نحو مراجعة لدور المرأة في الإسلام
كتاب "المرأة في الإسلام" للباحثة الإيرانية فريبا علاسوند نقل عن اللغة الفارسية وصدر أخيراً عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي.
كتاب "المرأة في الإسلام" للباحثة فريبا علاسوند
عندما يتحدث الكتاب عن المرأة في الإسلام يفترض أنه يتحدث من وجهة نظر أنثوية، وهو أمر مثير للفضول، خاصة وأن "فريبا علاسوند" قد درست في الحوزة العلمية وتابعت تحصيلها العلمي في المراحل العليا من الدراسات الحوزوية وتخصصت في الفقه وعلم الأصول. الأمر الثاني الذي يستحق التقدير في الكتاب هو متانة اللغة وسلاسة الكتابة وهو أمر يتعلق بمقدرة المترجمين للكتاب، واللذين يتمتعان بملكة اللغة التي تفتقرها العديد من الكتب المترجمة والتي تعاني من ضعف اللغة وخصوصاً تلك المترجمة من اللغات الأوروبية الى اللغة العربية.يطرح الكتاب مواضيعه من خلال ثلاثة أجزاء أساسية يتم من خلالها مناقشة وضع المرأة في الإسلام. الباب الأول هو المكانة والهوية، والثاني هو الحقوق والتكاليف، والثالث المرأة والمجتمع. يبدأ الجزء الأول بالبحث في العمق في النفس البشرية ليس عند المسلمين فقط وانما في أراء الفلاسفة خلال مراحل التاريخ في العالم، وتبدأ الكاتبة بطرح ما كتب من أيام أفلاطون وحتى ظهور الفلسفات المختلفة في نهاية القرن الثامن ومنها الفلسفات الوجودية والرومانسية والواقعية وغيرها من الفلسفات التي تناولت المرأة وطبيعتها بشكل خاص. ثم تقوم بالمقارنة ما بين وصف ماهية المرأة ما بين النظرات المختلفة وما بين ماهيتها وتكوينها ومكانتها في الإسلام مقارنة بتلك الفلسفات.وفي هذا الجزء بالذات تطرح غلاسوند بعض الإشتباهات من أفكار وأراء غير صحيحة، والتي تسود المجتمعات حول طبيعة المرأة. فمن التي تعتبرها مجتمعاتنا من المسلمات والحقائق التي تطرح أن المرأة وبحسب الديانات السماوية قد خُلقت من ضلع الرجل، بينما توضح غلاسوند أن هذا من الإسرائيليات، التي أخذت عن الميثولوجية السومرية، وأن هذا الإعتقاد ليس له أي أساس في القرآن الذي يعتبر أن النفس البشرية هي واحدة ومصدرها واحد عند الرجل وعند المرأة في الإسلام وفي الدين. غير أنها تعود لتناقش أن هذا التعبير وإن كان موجوداً فيجب أن لا يكون انتقاصاً من الطبيعة الروحية والبشرية للمرأة التي تتشارك إنسانيتها مع الرجل. وأكثر من ذلك، فإن مخاطبة القرآن للنساء والرجال في صيغتي المذكر والمؤنث هو الدليل على الكينونة الإنسانية وعلى وحدة الواجبات والحقوق. كما أن ما يلفت هو كثرة الإضافات في معتقدات الناس والتي تقلل من مكانة المرأة في المجتمع مثل القول المنسوب للإمام علي حول أن النساء ناقصات عقل ودين، فالحديث مُؤوّل وغير دقيق. وما غير ذلك من الأحاديث غير المثبته والمنسوبة للرسول (ص).ثم تنتقل الكاتبة إلى مناقشات هوية المرأة في الإسلام والأدوار الجنسانية لكل من الرجل والمرأة، ولا ننسى أن المقارنات هنا دائماً تتماشى مع تطور هوية المرأة في الغرب وتطور أدوارها في الغرب. وتعرض الباحثة للنظريات المختلفة في علم الإجتماع ومن ثم مقارنة ما وصل إليه الغرب مع ما جاء في الإسلام، لتصل إلى أدوار كل من المرأة والرجل سواء أكانت هذه الأدوار ثابتة أم متغيرة في الإسلام، لتناقش يعد ذلك في الفصول التالية كل من المساواة والنسوية وما إلى ذلك من مواضيع تحتاج الى قراءة للدخول الى تفصيلها.الباب الثاني في الكتاب تحت عنوان الحقوق والتكاليف، وهو نقاش تفصيلي حول حقوق المرأة وواجباتها. ولم تأنِ الكاتبة بأي توضح جديد أو تجديد في هذا المجال، فهي هنا تستعرض الكتابات السابقة والتفسيرات لمن مضى من الفقهاء. ضمن هذا الإطار، ليس هناك من جديد وليس هناك من تغيير. وفي هذا الباب أيضاً تنتقل الباحثة الى النظريات التي تتعلق بالأمومة وعمل المرأة ودورها في المنزل والمقارنة ما بين المرأة الأوروبية وما بين المرأة المسلمة. وحتى في دور المرأة داخل منزلها، فإنها لا تخرج عن الإطار التقليدي الإجتماعي الذي رسم للمرأة في منزلها والذي لا علاقة له بالدين والواجبات المناطة بها دينياً، وحيث أنها في أوقات عدة كانت تخلط ما بين ما هو من العادات والتقاليد وما هو من أصل الدين على أنهما واحد. والملفت وأنها إبنة ايران التي يبرز فيها دور المرأة بشكل جلّي: فالمتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية سيدة، كما دخلت المرأة جميع الميادين في ايران، وحقوقها كزوجة محفوظة كما المرأة الأوروبية، ولكن الكاتبة لا تتناول المقارنات مع المرأة المسلمة في نماذج من دول عربية وإسلامية مختلفة. فدور ومكانة المرأة المسلمة في إندونيسيا تختلف تماماً عن دور المرأة ومكانتها في المملكة العربية السعودية. وحتى الإحصاءات التي ذكرتها حول حالات الطلاق في العالم، أو حول انخفاض معدل الولادات وبالتالي انخفاض المعدل السكاني في إيران كانت بالمقارنة مع أوروبا وليس مع باقي الدول الإسلامية. هذا مع العلم أنه يجب التوضيح هنا أن الشروحات حول مكانة المرأة أو حقوقها او واجباتها وعلاقتها بالرجل والعائلة والزواج والطلاق ودورها لا يخرج عن إطار التشريع الشيعي، أو عن إطار الفقه الشيعي في هذا الكتاب.تفرّق الكاتبة بين دور المرأة ودور الرجل في الإسلام عندما يتعلق الأمر بالدور السياسي والقيادي. ولربما أن التمييز هو متعلق بالبروز كقياديين للعلن، فالمرأة يحق لها المساهمة في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية وغيرها من المجالات، فأمهات الأئمة ساهمن في تشكيل شبكات تحافظ على العلاقة ما بين الإمام وشيعته، ويبرر ذلك أنه هذا العمل تم في ظرف حساس!! أما الباب الثالث فهو بعنوان المرأة والمجتمع، وهو يتناول ثلاثة عناوين أساسية هي دور المرأة في المتغيرات الإجتماعية، والمشاركة السياسية والمشاركة الإجتماعية وأخيراً عمل المرأة. حيث تبدأ الحديث عن التغييرات الإجتماعية والسياسية التي ساهمت فيها المرأة من خلال التظاهر والمشاركة بالثورات، حيث لعبت المرأة أدواراً أساسية غيرت من خلالها مسار الحكومات. غير أن تغير دور المرأة في المجتمع ودخولها الى مجالات العمل في إيران وحتى مدى ثباتها وقوتها فيه يشكل على أهميته حالة قلق بالنسبة للكاتبة علاسوند التي ترى أن الأدوار التي تلعبها المرأة في مختلف المجالات، إضافة الى دخولها الى سوق العمل، قد أدى الى تحديد النسل. حيث ابتدأت السيدات هناك بتحديد النسل ورفضن إنجاب أكثر من طفلين أو واحد في بعض الأحيان. وتتساءل الباحثة عما إذا كان تحديد النسل بذي نتائج إيجابية على التعداد السكاني في البلد أو في العالم الإسلامي، أي أن الدور الإجتماعي للمرأة المتعلق بالزواج والإنجاب والعلاقة مع المنزل والأولاد قد تغير كثيراً. أما بالنسبة لمشاركة المرأة في القضاء وفي العمل السياسي، وإن كان هناك بعض التناقض مع ما ذكر في الباب الأول من الكتاب، فليس هناك من دليل ديني حول موانع دينية تحيل دون حصول المرأة على منصب سياسي أو قضائي، وأن ما يعتمد عليه الفقهاء في نهاية الأمر هو الآية التي تقول "الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا وبما فضل بعضهم على بعض..." الآية 34 في سورة النساء. وليس هناك أي دليل آخر.عندما ابتدأت بقراءة الكتاب تأملت بكتابة فلسفية حول المرأة في الإسلام أكثر من الذي احتواه بين طياته. ولكن، وفي 540 صفحة، لم يأتِ بأكثر بكثير مما احتوته الكتب الأخرى حول المرأة في الإسلام، ويبدو أن أحداً من المتفقهين أسواء كان من النساء أم من الرجال على حد سواء لا يتجرأ على مناقشات الأحكام المفتى بها. فعلى سبيل المثال، الآية 34 والتي تتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة في داخل المنزل وعن واجباته تجاه الأسرة والبيت والزوجة بالذات هي التي تعطي الزوج الأفضلية، وذلك من خلال إنفاقه فقط، ومن خلال قدرة كل منهما الجسدية، وهذا الأمر لا يتعلق بالقدرة على القيادة والفصاحة والعلم والتنور والعمل وحتى القتال والحروب. ولقد وقفت خولة بنت الأزور حامية للرسول(ص) وقاتلت للدفاع عنه، وانبرت لذلك هي ومجموعة من النساء اللواتي حملن العصي للقتال والذود عن الرسول في معركة أحد. والسيدة خديجة هي الحاضن الأول للدين الإسلامي وقد قام الإسلام على مال خديجة، التي كانت واحدة من أهم تجار في مكة. ولكن وفي كل الأحوال، ومن خلال النقاشات التي يطرحها الكتاب حول الأحاديث المتداولة عن زمن ظهور الإسلام أو الأئمة وحول الأحكام التي بنيت على أحاديث يبدو أنها غير مثبتة أو يشك في حقيقة وجودها، أو حتى أحاديث يوخذ بها على أنها من الثوابت. وهذه الأحاديث منها ما هو أساس لنوع العلاقة ما بين الرجل والمرأة أو لرسم دور المرأة ومحدوديته فإذا كان الاسلام هو دين خير ورحمة فلا يمكن أن يقبل بأن يكون هذا الدين مصدراً للنقمة على المرأة. ويبدو أن المرأة بحسب الكتاب ما دامت عزباء فهي في حل من سلطة الرجل وتسلّطه، ولكن ما أن يعقد قرانها حتى يرمى بثقل العبودية على كل نفس من أنفاسها. فبموجب ما نتج اليه الكتاب، ليس للرجل أن يمنع زوجته من العمل أو المشاركة في الأعمال الإجتماعية والسياسية وليس هناك من موانع دينية اسلامية تحرم المرأة من أخذ مكانتها السياسية والإقتصادية والإنسانية في مجتمعاتنا، إلا مجموعة من القوانين التي تُنسب إلى الشرع، ومنها - بحسب الكتاب - ما لا يمكن أن تكون له علاقة بالدين وإنما علاقته الأولى والأخيرة بتنصيب وصي على المرأة وبهدر حقوقها باسم الدين لأن معظم الرجال لا يزالون يفضلون ذلك. عبير بسام كاتبة لبنانية.