موت جديد يلاحق النازحين
على اصوات الرعد والصواعق وهطول الامطار تستيقظ ام لأربعة اطفال ايتام، مرعوبة فزعة خوفا عليهم من أن يصعقوا او يبللهم ماء المطر المنهمر على سقف الخيمة البالية، والمتهرئة بسبب حرارة فصل الصيف الماضي.
جاء فصل الشتاء ليكمل ما بقي سالما من هذه الخيمة، هكذا حال هذه الام التي تنام ليلا على السؤال المتكرر لأولادها عن والدهم، ثم تستيقظ بعد ذلك مذعورة فزعة خوفا عليهم، من الموت الذي بات يهدد حياتهم حيث الجوع والامراض والبيئة التي تضج بالموت وأسبابه.
وهكذا هو حال اغلب النازحين، الذين نزحوا من مناطق كانت آمنة وبيوت تقيهم من حر وبرد، قبل أن تهجم عليهم عصابات الموت والكراهية، عصابات وزمر داعش الارهابي، والآن يتذكر النازحون، اطفالا وكبارا، أيامهم الماضية، وسعادتهم البسيطة، وأمنهم، بعبرات وحسرات حارقة، بعد أن يئسوا من العودة الى ديارهم التي أصبحت بعد جولات القتال المستمر خراب في خراب، حتى بعد تحريرها، فالجميع يعرف أنه لا توجد أموال لاعادة مساكنهم للحياة!.
ولعل مشكلة النازحين في تزايد مستمر، فقد بلغ عددهم من 2-1 مليون نسمة، وبعض الارقام تذهب الى اكثر من ذلك، حيث وصل رقم النازحين قرابة 3 مليون حسب بعض التقارير، وكل هؤلاء نزحوا من ديارهم في مواجهات عنف متتالية لطرد عصابات داعش الارهابية من مناطقهم من خلال القوات العراقية البطلة والحشد الشعبي، وبسبب هذه المعارك الطاحنة، هرب النازحون من شبح الموت الذي راح يهددهم ويهدد اطفالهم.
ولكن بعد الهروب والنزوح والاقامة في المخيمات، جاء الموت من جديد ليهدد اطفالهم في هذه الأماكن التي لا تصلح للسكن، لأسباب صحية بالدرجة الاولى، ومناخية حيث لا تقيهم من حر ولا برد، ومع نقص الغذاء والدواء والتدفئة، يقضي النازحون العام 2016 ليستقبلوا عام 2017 الذي يعد الاقسى على النازحين بسبب انعدام المساعدات لهم.
وقد حذرت منظمات انسانية من شتاء قارس وقاس قد يقضيه النازحون في هذا الفضل، مع انعدام المساعدات المحلية والخارجية ايضا، في ظل لا مبالاة المسؤولين، حيث تزداد معاناة النازحين الذين يسكنون المخيمات المتهرئة، وبعض هياكل الدوائر الرسمية مثل المدارس القديمة، وبعض البنايات القديمة والكرفانات الخشبية التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة، فالكثير من العائلات النازحة لا يمتلكون المدافئ ولا يتوفر لهم الغاز والنفط الابيض والماء والكهرباء.
وتزداد مخاوف النازحين مع حلول عام 2017 على اطفالهم خلال فصل الشتاء، لاسيما في المجال الصحي، اذ هناك فرص كبيرة لانتشار الامراض السارية والمعدية، خاصة في غياب العناية الصحية ونقص المساعدات الطبية والغذائية ومواد التنظيف على نحو عام.
جولة صحفية استطلعت فيها بعض آراء النازحين الخاصة بمعاناتهم وظروفهم، وعن اهتمام الجهات المعنية بهم، وأوضاعهم الصحية والخدمية، فقد ذهبنا الى عدد من النازحين الذين يسكنون في حسينيات وبنيات ومجمعات خاصة بالنازحين تقع على الطريق الرابط بين محافظتي النجف و كربلاء، وخرجنا بهذه الحصيلة من الشكاوى والآراء التي نضعها بدورنا امام المسؤولين وجميع المعنيين انسانيا ورسميا واخلاقيا عن أوضاع النازحين في البلاد:
• ام فاطمة هي وزوجها ولهما ثلاثة اطفال، اكبرهم لا يتجاوز السنة السابعة، أما الأصغر فهو حديث الولادة، أم فاطمة تسكن هي وعائلتها في كرفان ويشاركها فيه باقي اقاربها، المكونين من 29نسمة، ويعد الكرفان قاعة تقتسم مساحتها هذه العائلات من خلال قطعها الى غرف صغيرة باستخدام قماش (الشراشف) البالية، حيث تكون هذه المساحات الصغيرة مفتوحة على بعضها، فلا خصوصية لأحد في هذا المكان، ولعل الجانب الأخطر في هذا المجال، اختلاط الاطفال مع بعضهم وانتقال الامراض فيما بينهم بسرعة كبيرة يستحيل السيطرة عليها.
تضيف أم فاطمة قائلة: انا قلقة جدا على اطفالي من انتشار الامراض، لان المكان مزدحم جدا، ومفتوح من جميع جهاته، اذ يستحيل تحقيق العزلة العائلية المطلوبة لحماية الاطفال من الامراض المعدية والسارية، لأنه عندما يصاب احدهم بمرض ما فإن العدوى تنتقل للباقين بصورة سريعة جدا.
وتحدثت أم فاطمة بجزع عن قلة الماء الذي يصل اليهم بـ (التناكر)، فهو ماء مخصص للغسيل وتنظيف الاواني ولكن هناك شحة وبؤس ونقص كبير، كذلك شرحت معاناتهم من انقطاع التيار الكهربائي المستمر ونقص الطاقة خصوصا في هذه الاجواء الشديدة البرد.
وفي نهاية كلامها تقول أم فاطمة، أطالب الحكومة ومنظمات حقوق الانسان ومنظمات الاغاثة المعنية بشؤون النازحين، بأن تهتم لأمرنا ولو قليلا.
• أما أم علي فهي الاخرى نازحة مع أطفالها الصغار من محافظة ديالى، وهي تسكن في نفس الكرفان الذي تقيم به أم فاطمة التي سبق عنها الحديث قبل قليل، ولكن ما شد انتباهنا اليها انها تضع صغيرها في حجرها، ومع شدة البرد ورطوبة المكان إلا انها بين مدة واخرى تبلل خرقة قماش بالماء وتضعها على جبينه، وعند سؤالي عن احوالهم في هذا المكان أجابت:
كأن الشتاء في هذه السنة اتفق مع الحكومة علينا، فالبرد شديد وليس لنا معيل في هذه الدنيا العصيبة، فقد استشهد زوجي في الاحداث الاخيرة وبقينا بلا معيل يعيلنا او يقوم بواجباتنا، وكما ترين بعينك هذا صغيري مصاب بنزلة برد منذ ايام واسابيع وهو يشكو الحمى من قلة الملابس وشدة البرد وعدم الاهتمام بنا.
• وقالت ام محمد وهي نازحة من محافظة الموصل، وتسكن في مبنى قديم في محافظة كربلاء المقدسة، وعندما سألناها عن احوالهم اجابت:
إن ولدي الكبير ترك الدراسة بعد ان اكمل الثاني متوسط ليعمل كي يعيلنا، لأن والده الآن في صفوف الحشد الشعبي لتحرير مناطقنا واستعادة بيوتنا وأمننا، وهذه بالنسبة لي معاناة كبيرة، حيث المرض يخيم على طفلي، وبصراحة البرد قارس والخدمات رديئة والاهتمام الصحي بالنازحين ليس كما يجب.
الآن في نهاية رحلتنا هذه ونهاية كلامنا وجولتنا، نضع هذه الآراء التي تتفق عليها النسبة الأكبر من النازحين، خصوصا في الشأن الصحي والطاقة والبرد، فنرجو من الحكومة ومنظمات حقوق الانسان ان تهتم لأمر النازحين الذين لا يطالبون بالكثير، إنهم يريدون حقهم في الحياة فقط، من خلال توفير الغذاء والدواء لهم.
ولدينا بعض التوجيهات والتذكير للأمهات الآمنات المطمئنات حيث أطلب من منهن عندما يجلسن حول المدفئة في مكان دافئ وآمن ويحكين لصغارهن حكايات، ان يحكين عن معاناة اطفال النازحين في برد الشتاء القارس….
واخيرا تحدثت لنا الدكتورة (اكرام عذاب) من مستشفى الحسين في كربلاء المقدسة، عن احوال النازحين قائلة: ان الكثير من المراجعين للمستشفى هم اطفال ومسنين من النازحين حيث يشكون من عدة امراض منها مرض الانفلونزا والربو…. وهذه امراض واسعة الانتشار، وغالبا ما تحدث بسبب موجات البرد التي يشهدها العراق في هذه السنة على نحو غير مسبوق، لذلك لابد من الحذر الشديد خاصة بالنسبة لاختلاط الاطفال مع بعضهم، وكذلك التقليل من الخروج الى البرد بالاطفال، ولابد من حمايتهم في جو دافئ ليلا ونهارا، حتى يزول الخطر وتزداد درجة الحرارة والدفء، متمنين السلامة للجميع، فتطبيق مثل هذه التوصيات تقلل من الامراض الى حد كبير وتقلل من عبء المعاناة على النازحين متمنين لهم عودة سريعة الى ديارهم الآمنة ان شاء الله.
الكاتب / مروة خالد
المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية
مرتبط