اخبار العراق الان

غسيل الاموال، وتأثيره على الاقتصاد العراقي

غسيل الاموال، وتأثيره على الاقتصاد العراقي
غسيل الاموال، وتأثيره على الاقتصاد العراقي

2017-02-08 00:00:00 - المصدر: وكالة SNG الاخبارية


ما هو غسيل الاموال، وكيف يتم التعامل معه في العالم، وهل يوجد هذه الحالة في العراق، وماهي مصادره في البلاد.

يعتبر غسيل الأموال من المواضيع الساخنة على مستوى العالم، وتعمل الحكومات والجهات الأمنية والمؤسسات المالية، والمصرفية بشكل خاص، على مكافحته، لما يشكله من تهديد جدي للسلام والأمن العالمي.

تُعرف عملية غسيل الاموال او تبييض الأموال اقتصاديا بانها، “تحويل الأموال الناتجة عن ممارسة أنشطة غير شرعية إلى أموال تتمتع بمظهر قانوني سليم خصوصاً من حيث مصادرها”.

وقانونيا تعرف العملية بانها، “قبول الودائع أو الأموال المُستمدة من عمل غير مشروع أو إجرامي، وإخفاء مصدرها، أو التستر عليها، أو مساعدة أي شخص يُعد فاعلاً أصليا أو شريكاً في ذلك العمل على الإفلات من النتائج القانونية لفعله”.

وتمر عملية غسيل الأموال بعدة مراحل مثل، مرحلة الاحلال، حيث يتم تجميع كميات كبيرة من النقود السائلة”الكاش”، وتعد هذه المرحلة الاصعب لاحتمال انكشاف امر الاموال، ومرحلة التغطية،  وهي اقل خطورة حيث يتم فيها ادخال الأموال الوسخة في النظام المصرفي والمؤسسات العاملة أو المرتبطة به، حيث يتم إخفاء علاقة هذه الأموال بمصادرها غير المشروعة، والمرحلة الثالثة تسمى الدمج، وهي المرحلة الأخيرة، التي يتم فيها دمج الأموال غير المشروعة في مختلف العمليات المالية والاقتصادية ، وتنقل الأموال من بنك إلى آخر أو نقلها خارج الدولة.

يقول صندوق النقد الدولي في احصائية له نشر مؤخرا، إن حجم تجارة غسيل الأموال يبلغ ما بين 950 مليار دولار و1.5 تريليون دولار في العالم، وهذا كفيل بأن يضع الاقتصاد العالمي في موقف حرج.

وشكلت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لجنة مالية دولية لمكافحة غسيل الامول، من (26) دولة عضواً من بينها مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، إضافة إلى المفوضية الأوروبية، وعملت على جدولة الدول التي تجري فيها عمليات غسيل الاموال المشبوهة .

كيف تتم عملية غسيل الاموال في العراق

البلدان الشرق اوسطية او العربية تتم فيه عملية غسيل الاموال بسهولة اكبر، لان النظام المصرفي العربي، الذي يعتمد السرية المصرفية التامة، أرضية خصبة تحاول المافيا استغلال تلك السرية لتنفيذ عمليات غسيل الأموال، حيث تشكل عائقاً أمام مراقبة تلك الاموال، والتعامل الكثيف بالعملات الأجنبية بدلا من العملة الوطنية في الحسابات المصرفية وعمليات البيع والشراء.

والعراق بصفته احد الدول العربية، فأنه وخاصة بعد العام 2003 وما شهده البلاد، من غياب الرقابة الحكومية بكل مؤسساتها، وما خلفه من تدمير للبنى التحتية وانكشاف السوق العراقية، اصبح بيئة ملائمة لغسيل الاموال.

وقد كان للبيئة الداخلية وغياب الدولة بكامل اجهزتها ومؤسساتها دور في ولادة هذه الحالة بشكل واضح؛ ولغياب دولة القانون والاجهزة الرقابية وسياسة الاغراق، والسوق السوداء ،واعتماد سياسة السوق المفتوح امام الاسواق العالمية بما فيها من سلع جديدة ورديئة، فضلا عن فتح الحدود مع العالم دون قيد او شرط ويدعم ذلك سهولة تداول الاموال وتحويلها الى الخارج وضعف القطاعات الانتاجية على توفير السلع والخدمات.

وكان لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، والانفلات الامني وعدم وجود سياسات اقتصادية مستقرة واضحة المعالم، وشيوع تجاره الممنوعات والسلع غير الخاضعة للرقابة وتزايد معدلات الجريمة بكل انواعها، دور في ازدياد عمليات غسيل الاموال.

واصبح العراق الملاذ الامن للقيام بجريمة غسل الاموال من قبل المافيات، فضلا عن الاسواق الجديدة التي انشئت في العالم، بظل العولمة، وليس لها موقع جغرافي يمكن السيطرة علية وتزايد حجم الجريمة الاقتصادية في العالم، واعلان بعض الدول من جهتها قبولها الاموال غير المشروعة وتقديم التسهيلات لها مقابل فوائد عالية.

غسيل الاموال في العراق غير معقد

وعملية غسيل الاموال بالعراق ليست معقدة من حيث المراحل، حيث تدخل الاموال بسهول عالية الى البلاد، دون المرور بالمراحل التي ذكرناها، نتيجة تردي الوضع الأمني في العراق وعدم كفاءة الأجهزة الرقابية الحكومية؛ الأمر الذي يجعل الاقتصاد العراقي عرضة للتخريب، وقد سُجلت الاف الحالات لدى بعض الأجهزة الرقابية وبخاصةً في محافظات الوسط والجنوب حيث يمارس الأشخاص نشاطات غسيل الأموال بسهولة؛ ومما يساعدهم على ذلك التطور الحاصل في القطاع المالي والمصرفي الذي سرّعَ من عمليات التحايل، بالإضافة الى النظام الآلي لتحويل الأموال، الذي سهل إتمام عمليات مشبوهة لغسيل الأموال.

استخدام شبكة الانترنت ايضا، هي الأخرى ادت إلى توسع عمليات التحايل من خلال استخدامها من قبل عصابات غسيل الأموال للاستفادة من السرعة الخاطفة للتحويلات النقدية عبر العالم، أو بين الحسابات في الدولة الواحدة، وتبين أن (25%) من الرسائل الالكترونية المرسلة بين البنوك والأشخاص لا تتضمن المعلومات التفصيلية الخاصة بهذه التحويلات، وساعد الظرف الاستثنائي الذي يمر به العراق في تصاعد العمليات الإرهابية بدعم من دول أخرى.

ومصادر غسيل الاموال في العراق مختلفة كثيرا عن الدول الاخرى وخاصة المتقدمة، وهي على الاكثر من سرقات المصارف والبنوك بعد العام 2003، والتي تمثل نسبة عالية في تكوين وعاء غسيل الاموال في العراق، وكذلك الاموال المتأتية من سرقة الاثار الثمينة وتهريبها، وبيعها في دول العالم المختلفة، ويأتي تهريب النفط، وتهريب المكائن والآلات والمعدات والمصانع الى الخارج ثانيا من حيث مصادر غسيل الاموال، اضافة الى عمليات السرقة والخطف، والاموال المخصصة لاعادة الاعمار التي تتجه نحو اقامة مشاريع وتقديم خدمات وهمية .

مصدر اخر من مصادر غسيل الاموال يأتي من المتاجرة بالمخدرات والرشوة والفساد الاداري، والتربح من الوظائف العامة، والاموال التي كانت بذمة مسؤولي المالية في بعض مؤسسات الدولة خلال الحرب الاخيرة، .والشركات الوهمية.

تأثير غسيل الاموال على العراق

كان لغسيل الاموال في العراق تأثير كبير على اضعاف الدخل القومي من خلال استنزاف رؤوس الاموال (العملات الصعبة )، وقد تم تهريب رؤوس الاموال الى الخارج مما ادى الى اختلال التوازن بين الادخار والاستهلاك.

وقد اثر غسيل الاموال بشكل كبير في عدم الاستقرار النقدي (سعر الصرف)في البلاد، وادى الى توزيع الدخل وتركزه بيد فئة قليلة اثر سلبا المجتمع، وتسبب في استنزاف الاقتصاد الوطني لصالح الاقتصاديات الخارجية واستقطاعات من الدخل القومي.

وساهمت عمليات غسل الاموال في انتشار الفساد والجرائم الاجتماعية والفساد الاداري والرشوة وغير ذلك، وانخفاض المستوى المعاشي المواطنين من خلال توفير السلع والخدمات المغشوشة.

العراق من بين الدول الاكثر فسادا في العالم

ذكرت منظمة الشفافية العالمية في احصائية لها حول الدول الاكثر فسادا في العالم للعام 2016، وقد جاء العراق بين الدول المتقدمة من حيث الفساد الى جانب بعض الدول العربية.

من جهتها اكدت اللجنة المالية في البرلمان العراقي في تقرير لها، عن وجود فساد مالي كبير في فترة تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء لتشكيلتين حكوميتين، وقالت ان رموز الفساد في فترة المالكي كانت، بنوك، ومصارف، وشركات، وشخصيات زورت وثائق لتهرب مبالغ مالية ضخمة نحو عدة بلدان.

ونشرت اللجنة  وثائق رسمية عن عمليات تهريب منظمة لمليارات الدولارات، جرت عبر مزاد بيع العملة الصعبة لعدد من المصارف والشركات المالية بين 2006 و2014 أبان حكم المالكي.

وقال رئيس هيئة النزاهة الأسبق القاضي رحيم العكيلي في 9/8/2015،  “هناك تقارير للرقابة المالية في 2010 عن فساد غسيل الاموال في العراق، ولكن النفوذ السياسي السلطوي للفاسدين لا يسمح بملاحقة وكشف الحقائق للذين يعبثون بأموال الدولة”.

وأشار الى ان “المالكي قام بإزاحة سنان الشبيبي عن إدارة البنك المركزي العراقي والاستيلاء على الثروة أو الكنز الهائل داخل هذه المؤسسة؛ للتحكم بالنقد العراقي وهذا ما حصل لاحقا”، مضيفا “انه وبعد إزاحة الشبيبي عن البنك المركزي العراقي زاد التلاعب بسعر الصرف واكد هذا الكلام رئيس اللجنة المالية النيابية في البرلمان العراقي في عام 2013 الدكتور أحمد الجلبي، اذ كان يتحدث عن أن التلاعب بأسعار الصرف في البنك المركزي العراقي وعن أزمة تتعلق بانخفاض مستوى الدينار العراقي وصعود سعر الدولار، نتيجة تحكم جهة سياسية بالبنك المركزي بالفرق بسعر الصرف، مما حقق لها ربح مليارات الدولارات”.

واوضح، “انه قام بجمع معلومات حول شخص حول إلى الاردن مبلغ 1.5 مليون دولار لشراء عقار وتبين أن هذا الشخص قريب من رئيس الوزراء، وكان البنك المركزي الأردني شك في تحويل المبلغ؛ اذ تعد الأردن من الدول المتقدمة لمكافحة غسل الأموال”.

ساعد انعدام الشفافية في عمل البنك المركزي في عمليات غسيل الاموال في العراق وشحة المعلومات التي تخص التحويلات الخارجية للأموال العراقية عنها داخل المؤسسات الرسمية البنك المركزي العراقي، والذي ما زال مصرا على اعتماد السرية المصرفية، التي في الحقيقة لا تساعد في مواجهة جرائم غسيل الأموال.”

واضاف العكيلي، ان مكتب مكافحة غسل الأموال لم يقدم منذ العام 2004 جريمة واحدة للتحقيق فيها، علما بأن 551 مليار دولار من عائدات النفط لم تدخل خزينة الدولة، بل هربت إلى الخارج، لكن تهريب الأموال لم تكن تضطلع به المصارف فقط.

قضايا غسيل اموال اغلقت

يبدو ان البنك المركزي العراقي متورط وربما خضع لضغوط وتعليمات من جهات سياسية، ويقول العكيلي ان البعض في القضاء العراقي فاسد، لان 2500 قضية غسل أموال أقفلها قاض عراقي، فكوفئ على ذلك بالمال وبإجازة ستة أشهر قضاها في لبنان.

من جهته قال الخبير الاقتصادي همام الشماع، إن الأموال المهربة كانت تلجأ إلى أماكن آمنة خارج العراق وتدخل الشبكة المصرفية لتصبح نظيفة بعد أن كانت قذرة، لافتا إلى أن البنك المركزي العراقي هو الذي كان يشرعن غسل الأموال القذرة.

وأشار الشماع ان العديد من الشركات الوهمية ترسل العملات للخارج، وتحت اعين الحكومة، حيث أن السرّاق يحولون الأموال تحت حماية مسؤولية الحكومة العراقية إلى الدول الاخرى، أي ملاذ آمن لكي تدخل الشبكة المصرفية وتصبح بعد ذلك أموالا تسمى أموالا نظيفة، ويدفعون عليها عمولات عالية.

خسائر العراق من غسيل الاموال

ذكرت اللجنة المالية عن قيمة الفساد من غسيل العملة، مؤكدة انها كبدت البلاد خسارة قيمتها 360 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2006 و2014 أي حوالي 4 مليار شهريا، وذلك ما أكدته بشكل أو بآخر منظمة الشفافية الدولية بإدراجها العراق ضمن الدول الست الأكثر فسادا في العالم،

يذكر انه وبسبب تسلط قوى سياسية وجهات فاسدة في العراق، فأن من الصعب ملاحقة جريمة غسيل الاموال، ولا توجد نية لاستعادة اموال العراق المسروقة، ولا القدرة الفعلية على ذلك، وقد انعكس ذلك بشكل كبير على الاقتصاد العراقي والمواطن العادي،الذي لا يزال يعاني الجوع والحرمان حيث أصبحت المظلومية تشمل كل مكونات الشعب، والعراق اليوم يعيش ازمة مالية حقيقية وتشهد الميزانية العامة للبلاد سنويا عجزا كبيرا فيها.

لذا على الجهات المسؤولة من اللجنة المالية والنزاهة والقضاء العمل لاسترداد اموال العراق المنهوبة، والمحافظة على سيادة الدولة العراقية بالمحافظة على خزينة الدولة وضرورة العمل على إصدار قانون خاص بمكافحة جريمة غسيل الأموال في العراق، فهل سيقوم المسؤولون في البلاد بملاحقة مافيات غسيل الاموال وتتم مكافحة الحالة بطريقة ناجعة ام أن الحالة ستنتشر بشكل اكبر ويستمر المتعاملون بغسيل الاموال في سرقة اموال الشعب.