحجامي “إن الطبقة الوسطى هي من اكثر الطبقات قدرة على بلورة افكارها وتنظيم مطالبها وصياغة حركتها في الحراك السياسي، وان الرخاء النسبي الذي تتمتع به الطبقة الوسطى يمنحها الاستقلال والاستقرار في الحراك الاجتماعي وقيادته، كما ان مقوماتها التعليمية وبنيتها الثقافية مكّنها من ان تطرح نفسها كطبقة متخصصة قادرة على قيادة التنظيمات في ظل النظام المدني”.

التصنيف الاقتصادي للطبقة الوسطى في العراق

يقول الخبير الاقتصادي د. مظهر محمد صالح انه “قد يكون من الصعب تصنيف الطبقة الوسطى العراقية على وفق الدخل السنوي لتحديد شرائح الطبقة الوسطى في اقتصاد ريعي شديد الاحادية الى حدِ ما، إذ ما زال انتاج الثروة النفطية يتقاسم نصف الدخل القومي السنوي، كما ان 95% من الموازنة العامة للبلاد تعتمد على موارد الريع النفطي في ادامة التشغيل والاستثمار.

واضاف “وعلى الرغم من ذلك، صنف العراق من البنك الدولي مؤخراً بكونه واحداً من مجموعة البلدان التي تقع في الجزء العلوي من المجموعة الدولية المتوسطة الدخل، فمتوسط دخل الفرد العراقي السنوي يلامس 7000 دولار في الوقت الحاضر مرتفعاً من متوسط بلغ 750 دولار سنوياً في مطلع الالفية الثالثة ذلك ابان فرض العقوبات الدولية على العراق، واذا ما اخذنا معيار متوسط الدخل السنوي للفرد العراقي، فان الواقع يقتضي التعرف على شرائح الطبقة الوسطى ومقدار اقترابها او تشتتها عن المتوسط العام لدخل الفرد السنوي”.

تنقسم الطبقة الوسطى عموماً، بين طبقة وسطى عليا/ وطبقة وسطى متوسطة/ وطبقة وسطى دنيا، يفرق بينها مستوى الدخل والمستوى التعليمي والحالة الاجتماعية. ولكن القاسم المشترك الذي يجمع الطبقة الوسطى بمختلف شرائحها هي كونها الطبقة التي يتساوى فيها الاجر الحدي مع الانتاجية الحدية، فالمعيار هنا هو انتاجيتها في تحديد سعة دخلها (ينظر: نور ابو العلا ـ اقتصاديات الطبقة الوسطى ـ معهد الدراسات العربية ـ شباط 2014).

يمكن تقسيم الطبقة الوسطى على وفق معيار الدخل الى الشرائح او الفئات الاتية:

الطبقة الوسطى العليا: وتمثل حوالي 15% من إجمالي الطبقة الوسطى وهم رجال الاعمال وكبار موظفي الدولة والتكنوقراط واصحاب المهن الحرة من صناع السوق، إذ يزيد متوسط دخل الفرد فيها على 12 ألف دولار سنوياً، كما ان مجموع الدخل الاسري السنوي لهذه الطبقة هو بنحو 50 ـ 60 الف دولار.

الطبقة الوسطى المتوسطة: وتمثل السواد الاعظم من موظفي الدولة وشرائح مشابهة تعمل في نشاط السوق من مهندسين وفنيين واداريين وشريحة محدودة من المتقاعدين وغيرهم، وبنسبة 50% من إجمالي الطبقة الوسطى. وان متوسط الدخل السنوي للفرد فيها هو بنحو 7000 دولار وان دخل الاسرة السنوي لهذه الطبقة هو ما بين 30 ـ 35 الف دولار.

الطبقة الوسطى الدنيا: فهي تمثل صغار الموظفين والشرائح العاملة في السوق المماثلة لها من الشغيلة وبعض فئات المتقاعدين والعاملين من ذوي المهارات المحدودة ويمثلون نحو 35% من الطبقة المتوسطة ويبلغ متوسط دخل الفرد السنوي بنحو 5 آلاف دولار وإجمالي الدخل السنوي الاسري حوالي 20 ـ 30 الف دولار. وهي تعيش فوق خط الفقر، اي بمعنى انها تمتلك مرونة بنسبة 75% في الحصول على المأكل والملبس والمأوى والتعليم والصحة.

تفاوت الدخل

يقول محمد رضا عباس ان “مشكلة تفاوت الدخول بين مواطني البلد الواحد أصبحت ظاهرة عالمية تعاني منها الدول الغنية و الفقيرة”.

ويضيف “التفاوت الكبير في الدخول يخلق مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة سوء على نطاق الفرد أو المجتمع. التفاوت في الدخول يؤدي إلى زيادة السرقات, الجريمة, الحسد والكراهية بين أبناء البلد الواحد”.

ويشير رضا الى انه “اقتصاديا, على قول المثل العراقي, الخير يخي, هناك علاقة طردية بين دخل الأغنياء ونمو البلد الاقتصادي. أي كلما أنتعش الاقتصادي الوطني, زاد دخل الأغنياء أكثر وأكثر”.

ويزيد بالقول ثم هناك فارق أخر, الأغنياء هم من يقرر من هو الفائز في الانتخابات المحلية والعامة. لان الأغنياء هم المتبرعون على الحملات الانتخابية والفقراء هم الذين يغسلون صحون بعد انتهاء وليمة العشاء”.

رضا يؤكد انه “أصبح هناك تفاوت في الدخول ولكن ليس بالخطير. أي التفاوت ليس بالملايين الدولارات (نعم هناك حوالي 35 مليونير في العراق ) وإنما بالآلاف, لان حوالي ربع الطبقة العاملة هم من طبقة الموظفين والربع الأخر هم من يعمل في قطاع تجارة المفرد والنصف الأخر من يعمل في القطاع الزراعي والصناعي والخدمات”.

تباين الدخل في العراق الجديد قد يأتي عن طريقين:

  1. تفاوت الفرص التعليمة: هناك الآلاف من الدراسات العالمية تذهب إلى القول من وجود علاقة قوية ومباشرة بين الدخل السنوي وعدد سنوات الدراسة أي كلما زادة سنوات الدراسة, زاد الدخل.
  1. العقود والمشاريع الحكومية: أنها مشكلة المشاكل والشحم الذي تعتاش عليه القطط السمان. العقود و المناقصات الحكومية بذور الفساد الإداري والمالي وأيضا بذور التفاوت الطبقي. بحسب قول محمد رضا عباس.

الانعكاسات السلبية للفقر والتفاوت الطبقي على المجتمع العراقي

يقول طالب قاسم الشمري ان “ظاهرة الفقر والتفاوت الطبقي في المجتمع العراقي تلعب دورا خطرا لانعكاساتها السلبية على الحياة العامة وعلى افراد المجتمع الذي بدا عليه التمايز الطبقي واضحا بتميز فئة بمختلف الخدمات التنموية والمعاشية والصحية على حساب الفئات الفقيرة والمحرومة حتى وان حصلت هذه الطبقات على بعض الخدمات لم تحصل عليها بالشكل الطبيعي المطلوب وتبقى منقوصة لا تحقق احتياجاتها”.

ويضيف “لقد توسعت هوة التفاوت الطبقي والكل يدرك مخاطرها وعواقبها الوخيمة على المجتمع لان الفقر والتفاوت الطبقي الاكثر خطورة من بين كل المخاطر التي تحيط بالمجتمع، وما نواجهه في مجتمعنا من فقر وتفاوت طبقي جاء نتيجة حتمية لما نعيشه من فوضى سياسية وفساد اداري ومالي وتجاوزات على المال العام تمر بدون رادع حقيقي بعد ان زادت الفقراء فقرا وجعلت العراق يتصدر قوائم الفساد في العالم”.

كيف عالج الاسلام التفاوت الطبقي؟

يقول ياسين البدراني “ان الإسلام لم يتعامل مع مشكلة الفقر تعاملاً هامشياً، بل دخل في معترك الصراع الاجتماعي مسلحاً بضوابطه الشرعية الدقيقة في تضييق الفوارق الطبقية. فشرع ـ أولا ـ أصالة إشباع حاجات الأفراد الأساسية من الطعام واللباس والسكن. وأمضى ما أقره الارتكاز العقلائي فيما يتعلق بالخدمات الصحية، والخدمات الأساسية الأخرى كالنقل ونحوه. وقرر ـ ثانياً ـ أن للفقراء حقاً في أموال الأغنياء: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾4، ففرض ضرائب على الثروة الحيوانية والزراعية والمعدنية والنقدية ونحوها، وبذلك تعامل الإسلام مع صميم المشكلة الاجتماعية بهدف إزالة أسباب الفقر والحرمان، واقتلاع جذور الفساد الاقتصادي”.

ويضيف ” فالزكاة التي أوردها القرآن الكريم: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾5، و﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ﴾6 ـ وهي ضريبة عينية أو قيمية محددة بنسبة مئوية في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، وفي الغلات الأربع: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وفي النقدين الذهب والفضة ـ تشبع الفقراء من المأكل والملبس وتسد حاجاتهم الأساسية الأخرى. والخمس في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾7 ـ وهو إخراج عشرين بالمائة من الواردات السنوية، خمس الغنيمة كانت أو خمس الفائدة أو الربح، كالمعادن المستخرجة من الأرض وما يخرج من البحار وما يعثر عليه من الكنوز، وما يفضل من مؤونة سنة الأفراد ـ تعكس حقيقة مهمة في فكرة العدالة الاجتماعية وهي أن خمس الثروة الاجتماعية يجب أن تذهب لمساعدة الفقراء والمشاريع والخدمات الاجتماعية التي ترفع من مستواهم وتمنحهم فرصاً حقيقيةً للعمل والإنتاج، وتساعد الدولة أيضاً على بناء المدراس والمستشفيات ووسائل التدريب والتأهيل الاجتماعي”.

ويشير الى ان “هذا إضافة إلى أن الضرائب التي فرضها الإسلام كالصدقة الواجبة: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا…﴾8، والكفارات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾9، والأضحية: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾10، ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾11، والضرائب التي شجع الأفراد على دفعها بدافع الاستحباب كالصدقة المستحبة والإنفاق في سبيل الله: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾12، ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾13، كلها ترفع حوائج المعدمين وتسد رمقهم وتشبعهم. ولعل الواقع يشير إلى أن المجتمع الإسلامي يصرف أكثر من خمسة وعشرين بالمائة من ثرواته العينية أو النقدية على الطبقة الفقيرة، في سبيل رفعها إلى مستوى الطبقة الاجتماعية الواحدة التي صممها الإسلام في نظامه الاجتماعي. وهذا الوارد الضخم الذي يخرج من جيب الطبقة الغنية ليدخل في دخل الطبقة الفقيرة يساهم مساهمة عظيمة في تضييق الفوارق الطبقية بين الأفراد حتى يمحوها محواً من الخارطة الاجتماعية، ويضع بدلها نظاماً إنسانيا عادلاً مؤلفاً من طبقة موحدة مختلفة الدرجات، بينما يصرف النظام الرأسمالي الأميركي مثلاً اثنين بالمائة فقط من وارداته على الفقراء كإعانات غذائية لإشباعهم، أو صحية لمنع تفشي الأمراض بينهم14”.

ويوضح البدراني انه “بالإجمال، فان الإسلام عالج مشكلة الفقر بالخطوات التالية:

أولاً: أمر بفرض ضريبة ثابتة على أموال الأغنياء: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ… وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾19، ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾20، ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾21.

ثانياً: أعطى الفقراء حد كفايتهم من الناحية المعيشية مما وفر لهم فرصاً حقيقية لإلحاقهم بالطبقة المتوسطة: ﴿وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ﴾22، ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾23، ولا يتحقق الإطعام إلا بتحقق الإشباع والاكتفاء.

ثالثاً: حث على الإنفاق المندوب، وشجع على السخاء والكرم في العطاء، وخاطبهم بأنكم: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾24، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ﴾25، ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾26.

رابعاً: أمر بتحريك المال الصامت لتنشيط الطاقات والإبداعات المختلفة في النظام الاجتماعي، وهدد بمعاقبة أولئك الذين يخالفون هذا النظام المالي الدقيق: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ…﴾27″.

في النهاية نقول مثلما كانت الطبقة الوسطى وليدة الدولة العراقية الحديثة فان انحلال هذه الطبقة كان إيذانا بانحلال الدولة العراقية وتشظى المجتمع الى أثنيات وطوائف وحتى عشائر خلافا لما أسهمت به الطبقة الوسطى وخصوصا نخبتها من دور تاريخي في دمج الهويات الأثنية والطائفية في إطار هوية عراقية حاضنة لمشروع وطني كاد إن يصل بالعراق الى مستوى من الرفاه والتطور يضاهي مستويات دول جنوب أوربا بحسب تقييم الخبراء الدوليين.

تعتبر الطبقة الوسطى في أي بلد في العالم بمثابة صمام أمان اجتماعي، ما يفرض على الحكومات الاستمرار في تبني الأعمال والأفكار الإصلاحية والإنمائية وفق مشاريع محورها الطبقات الوسطى ورفع مستوى الطبقات الفقيرة لكي يتحقق الأمن والرفاه والاستقرار المجتمعي، وإلا فإن الأوضاع الأمنية والاجتماعية ستكون غير مطمئنة وقابلة للانفجار.

من المعلوم أنه في حال تآكل الطبقة الوسطى ستصبح الأحوال المدنية خطرة والجريمة كبيرة، فمن دون هذه الطبقة لا يمكن للمجتمعات النهوض وفق هيكل اجتماعي حضاري تقدمي.

هناك أهمية بالغة للطبقات الوسطى، ففي العراق كثرة الحروب أرهقت الحال الاقتصادي للبلد وعملته النقدية، واستمرار تآكل هذه الطبقة سيجعل شعب أي بلد يغامر ويقامر بحياته من أجل العيش ولو ارتكب أنواع الجرائم في سبيل الكسب وتجاوز الفقر والعوز.

الطبقة البورجوازية في الغالب مشغولة بجمع ثرواتها وزيادة أرباحها و”سمسرة” الاقتصاد لمصلحتها على حساب جيوب غيرها. أما الطبقة الدنيا والمتردية اقتصادياً، فتكاد تنحصر همومها اليومية في تأمين لقمة عيشها لاستمرار حياتها، مما يبعدها عن التفكير بهموم الوطن الوسطى والكبيرة.

يتوجب على مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية تقديم خطط عملية تتوافق مع المرحلة الراهنة، والمسارعة إلى العمل سوياً لوقف تآكل الطبقة الوسطى، وفق برامج مؤثرة تعيد بناء المجتمعات وفق سياسة اقتصادية متوازنة تتمكن من ترميم “التلفيات” وتقلص “الفوارق الطبقية” بما يساعد على تكوين قاعدة أساس صلبة للمجتمع. بحسب ما قله جميل الذيابي في معهد الامام الشيرازي الدولي للدراسات- واشنطن.

ولعل أبرز دور تضطلع به هذه الطبقة شرقا وغربا هو حفاظها ودفاعها عن القيّم والسلوك، حيث تتصرف في كثير من الأحيان كما تتصرف كريات الدم البيضاء في الجسم عندما تكتشف خطرا يحاول الفتك به فتطوقه وتحاربه حتى تقضي عليه، لهذا تحرص دول العالم قاطبة على رعاية هذه الطبقة الاجتماعية وحمايتها بل وإغداق الامتيازات والمغريات عليها لاستقطابها لأنها ليست مجرد مصدر للإبداع والتجديد بل المحرك الذي لن يقدر أي بلد من النهوض والازدهار من دونه. بحسب قول الدكتور نبيل احمد الامير.

من الواجب على المشرع والمخطط العراقي الالتفات الى بناء اقتصادي وتعليمي وفق اسس علمية تعتمد على الابتعاد عن الاقتصاد الريعي ودعم القطاع الخاص بالتوازي مع بناء قطاع عام قوي ومختلط نشط، بالإضافة الى تأسيس بنية تربوية وعلمية تكون مخرجاتها قادرة على اختصار الفوارق بين طبقات المجتمع وقيادته نحو البناء والتقدم.

المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية

تلاشي الطبقة المتوسطة مقابل هيمنة الاغنياء