فلين الضحية الأولى لانتقام الأجهزة من ترامب
أعقب إعلان "الاقالة،" تغريد ترامب على "تويتر" في 15 شباط/فبراير الجاري، بالقول إن "(شبه جزيرة) القرم استحوذت عليها روسيا خلال إدارة الرئيس باراك اوباما. هل كان أوباما شديد الليونة مع روسيا؟"، وزاد عليه الناطق الرسمي للبيت الابيض، شون سبايسر، في مؤتمره الصحافي اليومي بالقول "نتوقع من روسيا إعادة شبه جزيرة القرم".
السؤال الجوهري الذي وصفه ترامب بدقة هو، هل ارتكب مستشاره للأمن القومي "خطيئة" لها أبعاد استراتيجية تحتم إقالته، أم أن اتصاله مع السفير الروسي في واشنطن أمر عادي يندرج ضمن مهامه وصلاحياته. في أول مؤتمر صحافي عقده بعد "الاقالة" أوضح ترامب لجمهور الصحافيين، أن حادث الاتصال بحد ذاته مبرر ويقع ضمن المهام المنوطة بطاقمه "وإن لم يقم بذلك فسوف أكلفه القيام به".
إذن لماذا "قَبِل" ترامب التخلي عن مستشاره الحميم؟ هذا يعيدنا إلى جوهر المسألة التي شكلت بؤرة صدام بين القادم حديثاً للبيت الابيض ومجموعة المؤسسات الاستخباراتية والسياسية الاخرى، التي تشاءمت من تصريحات الثنائي ترامب وفلين حول "نهج التعايش مع روسيا بدلاً من نهج التصعيد للأعلى، وبمستوى الحرب الباردة" التي سادت منذ منتصف القرن المنصرم.
مسألة صراع أجهزة الاستخبارات والبيت الابيض خرجت من حيز التكهن والتحليل إلى التداول العام من قبل المؤسسات الاعلامية بمجموعها، تسريباً وتلميحاً، والتي اعتبرت الاقالة "انتصاراً" للسردية الاميركية الرسمية التي تتربص بترامب لتقييد خياراته، وربما لما هو أبعد من ذلك.
يشار إلى أن الخطاب السياسي لترامب، أثناء حملته الانتخابية وبعدها، أرسى ارتياحاً في الاوساط العالمية لنيته "بلورة آفاق نستطيع فيها التعاون سوياً مع روسيا" في سياق التصدي الكوني للارهاب. وعليه، لم يضمر "المحافظون الجدد" ومخلفاتهم في الاجهزة الرسمية الأميركية عزمهم على تعديل سياسة البيت الابيض فقط، بل وضع ما يستطاع فعله من عراقيل أمامه.
أما مستقبل ترامب عقب الهزة الشديدة التي تلقاها، فيبدو أنه سيتأثر سلباً بما جنت يداه من النزول عند رغبة، ما أضحى مفردة يومية في المشهد السياسي توصيف، "الدولة العميقة" أو "دولة الظل" التي تتضمن المؤسسات الاستخباراتية المتعددة والبنى السياسية الرسمية في الحزبين، إضافة لأخطبوط الإعلام الأميركي. باختصار شديد هو ترميز لكل ما يمت للنموذج الاقتصادي "النيوليبرالي"، الذي يعتاش على خصخصة المؤسسات العامة ومرافق الدولة المختلفة، لا سيما الأمن والاستخبارات.
ترامب، في تقدير ثبت أنه مركز مقتله، وجه سهام انتقاداته المباشرة للاجهزة الاستخباراتية والمؤسسات الاعلامية، ما يفسر بعض الشيء تلاحم "معسكر أعداء" ترامب، ناهيك عن المصالح الاقتصادية الكبرى في قطاعي النفط والمصارف المالية وإن بدرجة أقل حدة.
للتدليل على عمق الشرخ بين المؤسسة التقليدية والرئيس ترامب، نقلت أسبوعية "ذي نيشن"، في عددها الاخير، عن ضابط سابق في وكالة الأمن القومي، جون شيندلر، قوله إن زملاءه داخل "المؤسسة العميقة" قد وضعوا ترامب نصب أعينهم ما يعني أن "ترامب سيقضي صريعاً في سجنه" أي خلال ولايته الرئاسية، وليس بالضرورة بالمعنى الحرفي للتعبير.
وحول سوريا، من المفيد المرور على مذكرة أعدها مايكل فلين، عام 2012، ضمن مسؤوليته كمدير جهاز الاستخبارات العسكرية والتي "انتقد" فيها الدعم الاميركي "للمعارضة السورية .. والذي من شأنه أن يؤدي إلى إنشاء كيان سلفي، معلن أو سري، في الشطر الشرقي من سوريا".
ويجدر لفت الانتباه أيضاً إلى "توقيت" إفراج وكالة الاستخبارات المركزية، السي آي ايه، مطلع الاسبوع الجاري، عن مذكرة داخلية تتعلق بتغيير النظام السوري مؤرخة في 30 تموز/يوليو 1986، بعنوان سوريا: سيناريوهات للتغيير السياسي الجذري استعرضت "جملة من الاحتمالات قد تؤدي للإطاحة بالرئيس الأسد (الاب) أو تسفر عن تغيير جذري ما في سوريا لسنوات قادمة"، إبان عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان، وفي أعقاب فشل تنظيم الاخوان المسلمين – فرع سوريا، من مركز ثقله في مدينة حماة، في استدراج دمشق لأتون حرب أهلية.
وفي الشأن السوري أيضاً، أفرجت السي آي ايه عن مذكرة سرية أخرى تاريخها 14 ايلول/ سبتمبر 1983 بعنوان أعدّوا عضلات حقيقية لاستخدامها ضد سوريا تروج لاستخدام أراضي وإمكانات الدول المجاورة في إطلاق عمليات مسلحة للقوات الخاصة ضد سوريا بدعم "دول عربية". الحديث عن التدخل الأميركي في سوريا يتطلب فرد مساحة أوسع، ربما سيجري تناوله مفصلاً في المقبل من الزمن.
إستناداً إلى "خضوع" ترامب لضغوط المؤسسة الاستخباراتية عند أول منعطف له، كما يقول البعض، باستدارته والانقضاض على سياسته المنفتحة على روسيا، فمن المرجح أن يفعل ذلك أيضاً بسوريا نزولاً عند رغبة المتشددين، كانت أولى دلالاتها "تسريبات" منسوبة للبنتاغون تفيد بأن واشنطن تدرس "خيار" إرسال قوات برية ولو محدودة لسوريا.