اخبار العراق الان

الحمائية التجارية .. مذهب اقتصادي لحماية الصناعة الوطنية

الحمائية التجارية .. مذهب اقتصادي لحماية الصناعة الوطنية
الحمائية التجارية .. مذهب اقتصادي لحماية الصناعة الوطنية

2016-12-20 00:00:00 - المصدر: NEN عراق


الكاتب / دلال العكيلي

الحِمائية هي السياسة الاقتصادية لتقييد التجارة بين الدول، من خلال طرق مثل رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، وتحديد كمياتها، والحصص التقييدية، ومجموعة متنوعة من غيرها من الأنظمة الحكومية المقيدة التي تهدف إلى تثبيط الواردات، ومنع الاجانب من الاستيلاء على الأسواق المحلية والشركات هذه السياسة هو تحالف وثيق مع المناهضة للعولمة، ويتناقض مع حرية التجارة، حيث الحواجز أمام التجارة والحكومة إلى أدنى حد.

مصطلح يستخدم غالبا في سياق الاقتصاد، حيث يشير إلى السياسات الجمركية (حمائية) حماية أصحاب الأعمال والعمال في بلد ما عن طريق تقييد أو تنظيم التجارة مع الدول الأجنبية وهي تهدف إلى حماية السوق الداخلية من المنافسة الخارجية، وتشجع على استهلاك المنتوجات المحلية.

السياسة الحمائية ومبرراتها

إن الدولة الكبيرة التي تكونت من القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر كانت جميعها تتبع نظام الحماية، إذ كانت تحاول جهدها باتباعها سياسة الربح التجاري أن تكدس المعادن الثمينة الناتجة عن فائض الصادرات على الواردات، وفي القرن التاسع عشر، انظمت بريطانيا إلى تعاليم الاقتصاديين الأحرار في حين توطد نظام الحماية في الدول الحديثة (الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، كندا( وخلال النصف الأول من القرن العشرين 20، انتشر نظام الحماية في كل مكان ولاسيما خلال الانهيار الاقتصادي الكبير الذي جرى في الثلاثينات، وبعد الحرب العالمية الثانية بذلت الدول المتقدمة صناعيا جهودا مشتركة للحد من عقبات التجارة الدولية، وكان ذلك بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الاتفاق العام حول التعريفات الجمركية والتجارة المعروفة بـ”GATT”.

مبررات مبدأ حماية التجارة الخارجية:

أ-حماية الصناعة الوطنية: تقترح الحماية للصناعات الناشئة على أساس أنها لن تستطيع منافسة الصناعات الأجنبية التي تنتج سلعا مماثلة، بسبب ظروف نشأتها ونموها في المرحلة الأولى، ويكون ذلك عن طريق حمايتها جمركيا خاصة للصناعات التي تتوافر لقيامها عوامل النجاح.

ب-تنويع الإنتاج الصناعي: ضرورة تسخير السياسة الجمركية في إقامة عدد كبير من الصناعات بحجة جعل الاقتصاد الوطني متوازنا ووقايته من حالة الكساد التي قد تحدث في الصناعة الواحدة أو الصناعات القليلة التي تتخصص فيها الدول في حالة الأخذ بسياسة حرية التجارة.

ج-تقييد التجارة من أجل مستوى التوظيف: إن الرسوم الجمركية العالية تقلل الواردات وتشجع بذلك على توسع الصناعات الداخلية ويكون الأثر المباشر لذلك استيعاب الأعداد المتعطلة من العمال، بالإضافة إلى تشغيل الموارد الاقتصادية الأخرى.

د-للحماية دور في توفير عدالة توزيع الدخل القومي: عندما نحمي أنشطة اقتصادية تعتمد على عنصر العمل بنسبة مرتفعة فإنها تزيد من نصيب القوى العاملة في الناتج القومي.

ه-الرسوم الجمركية كوسيلة لمكافحة الإغراق: إذ كثيرا ما تلجأ بعض الدول إلى بيع منتجاتها في الأسواق الخارجية بسعر يقل عن سعر بيعها في الأسواق الداخلية وقد يصل التمييز في الأسعار إلى حد البيع في الخارج بسعر يقل عن سعر التكاليف الإنتاج وتعرف هذه السياسة باسم “سياسة الإغراق” وتستعمل بغرض غزو الأسواق الخارجية وتعتبر نوعا من التمييز الاحتكاري لهذا فإن الدولة تلجأ دائما إلى حماية صناعتها الوطنية من أثر سياسة الإغراق.

و-الحماية لعلاج العجز في ميزان المدفوعات: ويتم ذلك عن طريق فرض الرسوم الجمركية المرتفعة على الواردات من السلع الكمالية والتخفيف منها أو إلغائها على الواردات من السلع الإنتاجية وبذلك تقل الواردات فيقل الطلب على العملة الأجنبية.

ز-الأمن الوطني: إن التخصص في الصناعة ينطوي على خطر في حالة نشوب حرب وهذا ما يفرض على البلدان الاحتفاظ ببعض القدرات الإنتاجية لتلك المنتجات التي تسمح لها في حالة وقوع نزاع مع الخارج بنوع من الاكتفاء الذاتي حتى تستطيع حماية استقلالها.

ح-الاستقرار الاقتصادي: لقد أخذت الحكومات على عاتقها تلبية ما يمكن تلبيته من رغبات المواطنين، فوجدت أنه ينبغي لها قبل أن تسعى لتحقيق التقدم الاقتصادي وتنمية دخلها القومي أن تضمن استقرار الأحوال والظروف الاقتصادية ممثلة في الأسعار والدخل والإنتاج وغير ذلك من الكميات الاقتصادية ليصبح بعد ذلك الطريق سهلا معبدا أمام تحقيق التقدم الاقتصادي.

سياسة الحرية ومبرراتها

يلاحظ لدى المفكرين الاقتصاديين التقليديين أنهم ساهموا في انتصار مبدأ “دعه يعمل دعه يمر” على المستوى الدولي وأكدوا من الناحية النظرية أن التبادل الحر يشكل أحسن وضع بالنسبة للعالم إن أنصار سياسة الحرية يعارضون التدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية، ويؤكدون على أهمية المنافسة الحرة، ويطالبون بعدم استخدام الإجراءات الجمركية للتمييز في المعاملة مع الدول المتخلفة ويرتكزون على الحجج التالية:

مبررات مبدأ حرية التجارة الخارجية:

أ-تتيح حرية التجارة فرصة التخصص وتقسيم العمل الدولي على أساس اختلاف النفقات النسبية، ويعود هذا بالمنفعة على المستهلك باقتنائه لأحسن النوعيات وبأقل الأسعار وعلى المنتج توسيع فروع إنتاجه التي تتوفر فيها أسباب التفوق.

ب -إن التجارة الدولية الحرة في ظل ظروف معينة، تصبح بديلا كاملا للتنقل الكامل لعناصر الإنتاج.

ت -تعمل على خلق جوا تنافسيا دوليا، مما يؤدي إلى انخفاض تكلفة الإنتاج من جهة وصعوبة قيام الاحتكارات الدولية من جهة أخرى.

ث -تؤدي إلى توسيع نطاق السوق، والإنتاج ووصول المشروعات الإنتاجية إلى الحجم الأمثل لها والانتفاع من مزايا الإنتاج الكبير.

ج – تشجيع التقدم التقني.

ح – الحماية تؤدي إلى إفقار الغير.

أدوات السياسات التجارية (القيود الجمركية)

1-مصدرها: قوانين أو مراسيم تصدرها عادة السلطة التنفيذية وأحيانا السلطة التشريعية.

2-أغراضها: غرض مالي: الحصول على موارد مالية لخزينة الدولة.

– غرض اقتصادي غير مالي: حماية صناعة معينة، التأثير على حجم الصادرات أو الواردات أو على سعرهما أو على توزيعهما الجغرافي.

3-محل تطبيق القيود الجمركية: السلع أو الخدمات بجميع أشكالها ومراحل إنتاجها.

4 – مكان تطبيق القيود الجمركية: تطبق عند اجتياز السلعة أو الخدمة لحدود الدولة دخولا أو خروجا.

5 -أنواع القيود الجمركية: قيود تعريفية وقيود غير تعريفية.

القيود الجمركية التعريفية

التعريفة الجمركية: هي الرسوم الواجبة الدفع أو الضريبة المقدرة على السلعة عند اجتيازها لحدود الدولة دخولا أو خروجا وتنقسم إلى:

أ‌-من حيث وجهها القانوني: تعريفة ذاتية أو مستقلة، تعريفة اتفاقية.

ب‌-من حيث الأطراف الواضعة لها: منفردة، مزدوجة، تعريفة متعددة.

ت‌-من حيث الظروف التي تستلزمها: تعريفة القصاص أو الثأر، الرسوم التعويضية(وقائية)، تعريفة الأفضلية.

القيود الجمركية غير التعريفية

القيود الجمركية غير التعريفية: مكملة للنوع الأول هدفها حماية الاقتصاد والمستهلك الوطني من المؤثرات السلعية الخارجية وتنقسم إلى:

أ‌-القيود غير التعريفية النقدية أو السعرية: وتشمل:

– الإعانات (إعانات تصدير أو إعانات استيراد) وقد تكون مباشرة أو غير مباشرة.

– تخفيض سعر الصرف.

– الإغراق.

ب‌-القيود غير التعريفية الكمية: وتشمل:

– الحضر أو المنع (كلي أو جزئي).

– تراخيص الاستيراد.

– نظام الحصص.

ت‌-القيود غير التعريفية التنظيمية (الإجراءات الإدارية): وتشمل:

– المعاهدات والاتفاقات التجارية.

– اتفاقية الدفع.

– الاتحادات الجمركية.

– المناطق الحرة.

– الحماية الإدارية.

– التكتلات الاقتصادية.

الاتحاد الاوربي يشكو من الحمائية التجارية بين اعضاء مجموعة العشرين

اصدرت المفوضية الاوروبية تقريرا رقابيا اعلنت فيه عدم تحقيق تقدم في تخفيض الحواجز التجارية داخل مجموعة دول العشرين، وادعت ان على هذه الدول القيام بالمزيد للالتزام بتعهداتها المبدئية واستشهد التقرير بعدد 424 اجراء مقيدا للتجارة الحرة اتخذه الشركاء التجاريون للاتحاد الاوربي منذ بدء عملية مراقبة المفوضية في اكتوبر 2008، من بينها 131 إجراء تم تطبيقها خلال الاثني عشر شهرا الماضية، مقابل إلغاء 40 إجراء فقط.

وقال مفوض الاتحاد الاوربي للتجارة كاريل دى جوشت، أن “الحمائية تشكل تهديدا حقيقيا للتعافي الاقتصادي وأشعر بالقلق لرؤية ان الصورة الشاملة لم تتحسن، وانه تم تطبيق المزيد من الاجراءات التجارية المقيدة من جانب شركائنا التجاريين”.

واضاف “ان الاتحاد الاوربي سيواصل من ثم، في المحادثات الثنائية ومتعددة الاطراف، تذكير شركاءه بالالتزام بتعهداتهم بتخفيض الحواجز التجارية”.

وانتهى التقرير الى ان الاجراءات المقيدة زادت بشكل ملموس في بعض الدول، وأن السياسات الصناعية الجديدة لعدد من اعضاء مجموعة العشرين اثارت مخاوف بشأن حرية التجارة والاستثمار، حيث تقوم عادة على بدائل للواردات، ومتطلبات محلية المحتوى، وقيود على المشتريات العامة، التي تتحيز بوضوح ضد الاقتصادات الصاعدة.

كما استشهد التقرير ببعض حالات الحمائية، مثل القرارات التي اتخذتها الارجنتين، والهند، واندونيسيا، والبرازيل كأمثلة للحواجز التجارية ويغطى التقرير 30 من الشركاء التجاريين الرئيسيين للاتحاد الأوروبي، بما فيهم دول مجموعة العشرين.

منظمة التجارة العالمية تحارب الحمائية؟

تقوم منظمة التجارة العالمية بمحاربة النظام الحمائي وفق طرق عديدة فالدول المنتمية إلى عضوية المنظمة تلتزم التقيد بقواعد التجارة التي وضعتها بهدف محاربة السياسة الحمائية ومن وقت لآخر، تحاول هذه الدول التفاوض بشأن زيادة الاتفاقات والأنظمة التي تقلص الحواجز الحمائية القائمة في وجه التجارة حتى إلى حد أكبر وتستخدم الدول نظام تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية من أجل التطبيق القسري لهذه الاتفاقات والأنظمة كما تتأكد من مباشرة الأعضاء الجدد بالالتزام بالتخلص من النظام الحمائي.

تشغل كارلا هيلز منصب رئيسة مجلس الإدارة، والمديرة التنفيذية، لشركة الاستشارات الدولية هيلز آند كومباني، إنترناشنال كونسلتنتس وقد شغلت هيلز منصب الممثل التجاري الأميركي من العام 1989 إلى العام 1993 تقوم منظمة التجارة العالمية بأكثر بكثير من مجرد تنظيم التجارة العالمية فهي تشجع تحرير التجارة وتحارب الحمائية من خلال:

1-المبادئ والأنظمة.

2-جولات المفاوضات التجارية المستمرة.

3-تسوية النزاعات.

4-عملية القبول في المنظمة.

وتجعل هذه العناصر الأربعة مجتمعة منظمةَ التجارة العالمية أنجح المؤسسات المتعددة الأطراف التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية وأعظم دفاع نمتلكه ضد الحمائية.

القوانين التجارية

تقوم منظمة التجارة العالمية بإدارة التجارة اليوم، من خلال صفحاتها الأربعمائة من الاتفاقات التجارية التفصيلية، بما فيها الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة والاتفاقية العامة لتجارة الخدمات علاوة على ما أُلحق بها من 22 ألف صفحة من جداول الالتزامات التي وافقت عليها الدول الأعضاء المائة والخمسين فيها.

عندما تم التوصل إلى الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الغات) في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، أرست هذه الاتفاقية القواعد والمبادئ المختلفة التي ستحكم التجارة الدولية وشكل جوهر هذه الاتفاقية، مبدآن أساسيان يتعلقان بعدم التمييز، هما المعاملة القومية والمعاملة على أساس الدولة الأكثر رعاية (MFN).

تفرض المعاملة القومية على كل دولة عضو في منظمة التجارة العالمية معاملة سلع وخدمات جميع الدول الأخرى الأعضاء في المنظمة بنفس الطريقة التي تعامل بها السلع والخدمات المنتجة محلياً المعاملة على أساس الدولة الأكثر رعاية تعني أنه يتوجب على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية مَنح نفس الأفضليات (مثل التعريفات الجمركية المخفضة) الممنوحة لأي دولة عضو في المنظمة لجميع الدول الأخرى الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.

ويساعد الالتزام بهذه المبادئ الأساسية في إبقاء الأسواق العالمية مفتوحة فالمعاملة القومية تعني أنه لا يمكن لدولة ما أن تمنع استيراد سلعة معينة إن كانت تسمح بإنتاج وبيع نفس السلعة محلياً والمعاملة على أساس الدولة الأكثر رعاية تعني أنه عندما توافق دولة من الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية على تخفيض تعريفاتها على المستوردات من دولة أخرى من الدول الأعضاء في المنظمة، فإنه يتعين عليها القيام بنفس الشيء حيال جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.

دورات المفاوضات التجارية

لم يوافق واضعو اتفاقية الغات على أنظمة وقواعد وقوانين معينة لإدارة التجارة العالمية فحسب، بل وأيضاً على التحرير التدريجي للتجارة من خلال ما أصبح يُسمى بعد ذلك بسلسلة من “جولات” أو “دورات” التفاوض بشأن التجارة المتعددة الأطراف والجولة الحالية، أي أجندة الدوحة للتنمية، هي التاسعة في هذه السلسلة.

وقد اتسعت العضوية منذ إنشاء نظام الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة في العام 1947 من الـ 23 حكومة عضواً في الاتفاقية كانت تناقش التعريفات الجمركية على السلع الصناعية حتى أصبحت الآن 150 دولة تتفاوض حول قواعد تشمل التجارة الزراعية، والسلع الصناعية، والحواجز التجارية غير الجمركية، والخدمات، والإعانات المالية الحكومية، وحقوق الملكية الفكرية.

وعندما تتفق الدول على تخفيض تعريفاتها، فإنها تلتزم في نفس الوقت بعدم رفعها فوق الحد المتفق عليه، أو ما يعرف باسم المستوى “المحدد”، وإلا اضطرت إلى دفع تعويض للدولة المصدرة المتأثرة بذلك أو عرضت نفسها لمواجهة إجراءات انتقامية من جانب تلك الدولة وقد تحقق حتى اليوم أن “حددت” الدول المتقدمة نسبة قدرها 99 بالمئة من تعريفاتها، وحددت الدول النامية نسبة قدرها 73 بالمئة من تعريفاتها الجمركية وقد أوجد ذلك حصناً منيعاً ضد اعتماد سياسة حماية المنتجات المحلية من خلال زيادة التعريفات.

وقد عزز التزام معظم الدول التجارية في العالم بالتقيد بهذه القواعد والأنظمة التي تحكم عالم التجارة الآخذ في التوسع الوضوح والقدرة على توقع الاتجاهات في التجارة الدولية، مما مكن الصادرات العالمية من الارتفاع من مبلغ 58 بليون (ألف مليون) دولار العام 1948 إلى 8.9 تريليون (مليون مليون) دولار العام 2004 أما حجم التجارة العالمية اليوم فقد أصبح يزيد بمقدار 23 ضعفاً عن حجمها في العام 1948 وقد رفع هذا الفتح للأسواق العالمية مستويات المعيشة عبر العالم.

تسوية الخلافات

حتى مع وجود قواعد أو أنظمة تجارية واضحة، من المحتمل أن تبرز ضغوط حمائية ضمن الخلافات حول ما إذا كانت إجراءات معينة تنتهك القواعد المتفق عليها وبالتالي، يجب أن تتوفر آلية منصفة وفعّالة وتطبّق في الوقت المناسب لتسوية الخلافات التجارية وقد ظلت مسألة تسوية النزاعات تشكل، طوال معظم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، الحلقة الضعيفة في نظام الغات.

فقد أتاح نظام حل النزاعات الذي اعتمدته هذه الاتفاقية لأي طرف مشارك في النظام بأن يمنع إلى ما لا نهاية تبني قرار نهائي في القضية ونتيجة لذلك، كان من المحتمل بقاء الخلافات قائمة بدون حل لسنوات عديدة، مما كان يولد توجهاً يتعاطف مع السياسة الحمائية نتيجة خيبة أمل الدول الناجمة عن فشل النظام في حل الخلافات التجارية.

وفي قضية فاضحة بشكل خاص، اشتكت الولايات المتحدة لما يفوق عقد من الزمن من أن الإعانات المالية الحكومية التي تقدمها المجموعة الأوروبية إلى مصنّعي إنتاج الزيوت النباتية فيها، والتي تشجع على استعمالهم للبذور المزروعة لديها محلياً، تلغي مفعول التزام المجموعة الأوروبية بتعريفة الصفر على الزيوت النباتية المستوردة، الذي كان قد تمّ الاتفاق عليه في جولة مفاوضات ديلون للعام 1961.

وقد ثابرت المجموعة الأوروبية على منع إنشاء هيئة تحكيم تابعة لاتفاقية الغات وفي نهاية المطاف، صادق الكونغرس الأميركي على مادة في قانون العام 1988 للتجارة والمنافسة الشاملة تفرض على المندوب الأميركي للتجارة اتخاذ إجراء أحادي الجانب، بموجب البند 301 من القانون، لرفع التعريفات الأميركية على كمية مماثلة من صادرات المجموعة الأوروبية في حال لم يتم حل القضية بحلول العام 1989.

وتم تجنب اندلاع حرب تجارية عندما وافقت المجموعة الأوروبية على تشكيل هيئة تحكيم أصدرت قرارها لصالح الولايات المتحدة وعندما أُنشئت منظمة التجارة العالمية في كانون الثاني/يناير 1995 عزز الأعضاء آلية تسوية النزاعات من خلال إلغاء الحق في الحيلولة دون تشكيل هيئة للتحكيم وتنص القوانين الجديدة على أنه في حال عدم التمكن من حل أي نزاع من خلال المشاورات الإلزامية، تنظر لجنة تابعة لمنظمة التجارة العالمية في القضية ويتم إصدار حكم نهائي فيها خلال 12 إلى 15 شهراً من تاريخ الرفع الرسمي للقضية (بضمنه الوقت اللازم لأي استئناف محتمل).

أما العضو الذي يثبت أنه انتهك التزاماته بموجب عضويته في منظمة التجارة العالمية فيُلزَم بالعودة إلى التقيد بها، على أن يتم ذلك عادة خلال 18 شهراً بعد صدور الحكم النهائي

وقد شجع نظام تسوية النزاعات المحسن الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء، على اللجوء إلى نظام تسوية النزاعات لحل الخلافات.

ومنذ العام 1995، رفعت أكثر من 55 دولة قضايا وتم تشكيل أكثر من 120 هيئة لتسوية النزاعات ونظراً لأن العملية تبدأ بمشاورات إلزامية، تم التوصل إلى تسوية مئات من النزاعات قبل تشكيل الهيئة وبالإضافة إلى ذلك، ساعد نظام تسوية النزاعات الأقوى هذا في منظمة التجارة العالمية الدول الأعضاء في معالجة أمر سخط مواطنيها عما يعتبرونه ممارسات تجارية غير منصفة تقوم بها دول أخرى من الأعضاء كما ساعدها في استعمال النتائج التي تتوصل إليها هيئات منظمة التجارة العالمية كسبب لتصحيح ممارساتها غير المتقيدة بالتزاماتها تجاه منظمة التجارة العالمية.

عملية القبول في المنظمة

هناك طريقة أخرى ساعدت منظمةُ التجارة العالمية من خلالها على الحد من الحمائية اتفاقيات القبول في المنظمة فعندما تتقدم دولة بطلب الانضمام إلى عضوية منظمة التجارة العالمية يتم إخضاع نظام تلك الدولة التجاري لتدقيق صارم، ثم تتلو ذلك مفاوضات ثنائية مع دول أعضاء في منظمة التجارة العالمية، كل منها في مجالات اهتماماتها ومن المحتمل أن تستغرق هذه العملية عدة سنوات.

فعلى سبيل المثال، قضت الصين 15 سنة في التفاوض ثنائياً حول شروط قبولها قبل أن تصبح من أعضاء منظمة التجارة العالمية العام 2001 وقد أكملت دولة فيتنام، الدولة الأحدث عضوية في منظمة التجارة العالمية، للتو 11 سنة من المفاوضات الثنائية قبل قبولها في المنظمة وبعد إتمام المفاوضات الثنائية، يوضع نص اتفاق يفصّل ما تلتزم الدولة التي قدمت طلب الانتساب القيام به لدى انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية.

ففي حالة الصين، وافقت تلك الدولة على الإلغاء التدريجي لجميع القيود التي تحدد كمية الواردات من المنتجات الصناعية، وعلى إلغاء الشروط المفروضة على المستثمرين الأجانب كمطالبتهم بتصدير منتجاتهم وعلى التطبيق القسري لحقوق الملكية في مجال الملكية الفكرية وفتح مجموعة من الخدمات، تشمل الاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات المالية، أمام مقدمي الخدمات الأجانب.

أما فيتنام فقد وافقت على تقليص التعريفات والكوتا (أي الحصص المحددة) للسلع المستوردة والإعانات المالية الحكومية للزراعة، كما وافقت على فتح تشكيلة واسعة من الخدمات أمام مقدمي الخدمات الأجانب وأخيراً، يشترط أن توافق جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية على رزمة الالتزامات المتعلقة بفتح الأسواق، المفصلة عادة في عدة مئات من الصفحات، التي تشكل اتفاقية انضمام الدولة الجديدة إلى المنظمة.

ومن الممكن أن يشكل تخلّف العضو الجديد عن التقيد بالتزاماته أساساً لرفع قضية ضده لدى منظمة التجارة العالمية ففي العام 2006 على سبيل المثال، رفعت الولايات المتحدة، مع ست دول أخرى، قضية ضد الصين متهمة إياها بأنها تفرض رسوماً على قطع السيارات المستوردة الأمر تشكل انتهاكاً لاتفاقية قبولها في المنظمة.

هل للسياسة الحمائية مساوئ أم ايجابيات

ترافق انتشار السياسة الحمائية مع العديد من المصطلحات وكان أبرزها الكابوس التجاري وذلك لما ترتب عليها من أثار سلبية وعلى الرغم من أن العديد يربطون السياسة الحمائية بجانبها السلبي إلا أن العديد من الاقتصاديين يشددون على أهميتها على مر السنين قامت أكبر القوى الاقتصادية بتطبيق السياسة الحمائية أما بشكل ملموس أو غير معلون وكان أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية والصين في هذه المقالة سوف نقوم بتعريف ما هي السياسة الحمائية وذكر بعض ايجابياتها وسلبياتها.

يدعم النقاد رأيهم بالقول إن السياسة الحمائية تحد من المنافسة وتؤدي تباعاً إلى تراجع الصناعة على المدى الطويل مما هو شيء سلبي للاقتصاد فعدم وجود المنافسة يؤدي إلى زوال الابتكار ومحاولات تحسين المنتجات والخدمات للمستهلك المحلي الذي عليه أن يدفع سعر أعلى أيضاً مقابل هذه الخدمات والبضائع عوضاً عن استيرادها بسعر أرخص من الخارج.

من أبرز هذه النتائج الإيجابية هي في حال كانت الدولة أو الأفراد يحاولون البت في صناعة جديدة في هذه الحالة عادةً ما تكون السياسة الحمائية حل لمشكلة المنافسة الخارجية بالإضافة إلى فتحها أفاق جديدة لهذه الصناعة للنمو وتطوير مزاياها التنافسية من المزايا الأخرى هي اتاحة فرص عمل جديدة للعمال المحليين ذلك بسبب لجوء الصناعات المحلية التي في حالة نمو إلى توظيف العمال المحليين.

ويدعم مؤيدي السياسة الحمائية موقفهم بالقول إن أغلب البلدان المتقدمة تلجأ إلى تأييد السياسة الحمائية بينما الدول الناشئة عادة ما تلجأ إلى إتباع سياسة التجارة الحرة أبرز مثال على ذلك النهضة التي شهدها قطاع السيارات الأمريكية في السنوات القليلة الماضية على الرغم من توفر المنافسة في كل من اليابان وألمانيا.

الحمائية قاعدة وليس استثناء

ما كان صحيحًا نهاية القرن السابع عشر، سيكون أيضًا موجودًا تقريبًا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولمدة قرنين ونصف بقيت الحمائية قاعدة وليس استثناء وهذا لا يمنع نموّ التجارة وتنميتها، بالطبع كانت هناك تغيّرات على مرّ السنين والبلدان فالمملكة المتحدة مثلاً كانت بلا شك من يمارس التجارة الحرة بكل نجاح وتعتبر سنة 1846 السنة الاكثر أهمية، حيث تمّ إبطال قوانين الذرة (قوانين الحبوب)، مصدرة 31 عامًا فيما بعد، للحدّ من واردات القمح الأجنبي وضمان ارتفاع دخل المزارعين البريطانيين.

وفي سياق اقتصادي صعب، قام البرلمان بالتصويت عام 1921 لصالح حماية الصناعات، حيث ثبّت 33% من الرسوم الجمركية على العديد من السلع المصنّعة والمهددّة بالمنافسة الأجنبية وعلاوة على ذلك، فإن النزعة الحمائية ظلّت قائمة، على الرغم من التجارة الحرة الموقّعة بين فرنسا والمملكة المتحدة سنة 1860، وقد اعتبرت المثال الدائم فالعقود التي سبقت الحرب العالمية الاولى، تميّزت بتفاقم الخصومات الوطنية والعودة الى القومية الاقتصادية.

لكن في الفترة الممتدة من 1875 إلى 1913، تحرّك متوسط معدلات الحماية الجمركية من 5% إلى 13% لألمانيا، و15 % إلى 20% لفرنسا، و20 % إلى 85% بالنسبة إلى روسيا ووفق هيكلية الاقتصاد، فإنها تهدف في المقام الاول إلى السلع المصنفة والمواد الخام ففي فرنسا مثلاً، كانت الزراعة خاضعة للحماية، والرجل الذي جسّد هذا المفهوم كان يدعى جول ميلين (1838-1925)، وقد أعطى اسمه لواحدة من القاعدات المهمة للجمهوريّة الثالثة، تلك التي عرفت في 1892، واضعة الحقوق بنسبة 5% إلى 20% على المنتجات الزراعية المستوردة.

ولذلك فإنه من الخطأ حصر الحمائية بالأزمة الحاصلة في الثلاثينات أضف إلى أن قاعدة سموت هاولي التي أنشأت، في حزيران 1930، حقًّا بنسبة 40% على جميع المنتجات المستوردة في الولايات المتحدة وقد شكل ذلك علامة تجارية ناجحة ومنذ أواخر القرن الثامن عشر كانت الولايات المتحدة على حدّ تعبير المؤرخ بول بايروش وطنًا وحصنًا للحمائية وقد عرضت هذه السياسة منذ رئاسة جورج واشنطن عن طريق ألكسندر هاميلتون، وزير الخزنة من 1789 حتى 1795، وصاحب التقرير حول الصناعة التحويلية.

الحمائية جواب واضح للأزمة الاقتصادية العالمية

ربّما لأنها كانت أحد الحلول الطبيعية والطويلة على الصدمات الاقتصادية، ظهرت الحمائية كجواب واضح على الازمة التي ضربت الاقتصاد العالمي في أعقاب حادث تحطّم وول ستريت في تشرين الاول 1929 وقد لجأت فيما بعد الحكومات إلى الكلاسيكية بزيادة التعريفات الجمركية وحظر بعض المنتجات وغيرها من الأدوات والمعاملات النقدية التي سجلت للحماية فحصل تخفيض على قيمة العملة تسلسلاً.

وقد انعكست آثاره الايجابية بالنسبة إلى الدول المصدرة كل هذه الاجراءات ساعدت على تضييق الخناق على التجارة الدولية، وانخفض بذلك حجمها بنسبة 40% بين 1929 و1932 وخلافًا للاعتقاد السائد، فلم تختفِ الحمائية بعد عام 1945، لقد وقّع 23 بلدًا اتفاقا عامًا حول التعريفات الجمركية والتجارية، يهدف إلى تخفيض التعريفات.

وفي ختام مفاوضات “الكنيدي”، برز المعدل العام للحماية العالمية عشر مرات أقل من المعدل السائد في العام 1947 وأكمل مسيرته في الانخفاض منذ بداية عمل منظمة التجارة العالمية في العام 1995 ويبقى ما يعرف بالحمائية الغادرة والتي أطلقها الاقتصادي برنارد غييوشون، والتي لم تكفّ عن التطور في العقود الأخيرة.

في البدء ظهرت على شكل تدابير لمكافحة الاغراق بهدف منع دخول المنتجات الأجنبية بأسعار منخفضة للغاية، ثم من خلال تشكيل اتحادات اقتصادية إقليمية، حيث كانت تهتمّ بممارسة الحمائية ضد البلدان التي ألغت ذلك داخل حدودها هذه هي الحال في اليابان مثلا، وكذلك الاتحاد الاوروبي الذي اتهم بشكل منتظم من قبل الولايات المتحدة بأنها تحمي سوقها الزراعية بشكل مفرط.

وأخيرًا فإن أهداف التجارة الحرة، حسب المنظور التاريخي، مبدأ جديد وثوري جدًا، وفق ما كتبه الاقتصادي الليبرالي مايكل أنجيلو هيلبيرين في وقت مبكر جدًا، وكان ذلك في الستينات واليوم، بعد 40 عامًا، تعود الوطنية الاقتصادية التي تعتبر الاقدم تاريخيًا، كما الرأسمالية.

الحمائية التجارية تهدد منظمة التجارة بعد انتخاب ترمب

خلال حملته الانتخابية، كان الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترمب، من أشد منتقدي منظمة التجارة العالمية واتفاقات التجارة الحرة الإقليمية التي وقعتها الولايات المتحدة، واصفا الأولى بـ “الكارثة” والثانية بـ “المؤذية” للاقتصاد الأمريكي.

وإذا كان توقيع اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “نافتا” في عام 1994 مع كندا والمكسيك، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ “بين دول نافتا وشيلي وبيرو مع سبع دول آسيوية” من ضمن أهدافه المفضلة، إلا أن الرئيس الجديد عبر عتبة جديدة في 24 تموز (يوليو) الماضي عندما تكلم مباشرة عن “خروج” الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية، بهدف إعادة رسوم جمركية من 15 في المائة إلى 35 في المائة على المنتجات القادمة من المكسيك.

الإدارة الأمريكية الجديدة وموقفها من منظمة التجارة، بقاء الولايات المتحدة فيها أو الانسحاب منها، إمكانية اتجاه الاقتصاد العالمي الأول للحمائية باختصار، هناك إجماع بين المتحاورين على أنه ما إن يتولى الرئيس الأمريكي المنتخب السلطة فإنه يمكن أن يخفف من خطابه طالما كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى التجارة الحرة.

عندما قالت له مجموعة صغيرة من الصحافيين “إن مقترحاته بشأن المفاوضات التجارية مع المكسيك لن تمر مع قوانين هذه المؤسسة التي يوجد مقرها في جنيف”، أجاب المرشح الجمهوري في حينه “سنقوم بإعادة التفاوض، أو الخروج من منظمة التجارة العالمية، هذه الاتفاقات التجارية تشكل كارثة، منظمة التجارة العالمية كارثة” ومقترحات ترمب الاقتصادية قد تؤدي إلى اقتصاد أمريكي أكثر عزلة خاصة أن الحقائق قد تعترض طريقه نحو تنفيذ وعوده الاقتصادية.

حول هذا الموضوع، قال، جان-بيير ليمان أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في معهد “آي أم دي” في لوزان، الذي وُلد في الولايات المتحدة، “إن منظمة التجارة لم تنتظر انتخاب، دونالد ترمب، لإنقاص أهميتها” وقال “إن فشل جولة الدوحة، وإبرام الاتفاقات الإقليمية الضخمة اتفاقية الشراكة والاستثمار عبر الأطلسي، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ قد عجّلت من انحدار نموذج منظمة التجارة في إبرام الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف”.

وقال “الخبر السار أن هذه الاتفاقات الإقليمية الضخمة هي ميتة الآن إلى حد كبير النبأ السيئ أنه لا يوجد هناك شيء يحل محلها” ولم يشك، فرانسوا لونكشان، الوزير في حكومة مقاطعة جنيف، للحظة واحدة أنه ما أن يتسلم، دونالد ترمب، السلطة حتى يبتعد بمسافة معينة عن البيانات التي أطلقها خلال حملته الانتخابية.

وقال “بالتأكيد أن دونالد ترمب، أدلى بتصريحات مثيرة حول منظمة التجارة، لكن أود أن أذكّر أن مَن أطلق اسم “الجزائر فرنسية” في حملاته الانتخابية هو الذي أنهى الاستعمار الفرنسي للجزائر” وأعاد، فرانسوا لونكشان، إلى الأذهان أن مهمة منظمة التجارة العالمية هي تبسيط التجارة، وتسهيلها، وجعلها حرة تنتقل بلا حدود جمركية، “وهذه كلها أمور حيوية للولايات المتحدة، كيف يمكن أن تدير ظهرها لها” وقال “من الواضح أن دونالد ترمب سيدرك بسرعة أنه لن يكون بمقدوره تأسيس وظائف في الولايات المتحدة بخروجه من هذا النظام”.

وأضاف “علينا أن نتذكر أن منظمة التجارة تقوم على مبدأ صفقة شاملة (خذها كلها أو اتركها كلها)، وأن الإدارة الأمريكية تعرف أهمية المنظمة بالنسبة إلى قطاع الزراعة أو صناعة الصادرات الأمريكية، أعتقد أن إدارة، ترمب، ستُذكّر الرئيس بسرعة، إذا اقتضى الأمر، أن منظمة التجارة العالمية ليست عديمة الفائدة تماما”.

ولم يبدِ، سيدريك دوبون، الأستاذ في معهد الدراسات العليا في جنيف والمختص في التجارة الدولية، أدنى قلق بشأن مستقبل المنظمة التي تتحكم بنحو 98 في المائة من التجارة الدولية وأعاد إلى الأذهان أيضا أن كلا من، دونالد ترمب، والمرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، أطلقا خطبا مصبوغة بالحمائية خلال حملتهما الانتخابية.

وقال “إنه مع عجز تجاري هائل تعانيه الولايات المتحدة لم يتم خفضه، ومع دولار قوي “معاد للصادرات” ارتفع سعره في السنوات الأخيرة مقابل العملات الدولية الرئيسة الأخرى، ليس لدى الرئيس الأمريكي الجديد سوى قليل من الخيارات، ليس منها الانسحاب من منظمة التجارة على الإطلاق”.

ولا يعتقد، سيدريك دوبونت، بعودة حقيقية للولايات المتحدة إلى الحمائية وقال، “المرة الأخيرة التي حاولت فيها اللجوء إلى الحمائية، كانت في الثلاثينات من القرن الماضي، لكن الأمريكيين فهموا بسرعة أن الخطوة التي اتخذوها لم تعمل، ولم تنجح، وأن اقتصادهم بحاجة إلى بقية العالم النتيجة أصبحت الولايات المتحدة المؤيد الرئيس للتجارة الحرة خلال نصف القرن الذي أعقب ذلك”.

بالنسبة لسيدريك دوبونت، فإن، دونالد ترمب، قد يتخذ خطوات رمزية في الأجل القصير، مثل إدخال ضرائب جديدة على المنتجات الصينية والمكسيكية أو تدابير مكافحة الإغراق لكن على المدى الطويل، سيتوجب على الرئيس القادم أن يكون أكثر عقلانية، حسب تعبيره لكن إجراءات ترمب المناهضة للتجارة قد تسبب ضررا كبيرا للمستهلكين الأمريكيين بمن فيهم أنصاره.

وقال “الأعمال التجارية هي الأعمال التجارية، فإذا كان الأمريكيون يريدون امتلاك القدرة لشراء “آي فون” في المستقبل، فسيحتاجون إلى الصين، المنتجة له” وقال “قبل كل شيء، ينبغي لقرارات، دونالد ترمب، أن تمر عبر الكونجرس إذا كان يعتزم إعادة التفاوض بشأن الاتفاقات التجارية مثل “نافتا” أو اتفاقية الشراكة عبر الهادئ وعلى الرغم من أن الكونجرس، بمجلسيه، يقع الآن تحت أغلبية الجمهوريين، إلا أن هذا لا يعني أن جميع أعضائه مقتنعون أو مؤيدون للحمائية”.

ما يتعلق بقضية التمويل التي أثارها أحد المتداخلين، خاصة أن واشنطن هي أكبر مساهم في ميزانية منظمة التجارة، قال، سيدريك دوبونت، “إنه من الممكن أن يقوم، دونالد ترمب، بتقليص مشاركة الولايات المتحدة” غير أن القلق الأكبر يتعلق بالمنظمات غير التجارية، إذ من المحتمل أن يعود العالم إلى ما يسمى بـ “عالم الأمم الكبيرة”، عالم تناقش فيه الدول الكبرى الأمور الرئيسة بينها مباشرة دون أن تلجأ إلى المؤسسات متعددة الأطراف.

الحمائية التجارية علاج خاطئ لعلة النمو البطيء

بدأت الهجمات في شباط (فبراير) 2010 عندما وصل بريد إلكتروني متنكرا في شكل رسالة من الرئيس التنفيذي لشركة ستيل الأمريكية إلى صناديق الوارد الخاصة بـ 20 موظفا تزعم الرسالة أن “الجوريلا القبيحة”، وهو قرصان صيني، اخترق في غضون أسابيع ما لا يقل عن 1700 من أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الخليوية في الشركة.

النتيجة الحاسمة الحقيقية، وفقا لشركة ستيل، ظهرت بعد عام عندما استخدم قراصنة صينيون أساليب مماثلة استهدفت جهاز كمبيوتر أحد الباحثين في الشركة في غضون أيام، كما تدعي الشركة، سرقوا ملفات تحتوي على تفاصيل حول كيفية إنتاج أنواع من الصُلب فائق القوة يستخدم في صناعة السيارات وبعد أقل من عامين، كانت شركة باوستيل في الصين تطرح مُنتجاتها في السوق، بعد التغلّب على عائق فني باستخدام أساليب استغرقت شركة ستيل الأمريكية أكثر من عقد لتطويرها.

تفاصيل الهجمات ترد في وثائق تم إعدادها لقضيتين مختلفتين وهي تبدو مثل فيلم إلكتروني مُثير ينتمي إلى القرن 21 التداعيات يُمكن أن تشمل حربا تجارية قديمة الطراز بين أكبر اقتصادين في العالم، والحادثة هي مثال على ساحات المعارك الجديدة في الاقتصاد العالمي

في شكوى تم تقديمها هذا الربيع، جادلت شركة ستيل الأمريكية بأن الهجمات الإلكترونية لم تكُن فقط مفيدة لشركة باوستيل، لكن لصناعة الصُلب بالكامل في الصين مثال مزعوم لسرقة ترعاها الدولة برّرت فرض حظر على جميع صادرات الصُلب الصيني إلى الولايات المتحدة.

إذا كان حُكْم لجنة التجارة العالمية في الولايات المتحدة لمصلحة شركة ستيل الأمريكية، يقول محامو التجارة ومختصون آخرون إنها ستكون المرة الأولى التي يؤدي فيها هجوم قراصنة يزعم أنه تم بدعم من الدولة إلى فرض أحد البلدان عقوبات تجارية على بلد آخر تم تقديم قضية شركة ستيل الأمريكية بموجب بند في قانون الرسوم الجمركية لعام 1930، يسمح بحظر الواردات المرتبطة بالمُلكية الفكرية المسروقة لكن السرقة الإلكترونية المزعومة توضّح كيف أن الارتفاع السريع للتكنولوجيا الرقمية يخلق مُسببات للنزاعات التجارية غالبا بسبب عدم وجود قانون دولي يتعلّق بالقرصنة والتشفير ومجالات أخرى.

دول آسيا والمحيط الهادئ مصممة على مكافحة الحمائية التجارية التي يدعو إليها ترامب

أكدت دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ في ليما على معارضتها لأي شكل من الحمائية، مخالفة بذلك الحملة المعادية للعولمة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب واجتمع قادة البلدان ال ـ21 في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ “أبيك” بحضور المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد لبحث التحديات في وجه الاقتصاد العالمي

وانتهى اجتماعهم السنوي في عاصمة البيرو بإصدار إعلان ختامي أكد مرة جديدة تمسك دول ضفتي المحيط الهادئ بمواصلة اندماجها الاقتصادي من خلال رفع الحواجز التجارية.

واختتم الرئيس الأمريكي باراك اوباما في ليما آخر رحلة رسمية إلى الخارج يقوم بها خلال سنواته الثماني في الحكم، بعقد مؤتمر صحافي وتعهد قادة “أبيك” في البيان الختامي للقمة بـ ابقاء أسواقنا مفتوحة ومكافحة اي شكل من اشكال الحمائية التي لن تؤدي برأيهم سوى إلى اضعاف المبادلات التجارية وإبطاء التقدم على طريق تعافي الاقتصاد الدولي.

وتمثل دول أبيك ال ـ21، التي هي أكثر من استفاد من العولمة، 60 في المئة من التجارة العالمية و40 في المئة من سكان العالم وتعهد القادة أيضا بعدم تخفيض قيمة عملاتهم لغايات تنافسية والعمل على اقامة منطقة تبادل حر متكاملة على الأمد الطويل وأعرب القادة عن قلقهم حيال المعارضة المتزايدة للعولمة في الولايات المتحدة وأوروبا، وظهور تيارات حمائية، غير أنهم شددوا على ضرورة توزيع أكثر إنصافا لفوائد العولمة بين جميع شرائح المجتمعات.

وهذه المواقف تتعارض تماما مع الوعود الانتخابية لترامب، الذي وعد الناخبين الأمريكيين بانعطافه حمائية يفترض أن تحافظ على الوظائف الصناعية في وجه المنافسة المتدنية الكلفة من دول مثل الصين والمكسيك وفي لقائه الثنائي التاسع والأخير مع اوباما، حذر الرئيس الصيني شي جينبينغ بأن العلاقة بين البلدين تواجه “لحظة محورية” مع انتخاب رجل الأعمال الثري في البيت الابيض.

وقال “آمل أن يعمل الطرفان معا لتركيز جهودهما على التعاون، والتعامل مع الخلافات في وجهات نظرنا، وجعل العملية الانتقالية تتم بهدوء ومواصلة تطوير العلاقة” وكان ترامب انتقد بشدة خلال حملته اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ الموقعة عام 2014 بين 12 دولة من المنطقة، هي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك وتشيلي وأستراليا ونيوزيلندا واليابان وبروناي وماليزيا والبيرو وسنغافورة وفيتنام، بدفع من ادارة اوباما.

غير ان هذه الاتفاقية التي استبعدت منها الصين، ما زالت تنتظر ابرامها في الكونغرس الأمريكي، ما يجعل مستقبلها الآن مجهولا مع سيطرة الجمهوريين على مجلسيه واغتنمت الصين المناسبة لتعطي دفعا في ليما لمبادرتها، البديلة الرامية إلى اقامة منطقة تبادل حر في آسيا والمحيط الهادئ، على أمل ضم جميع دول “أبيك” إليها، فضلا عن استراليا والصين والهند، انما بدون الولايات المتحدة.

وقال الرئيس الصيني في خطاب أمام القمة كان محل ترقب “لن نغلق الباب امام العالم بل سنشرعه أكثر على مصراعيه” ودعا جينبينغ قادة المنطقة إلى دعم المبادرات الصينية للتبادل الحر في آسيا والمحيط الهادئ لردم الهوة التي سيخلفها تخلي واشنطن المحتمل عن اتفاق التبادل الحر.

وأضاف “ان اقامة منطقة تبادل حر لآسيا والمحيط الهادئ مبادرة استراتيجية حيوية لازدهار المنطقة على الامد البعيد وعلينا ان نجهد في سبيل ذلك” من جانبه قال الرئيس المكسيسي، انريكي بينا نييتو، الموجود أيضا في ليما انه يرغب في “منح الأولوية للحوار” مع ترامب بشأن “جدول اعمال جديد” وابدى استعداده لإصلاح محتمل لاتفاق التبادل الحر المبرم في 1994 بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، خصوصا بشأن العمل والبيئة.

وخلال حملته الانتخابية انتقد ترامب بشدة الشراكة بين ضفتي الاطلسي الموقعة في 2015 بين 12 دولة من المنطقة بدفع من أوباما وقال ترامب ان هذا الاتفاق الذي يستبعد الصين “رهيب” مبديا معارضة شديدة لاحتمال التصديق عليه من الكونغرس الأمريكي ذي الغالبية الجمهورية

وابدت أستراليا حماسة للمقترح الصيني لكن اليابان بدت اقل حماسة للمبادرة الصينية وتستمر في تأييد اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي (تي بي بي) حتى بدون واشنطن.

وتعهدت اليابان والبيرو في إعلان مشترك بان “تدفع للتصديق بأسرع وقت على اتفاقه الشراكة” التي اعتبرتاها تجاريا وجيوسياسيا جوهرية لاستقرار المنطقة وازدهارها وقال رئيس وزراء أستراليا إن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ تضم 11 اقتصادا آخر (كندا والمكسيك وتشيلي وأستراليا ونيوزيلندا واليابان وبروناي وماليزيا والبيرو وسنغافورة وفيتنام) من الأفضل أن تكون الولايات المتحدة بينها وإلا، فإن الأعضاء الآخرين مصممون على المضي قدما.

وقالت كابيتال ايكونوميكس الاستشارية “ان المعاهدة الصينية للتبادل الحر لن تعوض فشل معاهدة الشراكة الذي يمثل ضربة قوية للأفاق الاقتصادية لآسيا الناشئة” واضافت ان المنافع للمنطقة ستكون على الارجح اقل بكثير خصوصا لدول مثل فيتنام او ماليزيا فانسحاب الولايات المتحدة اتاح فرصة للصين لتعزيز نفوذها في آسيا.

منظمة التجارة العالمية يحذر من عودة إلي الحمائية التجارية

حذر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية صانعي السياسات من أن التوترات المتزايدة بشأن العملات قد ينتج عنها عودة إلى الحمائية التجارية على غرار تلك التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي وفي مقابلة مع صحيفة “الجارديان” البريطانية قال باسكال لامي انه مع سعي الحكومات إلى تعزيز النمو عن طريق التلاعب بأسعار صرف عملاتها فإن الخطوة التالية ستكون إقامة حواجز من التعريفات الجمركية وأضاف قائلاً “منذ عامين ونحن نعيش في هذه الأجواء”.

وأبلغ لامي الذي يزور لندن للاجتماع مع وزراء بالحكومة البريطانية الصحيفة أن حرباً للعملات والحمائية التجارية هما المشكلتان الوحيدتان اللتان لم تواجها الاقتصاد العالمي أثناء الأزمة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية وحذر من أن العزوف عن استخدام إجراءات حمائية هو الآن موضع اختبار قائلاً انه ينبغي للدول أن تتفادى الانزلاق إلى سلسلة من الإجراءات الحمائية الانتقامية التي ستكون لها آثار سلبية متزايدة.

المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية

شارك هذا الموضوع: