سمك الحضارات لاتقاس بسمك دفاتر الصكوك
في مقالات 1 4 ديسمبر, 2016 2 زيارة
انتهى اليوم في ابو ظبي مؤتمر دولي تحت رعاية دولة الامارات العربية وفرنسا لحماية التراث الثقافي المهدد في العالم بفعل النزاعات المسلحة والارهاب، خاصة في سوريا العراق.
بطبيعة الحال، لقاءات كهذه تعتبر مهمة في وقت تتعرض فيه اثار وتراث العديد من الشعوب الى تدمير منظم ولتهريب ممنهج، تديرها شبكات محلية وعالمية، بعض ابطالها يقيمون في الغرب، عليه، ليس هناك من منصف يمكنه التقليل من هكذا لقاءات دولية، في وقت نحن احوج ما نكون فيه للقدرات والكفاءات والتنسيق على المستوى الدولي، وانشاء صندوق للمساعدة والترميم وايضا اعداد خبراء وتقنيين من البلدان المتضررة.
في المقابل، لا يمنع ذلك من ابداء بعض التحفظات الجادة :
– رغم الجهود التي بذلتها الامارات العربية المتحدة وفرنسا، الا ان البلدين يصنفان ضمن اجنحة الصراع في منطقة الشرق الاوسط، خاصة في اليمن ونسبيا في العراق وسوريا (رغم ادانتنا الشديدة للنظام القمعي في دمشق).
– الاهم، من ناحية حماية الآثار والتراث، هو مكافحة شبكات التهريب، واغلبها تتواجد في الغرب والخليج ولبنان وقبرص وتركيا، الخ، هذا لا يعني عدم وجود تواطئ داخل العراق وسوريا وليبيا واليمن وافغانستان، ومناطق اخرى، من دون سراق وجهات مقتنية للآثار لا وجود للتهريب، نعلم بأن ما تتعرض له العديد من المواقع الآثارية العراقية هي حقيقة جريمة (لا اعني بذلك حصرا تلك الواقعة تحت هيمنة داعش، فالعديد من المواقع الآثارية العراقية في الوسط والجنوب تتعرض الى تدمير منظم دون قدرة الجهات الرسمية على ايقاف هذا النزيف).
– كان مهما من الناحية الرمزية والقانونية والسياسية والانسانية والحضارية ان يعقد مؤتمر كهذا في بغداد، او بابل أو اور، مدينة النبي ابراهيم حسب السرديات الدينية.
– إن كنا (كمواطنين وباحثين وعراقيين) نرحب بفكرة انشاء صندوق دولي لحماية الآثار المهددة وتدريب الكوادر، لكننا نبدي اشد انواع التحفظ على صناعة الافلام ثلاثية الابعاد دون موافقة مسبقة من البلد المعني اولا، وضمان حقوقه لاحقا ومساهمة مؤسساته الاعلامية في صناعة هكذا مشاريع ثالثا.
– اطلاق مشروع دولي لانقاذا المواقع الأثرية المهددة يقتضي ان تكون الجهات الداعية له نقية من كل سرقة للآثار والارث الرافدي والشرق الاوسطي والعالمي، وهذا ما لا يمكن اثباته حينما يتعلق الامر بالاطراف الاساسية المنظمة للقاء، يكفي زيارة المتحاف الاوربية لرؤية آلاف القطع المنهوبة على مدى عشرات العقود، فكيف يمكن عندها الاطمئنان على تأمين المزيد (سلم البزون شحمة كما يقول المثل العراقي) ؟ قول ذلك لا يعني ارجاع ما تم نهبه، بل الاشارة تعليميا للاجيال القادمة الى انها جاءت عبر عمليات سطو تاريخية وانها (كلقى حضارية) تعتبر اليوم ملك انساني عام وليس غنائم المنتصرين.
– ما هو محيير هو التالي: لماذا لم يفرد لاثار اليمن وقت ضمن اعمال المؤتمر، سيما وانها تتعرض الى قصف يومي، بمن فيهم من قبل قوات الدولة المضيفة للقاء (نقول ذلك هذا دون تبرير سياسة وتجاوزات الحوثيين)؟
– لم يشارك وفد رسمي عراقي في أعمال المؤتمر، الا رئيس الاساقفة العراقيين، ابونا ساكو، وذلك بدعوة خاصة من الخارجية الفرنسية،
– نقطة اخيرة وربما الاهم: جلّ الآثاريين الجادين في العراق والمنطقة والعالم يعارضون فكرة نقل الآثار الى بلدان اخرى، سيما في ظل ضعف المصداقية والثقة بالبلدان الراعية لهكذا لقاءات.
كان يمكن لمؤتمر ابو ظبي ان يؤدي دوره ان تم التنسيق مع البلدان المعنية اولا للحفاظ ليس فقط على ماضيها الحضاري بل وكذلك مستقبلها المجتمعي.
الكاتب / هشام داود