هيام الكناني تكتب: الخلافة والإمامة الإلهية الحقّة لا تحتاج في ثبوتها الى السلطة والحكم
هناك ضرورات وإعتقادات دينية ثابتة لاتتغير, ومنها الإيمان بالله تعالى إذ أنها حالة فطرية قبل أن تكون عقلية، ولا ينفكّ الإنسان عن الإعتقاد بها في وجوده الدنيوي حتى لو لم يعلن عنه صراحة كما هو حال الطبيعيين، ويعرف أن الإيمان به تعالى ضرورة لا تقبل الخلاف من قوله تعالى: أفي الله شك فاطر السماوات والأرض)، ويتبعه في ذلك أهم صفتين لله عز وجل وهما العدل والحكمة التي تفرض وجود عالم الحساب والجزاء، وفيه قال الباري تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون). ثم يأتي ترتيب الضرورات حسب قيمتها الجوهرية في الحياة، حيث يأتي دور الوسيط الهادي الحجة الذي يأخذ بيد الناس مبينا لهم سُبل النجاة، يقول تعالى: (وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولا). بحيث لا يخلو عصر من العصور من إمام مفترض الطاعة منصّب من الله تعالى، سواء أبى البشر بذلك أم رضوا به، وسواء ناصوه أو لم يناصروه، وأطاعوه أو لم يطيعوه، وسواء أكان حاضرا أم غائبا عن أعين الناس، وفي إثباته قال الله تعالى: (ولكل قوم هاد) الرعد:8، وقال: (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)، وعليه فإن الإمامة هنا هي محور الحديث فهي تنبع من البحث عن الحجة بعد النبي الخاتم وهي نفس الضرورة التي نتحدث عنها في النبوة ولكن الحجة في النبوة تأسيسية وليست كذلك بعد النبي الخاتم ولكن لا شك بضرورتها، فما هي الصياغة القرآنية لها؟
وجودها واضح في القرآن في كلمة أولي الأمر كما في قوله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقوله تعالى (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)، وفي الشهادة على الناس (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، وهنا نكته لابد من ذكرها وهو أن المخالف لا يرى ثبوت مثل هذا المنصب بعد النبوة الخاتمة بأبعاده المذكورة آنفا، بل كل ما يعتقد به هو وجود حاكم على المسلمين يعين من قبل الناس ويعزل من قبلهم ولا علاقة له بالشريعة بالأصالة. نعم إستثنوا الجيل الأول من الحكام فأعطوا سمة شرعية مميزة باعتبار أنهم من الصحابة. ولكنهم مع ذلك لا يرتبون الأثر المطلوب، فعلى سبيل المثال هم يؤمنون بعلي (عليه السلام) كحاكم رابع لكنهم لا يؤمنون بإمامته.. نعود لكلامنا، فالرسالة هنا مجعولة عند شخص ما بصورتها التامة بعد النبي (صلى الله عليه واله) كما هو ظاهر قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته)، ومن ثم يشكل هذا الإمام استمرارا للحجة الإلهية على البشر له ما للنبي (صلى الله عليه واله)، إلا أنه ليس بنبي. فهو عالم بالشريعة بمقدار علم النبي بها. وهنا يأتي دور الإمامة الحقيقية وهو هداية الناس إلى الله تعالى من خلال تقدمهم في المسيرة الربانية عملياً، كما جاء ذلك في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(12)؛ لأنّ إمامتهم إمامة تكوينية ثابتة على مرّ التاريخ وفي قلوب الناس قال تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم} وإنّ الامامة الحقة هي إمامة عالمية للناس جميعاً، وليست على قطر معين من أقطار الارض، قال تعالى: {..... إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا.....} وثم ياتي الوعد المعهود, عهد إلهي وراثة الارض ومَن عليها إلى الامامة الحقة الحقيقة؛ لقولة تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}. وقال تعالى وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}الأعراف181. وهذا ماتميّز به أهل البيت عليهم السلام, ولعل ما ضيّق الخناق على هذه العقيدة الحقة هو ماتداخل فيها من فرق شوّهت العقيدة ومنها ما كانت تُعرف بالقرامطة تلك الفرقة التي خرجت من التشيّع بمفهومه الأخص والتي إنخرطت في السياسة وأقبلت على السلطة بإستماتة. وغيرها من الفرق الأخرى ,هذا الامر ولد حساسية وجعلهم أمام مصير سيء وللاسف لطاما كانت موضع الصدام والتداخل والتلفيق للمذهب الامامي الحق, لهذا تطرق المرجع الصرخي الحسني ليبين ويكشف اللثام عن الحقيقة الصرفة للإمامة الحقّة والتفريق بينها وبين السياسة حيث يذكر في بحثه الموسوم في المحاضرة (13) من بحث (الدولة.. المارقة.. في عصر الظهور.. منذ عهد الرسول) ضمن سلسلة بحوث: تحليل موضوعي في العقائد والتاريخ الاسلامي 24- 12- 2016 قائلا (لو فرقنا بين الإمامة الإلهية وبين السلطة لحلت الكثير من المعضلات والعقد التاريخية والتفسيرية ..(التفتوا جيدا: هذا الذي نكرر ونريد ان نبين أننا نؤسس له: الامام والخلافة الالهية الحقة الواقعية لا تحتاج -في ثبوتها في حقيقتها في واقعيتها- الى السلطة والحكم، إن حصلت السلطة وحصل الحكم فبها وخير وتحقق الوعد الالهي، اما اذا لم تتحقق فهذا لا يدل على سقوط الامامة من الامام الذي جعله الله سبحانه وتعالى. وقال ايضا (من الخطأ الجسيم ومن الطعن بالدين ومن التدليس الشنيع أن نخلط بين السلطة، الحكم، التسلط وبين الإمامة الحقيقية، الإمامة الإلهية، الإمامة المجعولة من الله سبحانه وتعالى، هذا ليس بصحيح، الإمام الذي جعله الله سبحانه وتعالى إمامًا وخليفةً يبقى على إمامته كما في إمامة الأنبياء والمرسلين وهم الكل إلّا البعض القليل والنادر ممن حصل على السلطة والحكم لكن باقي الأنبياء والمرسلين لم يتحقق لهم هذا، فهل تسقط منهم الإمامة؟!!).