د. حسين البناء: فراغ رهيب في الشرق الأوسط!
2017-02-13 00:00:00 - المصدر: راي اليوم
د. حسين البناء
معلوم في الفيزياء كما في السياسة أن الفراغ حالة شاذة وسلبية لا تقبلها قواعد المنطق ولا نواميس الحياة، فمتى حل الفراغ في مكان فإنه سرعان ما يستقطب الطاقة والمادة من محيطة لملئه وتحقيق حالة الاتزان بين المركز والمحيط.
هذا حال الشرق العربي منذ أن هل ربيعنا العربي في 2011 وما قبل أبان الاحتلال الأمريكي للعراق وما بعد عندما أعادت الدولة العربية “العميقة” استدعاء كل طاقاتها لإعادة تشكيل هيكل السلطة ورموزها كما كانت قبل “ثورات الربيع العربي” وربما بما هو أسوأ على هيئة ثورة مضادة والاجتهاد في إفشال روح وتضليل مسار الربيع العربي الذي يؤمن كثيرون بأن ظروفه جد موضوعية في ظل الفساد والتسلط والتخلف الذي عاشه الإنسان العربي لنصف عقد من الزمان.
إن انتهاء أدوار وحضور القوى العربية التأريخية كمصر وسوريا والعراق والسعودية أحدث فراغا رهيبا في المنطقة، فالعراق ما بعد الاحتلال والتدمير والصراعات الطائفية والتفكك والإرهاب ما عاد حاضرا لا جسدا ولا روحا في المحافل الإقليمية ولا الدولية.
أما سوريا فهي غارقة حتى الذقن في صراع لانهائي بين فصائل الثورة والتنظيمات المتطرفة والنظام وبات جليا بأن الكلمة واليد الطولى لروسيا وإيران في تقرير مصير البلد وآفاق الحل فيه، وكذلك مصر الكنانة المشبعة بالأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية بالكاد تلملم جراحها.
أما السعودية من بعد هبوط أسعار النفط والتورط في تمويل حرب اليمن وسوريا غدت على قائمة المتأزمين اقتصاديا أمام عجز مالي غير مسبوق.
أمام ذلك الانحسار للدور العربي التقليدي والطبيعي في المنطقة كان متوقعا تحرك القوى الإقليمية لملأ الفراغ الحاصل، فإيران على عتبة المعرفة النووية وعلى عتبة بسط سيطرتها التامة على سوريا والعراق ولبنان واليمن، مستثمرة البعد المذهبي ومغدقة على وكلائها هناك بالمال والسلاح والرجال.
أما تركيا التي تبتعد عن الاتحاد الاوروبي “المتفكك” وتقترب من أحلام الخلافة العثمانية فإنها أقوى مما سبق بكثير، فقد تم تحييد نفوذ العسكر، وبسط الحزب الحاكم سيطرته على مفاصل السلطة، وانتعش الاقتصاد، وباتت انقرة تبحث عن أدوار “جريئة” ليس في الدراما فحسب بل على صعيد حماية مصالحها من الأكراد وفرض رؤيتها في المنطقة وربما سيكون ملف المياه وكردستان والاتحاد الأوروبي والهجرة ملفات لن تمرر إلا بمباركة حكومة أردوغان ونفوذه في الدستور الجديد.
في إسرائيل هنالك “نشوة” غير مسبوقة تاريخيا في ظل غياب محاور التهديد الوجودي لها، ذلك الثالوث الذي لطالما أرق مضجع الصهاينة في تل أبيب، مثلث القاهرة – بغداد – دمشق، وبمقدار ما كانت إسرائيل متخوفة من تبعات الربيع العربي فإنها اليوم مطمئنة بأن الحضور العربي بات مهددا أكثر من وجودها هي ذاتها، من بعد التمدد الإيراني والتركي وتقاطع بعض الملفات والمصالح بين الثالوث البديل، طهران- أنقرة – تل أبيب.
قد لا يكون من باب المبالغة القول أن الوجود العربي أصبح بحد ذاته مهددا وربما لأول مرة في الشرق العربي، وليس خافيا بأن طريق الحل شاق وبعيد، وربما لن تقوم لنا قائمة ما لم يدرك متخذ القرار ومراكز السلطة بأنه لا أفق للحل بدون الإيمان المقترن بالعمل بأن ( الديمقراطية والحرية وتمكين المواطن العربي المهمش والتنمية الاقتصادية والعدالة ومكافحة الفساد والتسلط ) فقط هي أدوات العبور للقرن القادم.
أكاديمي وكاتب