أطفال إيزيديون مختطفون.. قنابل "موقوتة" بيد داعش في العراق
نينوى (العراق) / سرهاد شاكر / الأناضول
أثار ظهور طفلين إيزيديين شقيقين مختطفين من قضاء سنجار، شمالي العراق، منذ 2014، بمقطع مصور ترويجي لتنظيم "داعش" الإرهابي، وهما ينفذان عمليتين انتحاريتين ضد القوات العراقية خلال معارك النصف الشرقي لمدينة الموصل (شمال)، مخاوف واسعة لدى الإيزيديين على مصير مئات الأطفال الآخرين الذين لا يزالون في قبضة التنظيم.
النائب الإيزيدي في برلمان الإقليم الكردي شمالي العراق، الشيخ شامو نعمو، قال للأناضول: "لدينا نحو ثلاثة آلاف أسير لا يزالون في قبضة داعش لحد الآن، من بينهم نحو ألف و500 طفل، ومن هؤلاء نحو ألف من الذكور من الذين يتم تربيتهم على نهج داعش المتطرف، فمن غير المستغرب تنفيذ أعمال انتحارية من قبل طفلين إيزيديين بعد غسل عقولهم".
وأضاف نعمو أن "العمليتين الانتحاريتين تؤشر لوجود أخطار مستقبلية واسعة على الإيزيديين، في ظل وجود نحو ألف طفل إيزيدي تم التأثير على عقولهم، وربما باتوا أعداءً للإيزيديين أنفسهم".
وتابع: "لابد من إعادة تأهيل الأطفال الإيزيديين الأسرى لدى داعش، في حال تم إنقاذهم، وأرى أنه يمكن إصلاحهم".
ولم يستبعد نعمو أن يكون "داعش أعطى الانتحاريَين الإيزيديَين مواد مخدرة أو مهلوسة قبل تلغيميهما وإرسالهما لتفجير نفسيهما على القوات الأمنية العراقية".
وشدد النائب الإيزيدي على أن "هذين الطفلين الشقيقين لا يمثلان المجتمع الإيزيدي بأي حال من الأحوال، لكن عمليات غسل عقليهما في معسكرات أوصلتهما إلى ما وصلا إليه، وما حصل جانب من المأساة الإيزيدية، وأحد نتائج اجتياح داعش مناطق الإيزيديين".
واجتاح داعش، قضاء سنجار (124 كلم غرب الموصل)، والذي يمثل أبرز منطقة ينتشر فيها الإيزديون، في الثالث من أغسطس/آب 2014.
ووفق مصادر إيزيدية رسمية، فإن هناك نحو ثلاثة آلاف و600 مفقود ومختطف إيزيدي من النساء والرجال والأطفال، بأيدي "داعش"، بعد أن تم تحرير أكثر من ألفين و800 آخرين، أغلبهم جرى فك أسرهم بعد دفع أموال طائلة عبر شبكة معقدة من الوسطاء في العراق وسوريا.
ويَعتبر داعش، الإيزيديين "كفارا وعبدة الشيطان" ويجيز لعناصره قتلهم وسبي نسائهم.
واستعرض الشريط الدعائي لـ"داعش"، الذي أصدره في وقت سابق من فبراير/شباط 2017، وبثه المكتب الإعلامي لـ"ولاية نينوى"، مقاتلين صغارا من أطفال الإيزيديين يتدربون في إحدى المعسكرات، قال عنهم التنظيم إنهم "اهتدوا إلى الإسلام وكفروا بما كانوا يعبدون من دونه"، مشيراً إلى أن الكثير منهم نفذوا عمليات "انتحارية" في أوقات سابقة.
وظهر في الشريط، الذي حمل عنوان "فبِهداهم اقتده"، طفلان شقيقان من الإيزيديين نفذا عمليتين "انتحاريتين" ضد القوات العراقية في الموصل، أحدهما يدعى أمجد أبو يوسف السنجاري، بحسب الشريط، الذي قال باللغة الكردية إنهم "كانوا يعبدون الشيطان"، وأنهم "كانوا يعيشون في الجاهلية".
وأضاف أمجد أنهم تلقوا دروساً شرعية وانتسبوا إلى معسكر تابع للتنظيم في الشام، قبل تسجيلهم في قوائم الانتحاريين، كما أبدى استعداده لتنفيذ عملية انتحارية ضد "أعداء الله" ولو كانوا آباءهم.
فيما قال شقيقه الآخر ويدعى أسعد أبو الخطاب، إنهم من قرية تل قصبة بسنجار، مضيفا: "إن شاء الله، أنا وشقيقي ننغمس في أعداء الله، وننفذ عملية استشهادية"، بحسب ما جاء في التسجيل المصور.
وتعقيبا على ذلك، قال الإعلامي والناشط المدني الإيزيدي، خضر دوملي، للأناضول، إن "هذا الأمر لم يكن بعيدا عن توقعاتنا، وحسب متابعتي لهذا الملف عن كثب أتوقع أن يقوم داعش، بإظهار حالات أخرى مماثلة، لضرب المجتمع الإيزيدي الذي نال دعما دوليا بسبب جرائم داعش ضده".
وأضاف: "يبدو أن داعش، يريد أن يُظهر آخر أوراقه بزرع الفرقة والخلاف بين المكونات العراقية المختلفة؛ بحيث يؤدي إلى المزيد من الشقاق وردّات فعل من العراقيين تجاه الإيزيديين، وهذا دليل على أن بداية نهاية داعش، بدأت تلوح بالأفق".
ولفت دوملي إلى أنه "من المهم أن نكون حذرين كي لا ينعكس ما حصل على العلاقات بين الإيزيدية والآخرين (الديانات والمذاهب والعرقيات الأخرى)، وأيضا على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار أن هذه الحالات ستتكرر، وأن لا يتم معاقبة المجتمع الإيزيدي بسبب هؤلاء الذين تعرضوا لأبشع عمليات غسل للدماغ والتجنيد الإجباري والتجييش النفسي لكي يقوموا بهكذا أعمال إرهابية".
وأظهر مقطع الفيديو الذي بثه "داعش"، ولم يتسن للأناضول التأكد منه من مصادر مستقلة، لقطات من الجو لحظة تنفيذ الشقيقين لعمليتهما ضد القوات العراقية في الجانب الشرقي من الموصل، الذي سيطرت عليه القوات العراقية في يناير/كانون الثاني الماضي.
من جانبها، قالت النائبة الإيزيدية في مجلس النواب العراقي، فيان دخيل، في بيان صدر عن مكتبها، إن "داعش، جنّد هذين الشقيقين بعدما خطفهما وقام بغسل دماغيهما، حتى دفعهما لتنفيذ تلك العمليتين الإرهابيتين".
وبينت أن "عائلة هذين الشقيقين كان تعدادها 35 فردا، ولم يبق منها سوى شقيقتين بائستين تعيشان بأحد خيم النزوح بمحافظة دهوك (شمال)، بعد أن قام داعش، بذبح أفراد الأسرة من الرجال أثناء اجتياح سنجار، مع قتل النساء الكبار بالعمر، فضلا عن خطف (سبي) النساء الصغيرات الفتيات، بينما الشقيقين الذين نفذا العملية الانتحارية، هما آخر الضحايا من هذه العائلة المنكوبة".
وحسب "دخيل"، فإن هناك "أكثر من ألف طفل إيزيدي موجودون بمعتقلات خاصة لدى داعش، وحذرنا سابقاً من أن يتم تجنيدهم وتحويلهم إلى قنابل موقوتة ودروع بشرية، وللأسف لم يحرك أحد ساكنا".
وأردفت قائلة: "نحن لا نعلم ما ذنب هؤلاء الأطفال الإيزيديين الذين أصبحوا ضحايا لمرتين؛ الأولى عندما تم انتزاعهم من عوائلهم، والثانية عقب تحولهم لإرهابيين انتحاريين، فقدوا حياتهم، فضلا عن تدمير عوائلهم".
وتساءلت دخيل: "يا ترى إذا ما واجهت القوات الأمنية هؤلاء الأطفال مستقبلا في معركة ما، هل سيعتبرونهم دواعش ويقتلونهم، أم سيعتبرونهم ضحايا، وربما قد يفجر هؤلاء الأطفال أنفسهم في القوات الأمنية، وعندها لا نعرف هل سنبكي على ضحايانا من الأطفال المغسولة عقولهم، أم على شهدائنا من أفراد القوات الأمنية؟".
والإيزيديون مجموعة دينية، ووفق إحصائيات غير رسمية، يقدر عددهم بنحو 600 ألف نسمة في العراق، تقطن غالبيتهم في محافظتي نينوى ودهوك (شمال)، فضلا عن وجود أعداد غير معروفة في سوريا وجورجيا وأرمينيا، وأعدادا أخرى من المغتربين في دول أوروبية أبرزها ألمانيا.