بحثٌ بجامعة هارفارد: على الرغم من تفوق إسرائيل العسكريّ الواضح فالردع مع حزب الله أصبح مُتبادلاً وقد يمنعها من تحويل المُواجهة القادمة لحربٍ شاملةٍ
2017-02-06 00:00:00 - المصدر: راي اليوم
الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
بحسب الوزير الإسرائيليّ، تساحي هنغبي، فإنّ اللقاء المُرتقب بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، المُزمع عقده في الخامس عشر من الشهر الجاري، سيُركّز على علاقات الدولة العبريّة مع الدول العربيّة السُنيّة، وسبل إخراجها من السر، كما هي قائمة اليوم، لأنّ ذلك يصب في مصلحة تل أبيب، على حدّ تعبيره.
وبحسب المعجم الإسرائيليّ، فإنّ القصد بالدول السُنيّة، التي تتقاسم الهموم مع تل أبيب، التهديد الإيرانيّ ومُحاربة الإرهاب، هو دول الخليج بقيادة السعوديّة. وللتذكير فإنّه في آذار (مارس) من العام 2016 اتخذّ مجلس التعاون الخليجيّ قرارًا يعتبر حزب الله منظمةً إرهابيّةً، وبالتالي حصلت إسرائيل على شرعيّةٍ عربيّةٍ من دولٍ وازنةٍ لشنّ عدوانٍ على حزب الله، الذي بات بالنسبة لتل أبيب تهديدًا إستراتيجيًا، وأكثر من ذلك، فإنّ وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، أكّد على أنّ ترسانة حزب الله الصاروخيّة أقوى بكثيرٍ من الترسانة الصاروخيّة لعددٍ من دول حلف شمال الأطلسيّ (الناتو).
وبناءً على ما تقدّم هل سيتمحور اللقاء بين ترامب ونتنياهو حول حزب الله؟ هل سيمنح الرئيس الأمريكيّ الضوء الأخضر لدولة الاحتلال بشنّ حرب لبنان الثالثة، علمًا أنّ هذا العدوان يتساوق مع مصالح الدول السُنيّة التي تسعى للاقتراب أكثر من تل أبيب، باعتبارها البوابة الآمنة إلى واشنطن؟.
وفي هذه العُجالة، من المهم الالتفات إلى الإسرائيليّ د. دانيال سوبلمان، وهو باحث ضيف في جامعة هارفرد، ورأيه عن التغيرات في ميزان الردع بين إسرائيل وحزب الله منذ سنوات. فقد نشر مؤخراً مقالاً في المجلة الفصلية الأكاديميّة “الأمن الدوليّ” يحلل فيه الردع المتبادل بين الطرفين منذ حرب 2006. وبرأيه فإنّ معادلة الردع التي تبلورت في العقد الأخير ناجحة في فرض استقرارٍ نسبيٍّ، تحديدًا في المكان الذي فشل فيه التوازن بينهما قبل الحرب.
وبحسب سوبلمان، كما كتب محلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس)، فإنّه على الرغم من تفوق إسرائيل العسكريّ الواضح، فقد تحول الردع إلى ردعٍ متبادلٍ. وحدث ذلك لأنّ الطرفين غيّرا مقاربتهما. ففي ما يتعلّق بحزب الله، درس قادته بعمق الكتب النظرية التي كتبت في هذا المجال وقرروا التصرف بما يتلاءم مع ما ورد فيها. ولفت إلى حزب الله يعمل “وفقاً للنظرية” ويمكن تقريبًا تفسير كل ما قاله قادته وفعلوه في العقد الماضي من خلال مصطلحات نظرية الردع. وتحدث الأمين العام للحزب حسن نصر الله عن ذلك بنفسه بطريقة واضحة في عشرات الخطابات التي يحللها سوبلمان في بحثه.
وبحسبه، فإنّ التفسير الأساسيّ لعقدٍ من الاستقرار الردعي، هو أنّ اللاعبين تعلمّا تبنّي إستراتيجية ردع التزمت بالشروط النظرية للنجاح المنصوص عنها في المؤلفات النظرية. وجوهر المسألة بحسبه هو انقلاب الأدوار الناتج عن الردع، فقد ينجح لاعب ضعيف في ردع لاعب أكثر قوة إذا نجح في إقناعه بأنّه عندما تنشب الحرب فهو يملك قدرات تكتيكية سيكون لها تأثيرها الاستراتيجيّ على الجانب القوي، قال سوبلمان.
وفي الوقت عينه، يقنع الضعيف القوي كذلك بأن استخدام القدرات الإستراتيجيّة للطرف القويّ لن يؤدّي إلى ما هو أكثر من تأثيرات تكتيكية على الضعيف. ومن جرّاء الطرف الضعيف على تقليص حجم الضرر. وفي حالة حزب الله، فإنّ المقصود هو تقنيات الاختفاء والدفاع التي طوّرها الحزب والتي يأمل قادته بواسطتها أنْ ينجحوا في التغلب على تفوق إسرائيل في مجالي الجو والاستخبارات، إذا نشبت الحرب.
ويُتابع سوبلمان قائلاً إنّ المثير بصفةٍ خاصّةٍ في هذه القصة ليس ترسانة السلاح الكبيرة التي راكمها حزب الله، بل الطريقة التي يربط فيها الحزب هذه الترسانة بالمجال النفسيّ من أجل ردع إسرائيل، وكي يشرح لها مسبقًا الانعكاسات التي يمكن أن تنشأ عن حربٍ شاملةٍ.
بالإضافة إلى ذلك، شدّدّ الباحث الإسرائيليّ سوبلمان على أنّ حزب الله يعرض قدرته على تدفيع إسرائيل الثمن في جبهة القتال وفي الجبهة الداخليّة، وبينما تكتفي إسرائيل بتهديداتٍ عامّةٍ وبإعادة لبنان سنوات إلى الوراء، يُركّز نصر الله أكثر في تهديداته إلى حدّ التهديد بضرب منشآتٍ محددةٍ.
ولفت إلى أنّه قبل حرب 2006 لم يبرز مصطلح الردع أبدًا في خطابات نصر الله، ومنذ تلك الحرب لم يخل خطاب من ذكر هذا المصطلح. ولفت إلى أنّه بناءً على الدراسات فإنّه خلافًا للردع النوويّ، الردع التقليديّ يؤثر حتى اللحظة التي يتوقف فيها عن التأثير. لكن، خلُص د. سوبلمان إلى القول، كما ذكرت (هآرتس) العبريّة، أيضًا ربمّا إذا نشبت مواجهة، سترتدع إسرائيل في لحظة الحقيقة عن تحويلها بصورةٍ تلقائيةٍ إلى حربٍ شاملةٍ، أيْ أنّه من المحتمل أنْ يلجم الردع التدهور ويضع سقفًا لمستوى النار والضربات المتبادلة، على حدّ تعبيره.
مهما يكُن من أمر، فإنّ حزب الله وضع إسرائيل أمام تحدٍّ لم تعرفه في السابق، فمن ناحية، الدخول في حرب لبنان الثالثة، سيكون مُدمرًا للأطراف، بما في ذلك الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة، التي أكّد مراقب الدولة العبريّة عدم جاهزيتها لـ”استيعاب” آلاف الصواريخ التي سيُطلقها حزب الله، ولكن على المدى الإستراتيجيّ، يُشدّد أركان تل أبيب، لا يُمكن لإسرائيل مواصلة العيش في ظلّ التهديد المُتنامي القادم من الشمال والمتمثل بحزب الله، المدعوم من العدو الأوّل للدولة العبريّة: إيران.