اجتماع أوبك وأتجاه الصدمة القادمة
الكاتب / د. حيدر حسين آل طعمة
لم تنجح سياسة حرية الاسواق التي تم اعتمادها من لدن منظمة اوبك منذ انهيار اسعار النفط في يونيو / حزيران 2014 في ازاحة النفط الصخري وابتلاع تخمة المعروض وإنعاش اسعار النفط لمستويات 80 دولار للبرميل، كما توقعت المنظمة، رغم مرور أكثر من عامين على الصدمة.
تفاقم العجوزات المالية وانحسار معدلات النمو والاضطراب المالي لأسواق الخليج دفع وزراء النفط في دول اوبك الى عقد اجتماع استثنائي في الجزائر نهاية سبتمبر/ايلول الماضي لتسريع إعادة التوازن بين مستويات العرض والطلب في الأسواق النفطية. وقد تم الاتفاق على خفض إنتاج المنظمة إلى حدود 32.5-33 مليون برميل يومياً. وتشير بيانات الشركات التي تراقب عمليات الشحن والإنتاج إلى أن إنتاج أوبك في الشهر الماضي بلغ 33.6 مليون برميل يوميا.
وهذا يعني أن ما يجب تخفيضه وفق الاتفاق هو 600 ألف برميل يوميا على الأقل، و1.1 مليون برميل يوميا على الأكثر. بيد ان منظمة أوبك أجّلت اتخاذ القرارات المحدِّدة لإنتاج كل دولة، وشكلت لجنة لصياغة الاتفاق وعرضه خلال الاجتماع الدوري للمنظمة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في فيينا لاعتماده بشكل نهائي.
تثبيت (او تقليص) مستويات الانتاج النفطي للدول النفطية من داخل وخارج اوبك قد يحد من تدهور الاسعار الى مستويات قياسية جديدة، ويبعث اشارات طيبة لسوق النفط العالمية بضبط الامدادات المستقبلية وبشكل منظم، املاً في دفع الاسعار نحو التعافي والوصول الى سعر توازني معقول لبرميل النفط. مع ذلك تثار عدة قضايا حول الاتفاق المذكور، اهمها امكانية اتفاق الفرقاء وجدية التزام كافة الاطراف بسقوف الانتاج المثبتة اذا ما تم الاتفاق، ومدى استجابة الاسواق النفطية والاسعار لمستويات التثبيت المتفق عليها.
التعافي المرتقب
شهدت اسواق النفط الدولية تحسنا ملحوظا منذ شروع كبار النفط برسم الخطوط العريضة لاتفاق الجزائر النفطي، والقاضي بتجميد مستويات الانتاج عند مستوياتها الحالية، وقد ترشح عن تفاعل الاسواق مع اتفاق تثبيت الانتاج المزمع في فيينا (مقر أوبك) الاسبوع المقبل حزمة من الاشارات الدافعة للأسعار لعل ابرزها:
1- بدء المفاوضات بين كبار منتجي النفط الخام في العالم، من داخل وخارج اوبك، خطوة طويلة للوصول الى تفاهم جيواستراتيجي بين كبار النفط (المملكة العربية السعودية وروسيا تحديدا)، ومن شأن ذلك ان يهدأ على الاقل من الاضطراب السعري الذي تشهده الاسواق النفطية منذ شهور ويعجل من توازن الاسواق عند السعر العادل للنفط.
2- استعداد روسيا وعدد من البلدان النفطية من خارج اوبك للانضمام إلى اتفاق تثبيت الانتاج والحد من التخمة المتزايدة في المعروض لأجل انعاش الأسعار قد يزيد من صدقية الاتفاق وتأثيره في اسواق النفط العالمية.
3- ضبط سقوف الانتاج عند مستويات محددة عنصر جوهري في وقف اغراق السوق النفطية، ونقطة تحول في ديناميكيات العرض والطلب باتجاه ابتلاع التخمة النفطية. خصوصاً مع استمرار عدد من المنتجين بتحدي ديناميكيات السوق عبر تعزيز الطاقات الانتاجية ومنح الحسومات رغم الهبوط الحاد للأسعار.
4- من المؤمل ان يمهد اتفاق فيينا النفطي لسلسلة من اللقاءات والمفاوضات بين مختلف الاطراف لأجل تنضيج سياسات طاقة جديدة وقابلة للتطبيق وباعتماد آليات محكمة تعيد القوة الاحتكارية لمنتجي النفط الخام في مختلف بلدان العالم.
مصادر الاخفاق
لم يخفي خبراء النفط والطاقة خشيتهم من اخفاق اوبك في تثبيت او تقليص مستويات الانتاجية نظرا للانقسام الحاصل بين المحور السعودي والمحور الايراني داخل المنظمة، مما يزيد من اضطراب السوق النفطية ويهدد بانهيار جديد للأسعار. وفي هذا السياق يمكن رصد جملة من المخاطر التي تحيق باجتماع فيينا القادم وتقلص فرص خروج الاعضاء باتفاق نفطي موحد يكبح جماح الانتاج ويدعم مستويات الاسعار الجارية، لعل اهمها:
1- يفصح تاريخ منظمة اوبك عن صعوبة قرارات تقليص وتحديد مستويات الانتاج، مما يبرز عدد كبير من الاسئلة الصعبة، ما هو معدل التخفيض الاجمالي للمنظمة؟ وهل سيكون على اساس نسبة واحدة للجميع ام سيسري فقط على كبار المنتجين؟ وهل تلبي المنظمة دعوات استثناء العراق وإيران وليبيا ونيجيريا من التخفيض المزمع نظرا لتراجع طاقتها الانتاجية نتيجة الحروب والعقوبات الدولية؟
2- تساور اسواق النفط العالمية شكوكاً عدة حول مصداقية الارقام المعلنة عن مستويات الانتاج لكل دولة، اذ تحاول العديد من الدول النفطية تثبيت ارقام انتاج قياسية لضمان سقوف انتاج آمنة. وقد يفسر السوق النفطي ذلك على انه تخمة اضافية للمعروض الحالي.
3- قد يعيق الخزين التجاري النفطي العالمي تحقيق النتائج المرجوة من اجتماع فيينا النفطي نظراً لبلوغه مستويات قياسية، فقد بلغ قرابة 4446 مليون برميل في نهاية الفصل الثاني من العام الجاري. وسيبقى هذا المستوى القياسي ضاغطاً على مستويات الأسعار نظرا لإمكانية اللجوء الى هذا الخزين لتعويض اي نقص في امدادات النفط صوب السوق النفطية مما يترك انطباعا لدى الاسواق بعدم حصول تغيرات اساسية في موازين العرض والطلب العالمي في الامد المنظور.
4- رغم التحسن النسبي الذي قد يخلفه تثبيت مستويات الانتاج الحالية على اسعار النفط، الا ان الاسواق قد تشهد تذبذباً ناجماً عن ارتفاع حدة المضاربات المترتبة على نتائج المفاوضات بين المصدرين من داخل وخارج اوبك حول الحصص الانتاجية ومدى التزام مختلف الاطراف بمستويات الانتاج التي يتم الاتفاق عليها.
5- تجميد انتاج النفط الخام قرب مستويات تاريخية مرتفعة لن يغير كثيراً من موازين العرض والطلب في الوقت الراهن، فقد حقق انتاج روسيا، على سبيل المثال، مستويات قياسية مسجلاً ذروة جديدة في حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي فاقت 11 مليون برميل يوميا.
6- تقف إيران عقبة في وجه أول اتفاق نفطي (منذ 15 عاما) بين المنتجين داخل أوبك وخارجها، فعلى الرغم من تأييد ايران لخطة تجميد الانتاج النفطي الا انها تعارض بشدة الانخراط في الاتفاق الجديد، خصوصاً مع جهودها الرامية الى تطوير وانعاش القطاع النفطي املاً في استعادة حصتها السوقية المفقودة منذ سنوات (4.2 برميل يوميا) بعد رفع العقوبات عنها مؤخراً.
7- هناك شرخ عميق في الثقة داخل أوبك اليوم بسبب التوترات السعودية الإيرانية والاختلافات الحادة حول قضايا الشرق الاوسط، الملف السوري تحديداً، تضعف امكانية نجاح الاجتماع المقبل لأوبك، خصوصاً مع تضارب المصالح السياسية والامنية بين بلدان المنظمة.
الفجر الكاذب
قد تشهد الاسواق النفطية فصلاً جديدا من التذبذب والاضطراب السعري، ولكن هذه المرة لن يكون لتخمة الانتاج وتباطؤ الاقتصاد العالمي الدور المعتاد، وانما مفاوضات التنسيق المحتملة من لدن البلدان الرئيسة المنتجة للنفط قد تعمل على تغذية تقلب أسعار النفط واثارة الرغبة في ركوب موجة المضاربة. وقد وصفت وكالة الطاقة الدولية تعليق الآمال على اتفاق تجميد الإنتاج ليس إلا تخمينا أو مضاربة حول تخفيض مرتقب في الإنتاج، وان توقع تعافي الأسعار فجرا كاذبا.
ويبدو ان الطريق وعرة امام الفرقاء في الخروج بصيغة نهائية لاتفاق طال انتظاره، وتتعقد الأمور أيضاً بسبب الخلافات «الفنية». فما هي الأرقام الحقيقية لإنتاج كل دولة، وما هي طاقتها الإنتاجية الإضافية المتوافرة؟ وهل لدى منظمة اوبك القدرة على تحويل تفاهمات الجزائر المبدئية الى اتفاق نافذ في اجتماع فيينا؟ تتأرجح اسعار النفط في الوقت الراهن حول الاجابة المتوقعة.
ان اخفاق اوبك في تثبيت مستويات الانتاج لن يخلف صدمة لأسواق النفط فحسب، وانما سيمتد التأثير الى صدقية ودور المنظمة في اسواق النفط الدولية وفقدانها البريق التاريخي المكتسب كقوة احتكارية متحكمة بإمدادات واسعار النفط العالمية.
المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية
مرتبط