العراق | عالم دين نجفي يبعث رسالة عنوانها (من المسلمين الى المسيحيين في العالم)
بلاد نيوز - العراق - النجف
بعث استاذ الحوزة العلمية في النجف حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حيدر اليعقوبي, رسالة الى المسيحيين في العالم بمناسبة مولد النبي محمد وقرب مولد النبي عيسى عنوانها (من المسلمين الى المسيحيين في العالم)
وبلاد نيوز تنشر نص الرسالة:
بِسم الله الرحمن الرحيم
بالله نثق
سلام ومحبة ..
هذه كلمات صادقة في ذكرى مولد النبي المسيح ، عيسى بن مريم العذراء ، أو يسوع المخلص كما تسمونه ، وكلمة الله التي ألقاها الى مريم (ع) كما يصفه القرآن الكريم ..
( وَاذكُر فِي الكِتابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِها مَكانًا شَرقِيًّا ، فَاتَّخَذَت مِن دونِهِم حِجابًا فَأَرسَلنا إِلَيها روحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا ، قالَت إِنّي أَعوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا
قالَ إِنَّما أَنا رَسولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا ، قالَت أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَلَم يَمسَسني بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَرَحمَةً مِنّا وَكانَ أَمرًا مَقضِيًّا )سورة مريم ( ١٦- ٢١)
فاذا كُنتُم تؤمنون بالله الخالق الواحد ، رب العالمين ، فنحن أيضاً نؤمن به .
واذا كُنتُم تؤمنون بالنبي عيسى المسيح ، أو يسوع ، فنحن أيضاً نؤمن به ونعتقد انه أحد الأنبياء العظماء الذين ارسلهم الله تعالى .
واذا كُنتُم تؤمنون بالشريعة الإلهية ، والديانة الربانية ، فنحن أيضاً نؤمن بها ونلتزم بها .
ولكن توجد فروق وميزات بيننا وبينكم ، ينبغي أن تعرفوها وتفهموها اذا سمحتم لنا بالتوضيح ، وأهمها مايلي :-
أولاً - انتم تعتقدون لسبب من الأسباب ، ان النبي عيسى (عليه السلام ) هو ابن الله تعالى . او ان الله تعالى تجسد فيه ، أو تمثل فيه ..
ولكن نحن نعتقد ان هذا الإعتقاد يتعارض مع مباديء التوحيد والعبودية المطلقة لله تعالى ، ويتنافى مع مقام الإلوهية الذي لايكون ولايصح الا لرب العالمين ، الذي ليس كمثله شيء ..
ولذلك نحن المسلمون نقول لكم بكل إحترام ومودة أن اعتقادكم هذا خاطئ وواهم وباطل ، ونحن نتوقع منكم أن تكونوا أكثر وعياً وتفهماً لحقيقة ان الله تعالى ليس كمثله شيء ، وأنه أعظم وأجل من أي شيء يخطر في بالكم ..
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ) .
فالنبي عيسى (ع) هو روح مخلوق ، رغم أن خلقه وإيجاده كانا بطريقة إعجازية وغير طبيعية ، من دون أب ، تماماً مثلما خلق الله تعالى نبيه آدم (ع) ، وأوجده بطريقة إعجازية ، من دون أب أو ام ، فهل تقولون عنه انه أيضا ابن الله ؟
هذه بالتأكيد فكرة باطلة ، فيجب ان تتأملوا وتتفكروا بعمق .
(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا ، وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)) مريم/(88-93).
ونلاحظ في هذا المقطع القرآني كيف يتكرر لفظ (الرحمن), وهو يتناسب مع خطورة هذه الدعوى الواهمة ، التي هي دعوى جريئة وشديدة ، وتتنافى مع اوضح المبادئ الاساسية للعقيدة الالهية ولذلك فهي تستوجب اشد العقاب واعظم العذاب لولا ان الله تعالى هو الرحمن، وقد أقتضت رحمته ان يؤخر العقاب ويؤجله ليوم لاينفع فيه الندم ..
فالنبي عيسى (يسوع) إنما هو نبي من أنبياء الله تعالى ، وعبد من عباده الذين إصطفاهم ، وقد ارسله الله تعالى بمعجزات وآيات ، تماماً كما أرسل النبي موسى (ع) من قبله بمعجزات وآيات .
وهذه المعجزات مهما كانت ، تعتبر علامة وآية توثق وتؤكد العلاقة والرابطة بين الله تعالى وبين هذا الشخص الذي ظهرت على يديه المعجزة ..
هذه العلاقة والرابطة إنما هي علاقة الوساطة والتبليغ عن الله تعالى ، وهي التي تسمى بالنبوة أو الرسالة ..
واذا كانت هناك معاجز خاصة لبعض الأنبياء والرسل ، فهذا لايعني بالضرورة ان يكون صاحبها في مقام آخر غير مقام النبوة أو الرسالة ، وإنما هو تعدد مظاهر آيات الله تعالى على حسب الحاجة والضرورة ومتطلبات التأثير ..
فموسى(ع) ظهرت له عدة معاجز لم تظهر لعيسى (ع) ، وعيسى (ع) ظهرت له عدة معاجز لم تظهر لموسى(ع) ، ونبينا محمد (ص) ظهرت له عدة معاجز لم تظهر لغيره ، في حين يشترك الجميع بجملة من المعاجز .
حتى الإحياء ( إحياء الموتى بإذن الله ) لم يكن خاصاً بالنبي عيسى ، بل حصل على يدي عدة أنبياء ، وقد ورد ان حزقيال النبي احيى اربعة الاف او ثمانية الاف .
٣/١
ثانياً - أنتم تعتقدون ان النبي عيسى هو آخر الأنبياء ، اما نحن فنعتقد انه ليس آخر الأنبياء والمرسلين ، وإنما هو آخر أنبياء بني اسرائيل ..
فهو ليس اخر الأنبياء على الإطلاق ، لان الله تعالى بعث من بعده نبي الإسلام ، وهو نبي عربي اسمه ( محمد) يحث الناس ويدعوهم الى عبادة الله ، والاعتقاد والإيمان بجميع الأنبياء السابقين ، وهذا النبي العربي جاء بمعجزات وآيات مشابهة لمعجزات عيسى (ع) ..
كما ان لديه معجزة خالدة هي القرآن المقدس ، فهذا الكتاب يعجز عنه كل الأدباء والبلغاء منذ ذلك الحين والى الان ، والى نهاية الوجود ..
وسر هذا الإعجاز يكمن في ان صياغته وترتيبه ، هما فوق جميع القابليات البشرية ، وجميع العلماء والبلغاء لا يستطيعون مجاراته أبداً ..
ورغم انه بسيط في تعبيراته ، الا انه عميق في أفكاره ومحتوياته ، التي تلائم جميع العصور والأجيال والحضارات ..
وتوجد في هذا الكتاب حلول جذرية للكثير من مشاكل العالم ، سواء كانت فكرية او اخلاقية أو اقتصادية أو اجتماعية أو نحو ذلك .
وميزة هذا الكتاب أنه محفوظ من دون أدنى شك ، لأنه متواتر من جيل الى جيل ، ومأخوذ يداً بيد عمن قبلنا ، بنفس ترتيبه وصياغته ، وبنفس نصوصه وكلماته ..
فماذا ستخسرون اذا آمنتم وإعتقدتم بهذا النبي ، بنبينا محمد (ص) ، كما نؤمن نحن ونعتقد بنبيكم عيسى (ع) ..
فان الله تعالى الذي أرسل نبيكم عيسى (ع) هو نفسه الذي أرسل نبينا محمد (ص) ، فلماذا تعصون أوامر الله تعالى في نبيه محمد (ص) ..
أما نحن المسلمون فنعتقد بجميع الأنبياء والمرسلين ، ونؤمن بمنزلتهم المقدسة ، بل نحن نعتقد بعصمتهم وطهارتهم من جميع الذنوب والخطايا ، ولذلك فنحن في أمان من هذه الناحية ..
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا آمِنوا بِاللَّهِ وَرَسولِهِ وَالكِتابِ الَّذي نَزَّلَ عَلى رَسولِهِ ، وَالكِتابِ الَّذي أَنزَلَ مِن قَبلُ ، وَمَن يَكفُر بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَقَد ضَلَّ ضَلالًا بَعيدًا ) سورة النساء - ١٣٦
ثالثاً - توجد حقيقة مهمة ينبغي أن نشير اليها ، وهي أن الاسلام يعتبر أحوط وأسلم الأديان السماوية ، فضلاً عن سائر المعتقدات المادية والروحية ..
أما الكافر فإنه مغامر بآخرته ، مقامر بمصيره ..
يكفي ان نقول له كما قال أحد أئمتنا (ع) لبعض الكافرين :
إن كان قولكما فلست بخاسرٍ
أو كان قولي ، فالوبال عليكما
فالمسلم لايخسر شيئاً في جميع الأحوال ، هو يعيش دنياه كما يعيشها الكافر ، وسيعيش آخرته في الجنة والنعيم بإذن الله تعالى ، في حين سيكون الويل والثبور والحسرة عاقبة أمر الكافر اذا تبين له فيما بعد ان هناك آخرة وحساب وجزاء وعقاب .
وأما أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين فإنهم مطالبون واقعاً بالبحث عن الإسلام ، لأن الدين الاسلامي دين سماوي مثل اليهودية والمسيحية ، أي أنه من نفس نوعهما ، وبنفس منشأهما ومبدئهما ..
ولكنه لما كان لاحقاً لهما ، فيكون عندئذ حاكما عليهما ، خصوصاً وأنه يذكرهما بالإسم ويدعوهما اليه .
ولاموجب لأن يبحث المسلم عن اليهودية والمسيحية ، لأنه مؤمن أساساً بنبوة النبي موسى والنبي عيسى (عليهما السلام ) ، بل هو ينظر إليهما بتقديس وإجلال ، وينزههما عن كل سوء ، بمقدار أكبر وأكثر مما يتصوره اليهودي أو المسيحي ..
أما هؤلاء فيحتاجون ان يبحثوا بوعي وصدق عن هذا النبي الذي أرسله الله تعالى بعد موسى وعيسى (ع) كما أرسلهما من قبله ، وكما أرسل الأنبياء من قبله ..
واذا لم يبحثوا عنه فإنهم يغامرون بدينهم وبمصيرهم ..
وسيخسرون كل شيء اذا تبين لهم فيما بعد ان النبي محمد (ص) نبي الله ، وان الاسلام دين الله ..
أما المسلم فإنه مرتاح من هذه الناحية ، فهو يمشي في الطريق الأسلم ، ويسير على الصراط الأقوم ، وعمل بما هو أحوط وأكثر أمناً وأماناً في دنياه وآخرته ، في جميع الأحوال والتقادير ..
وهذه نعمة عظيمة خاصة بالمسلم ، وفضل كبير يمتاز به عن غيره .
رابعاً - انتم تظنون ان الحرية الشخصية مطلقة وغير مقيدة ، وكل شخص منكم حر في ان يفعل أي شيء يهواه ويريده ، فيستطيع ان يزني أو يشرب الخمر ، ويشاهد الأفلام والصور الخليعة ، وان يفعل كل ما يهواه في دنياه ..
بينما نعتقد نحن المسلمون ان هذه الحرية مقيدة ومحددة بالتعاليم الدينية ، وان أوامر الله تعالى شاملة بمعنى من المعاني لمطلق تصرفات الإنسان الفردية والإجتماعية ، وان طاعة الله واجبة على خلقه ، وان الثواب والعقاب متوقف على الطاعة والعصيان ..
ونحن نعتقد أيضاً أن هذه الحقيقة موجودة في دينكم ، ولكنكم لاتعلمون أو لاتهتمون ..
فاذهبوا واسألوا علمائكم الثقات عن تفاصيل الشريعة في دينكم ..
اسألوهم هل كان المسيح يسوع السائح في ملكوت الله يفعل مثل هذه الأمور التي تعود أغلبكم عليها ؟
اسألوهم هل كانت مريم العذراء الطاهرة النقية تفعل مثل هذه الأمور التي ترتكبها أغلب النساء في مجتمعاتكم ، من التهتك وكشف المفاتن أمام الآخرين ، وحرية الإختلاط الجنسي ونحو ذلك ؟
اسألوهم هل كان بطرس أو ماثيو يفعلون مثل هذه الأمور ؟
بالتأكيد انهم كانوا اناساً طاهرين ، وكانوا يتورعون عن مثل هذه التصرفات ، وكانوا نزيهين ويمتازون بالصفات العالية ..
فكيف تدعون أنكم مسيحيون ، وأنتم بعيدون عن أخلاق المسيح وأمه وخيرة حوارييه ..
كيف تسمون أنفسكم مسيحيين ، وأنتم لا تلتزمون بتشريعات المسيح ، ولاتأخذون بنصائحه وتعاليمه في تصرفاتكم الحياتية ..
أين أنتم من الحياة الآخرة ، ان كنتم تؤمنون بها حقاً ..
الذهاب الى الكنيسة كل أسبوع لايكفي ، وإنما هو مظهر ينبغي أن يعبر عن جوهر ومضمون في داخلكم وفِي تصرفاتكم مع خالقكم الله تعالى ..
لاحظوا كبار رهبانكم كيف يفترض أنهم يجتنبون المحرمات ويتنزهون عن المفاسد ..
لاحظوا راهباتكم ، وهن يلبسن الحجاب ، ويحاولن التطهر من الموبقات والمحرمات ..
لانقول لكم كونوا رهباناً أو راهبات ، ولكن نقول لكم تعلموا وطبقوا الأخلاق والقيم التي يريدها الله تعالى ، ولو بالحد الأدنى المقبول عند الخالق جل جلاله .
ليكن معلوماً عندكم ان دين الله يأمركم بالآداب والاخلاق ، وينهاكم عن الفحشاء والرذائل ، وان الحرية الشخصية مقيدة بالآداب والتعاليم الإلهية ، وهذا ما نعتقد به نحن المسلمون .
خامساً - انتم تظنون ان التقدم في التسلح والعمران والتكنولوجيا ، هو معيار التقدم الحضاري ، وأنه أهم شيء وغاية في هذه الحياة ..
لكننا نعتقد ان هذا مقياس باطل وخاطئ ؛ لان التقدم العلمي والعمراني والتكنولوجي مهم جداً ، ولكنه يجب أن يستند على الأخلاق والآداب والدين ؛ وإلا فانه سيكون كارثة على البشرية ..
وفِي الختام تعالوا نتفق على كلمة سواء بيننا وبينكم ، فان الرب واحد ، والانبياء اخوة ..
فلماذا لا نكون نحن اخوة في الدين الالهي ،
أقرؤوا كتبنا وثقافتنا من مصادرنا الموثوقة المتسالم عليها بين المسلمين ، ولاتأخذوا ديننا من أعدائنا الذين ينتسبون الى الإسلام ، وهم بعيدون عنه وعن قيمه وروحه ..
تماماً كما نفعل نحن مع الحركات أو الحملات التي نشأت وحاربت بإسم الصليبية والمسيحية ، ونحن نعتقد ان الدين المسيحي بريء منها .
تأملوا جيداً في ديننا الاسلامي ، لتعرفوا انه دين الله خالق الوجود ..
( قُل يا أَهلَ الكِتابِ تَعالَوا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَينَنا وَبَينَكُم أَلّا نَعبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشرِكَ بِهِ شَيئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعضُنا بَعضًا أَربابًا مِن دونِ اللَّهِ ) سورة آل عمران - ٦٤