العلاقات المصرية الإسرائيلية.. “عصر ذهبي” يشهد “زوبعة عابرة”
القاهرة ـ حسين القباني:
شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية مؤخرا، 4 وقائع لن تسبب توترا حقيقيا للعصر الذهبي للعلاقات بين البلدين المتحاربتين قديما، اللتين تربطهما حاليا معاهدة سلام، وفق محللين
المحللون المختصون في أحاديث منفصلة مع الأناضول، رأوا أيضا أن الوقائع التي تشبه “زوبعة عابرة” والتي بدأت بقصف عناصر مسلحة لميناء إيلات الإسرائيلي على خليج العقبة، وانتهاء بإعلان إسرائيلي إعلامي عن لقاء سري تم العام الماضي بين مسؤولي 4 دول بينها مصر وإسرائيل، قد تشهد نتائج نتائج مرجحة، بينها تمرير صفقة للإفراج عن أسرى إسرائيليين محتجزين لدى حماس، وزيادة التنسيق الأمني، في إطار ضغوط من تل أبيب.
ياتي ذلك في وقت تذهب فيه تحليلات أخرى أبعد من ذلك حيث ترى أن العلاقات المصرية الإسرائيلية يمكن أن تؤسس مستقبلا لإقامة “حلف ناتو” عربي إسرائيلي في الشرق الاوسط خاصة مع تاكيدات إسرائيل بتحسن علاقاتها مع عدة دول عربية مؤخرا.
** تقلبات “الوقائع الأربعة”
ووفق رصد مراسل الأناضول، شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية الشهر الجاري 4 وقائع بارزة، تناقلتها وسائل الإعلام، وأثارت انتقادات شعبية وأنباء صحفية عن توتر مكتوم بين البلدين، وهي :
8 فبراير/ شباط (قصف إيلات ثم قصف إسرائيلي لسيناء)
أعلن بيان للجيش الإسرائيلي، اعتراض 3 صواريخ أُطلقت من سيناء المصرية تجاه مدينة إيلات، وفي اليوم التالى أعلن تنظيم “ولاية سيناء” المبايع لـ”داعش” الإرهابي، مسؤوليته، وذلك بعد نحو شهر من إعلان الجيش الإسرائيلي رسميا عن “تدريبات للوحدة الخاصة لمكافحة الإرهاب في مدينة إيلات السياحية على الحدود مع سيناء؛ لصد أي محاولة لارتكاب هجمات إرهابية”. وقبل يومين، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان مسؤولية بلاده عن غارة استهدفت تجمعا لتنظيم “أنصار بيت المقدس″ التابع لداعش في سيناء، كرد على إطلاق الصواريخ على إيلات. وعادة ما يكون ذلك بتنسيق مع القاهرة حيث ان معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لا تعطي لتل أبيب الحق في ذلك.
14 فبراير/ شباط (سحب السفير)
أكد جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، سحب السفير الإسرائيلي في القاهرة ديفيد جوفرين، وممارسته أعماله من بلاده لاعتبارات أمنية، وبعدها بأيام قال المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبوزيد في تصريحات إعلامية إن بلاده لم تخطر بالأمر وأن إسرائيل لم تحدد قائما بالأعمال مكانه.
وكان جوفرين، واجه انتقادات حادة من صحيفة الأهرام العربي (حكومية) في 24 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، ضمن ملف خاص بعنوان “السفير الإسرائيلى بالقاهرة يتجاوز الخطوط الحمراء والأعراف الدبلوماسية”، ردا على جولاته الكثيرة لاسيما لمدينة الإسكندرية الساحلية، والمسرح القومي بالقاهرة على غير المعتاد.
15 فبراير/ شباط (توطين سيناء)
قال الوزير الإسرائيلي بلا حقيبة، أيوب قرا، المعين في يناير/ كانون ثان الماضي، عبر حسابه على “تويتر”، إن رئيس حكومته بنيامين نتنياهو سيبحث مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبني ما وصفها بخطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلا من الضفة الغربية.
وبعدها بيوم نفي نتنياهو وكذلك الخارجية المصرية صحة ذلك بشكل قاطع.
19 فبراير/ شباط (اللقاء السري)
تحدثت الإذاعة الإسرائيلية العامة (رسمية) وصحيفة “هآرتس″ عن عقد قمة رباعية سرية العام الماضي، لبحث السلام، بمشاركة نتنياهو، والسيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، ووزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جون كيري، في مدينة العقبة الأردنية.
وجاء ذلك وسط تقارير صحفية نشرت مؤخرا تتحدث عن تبرم إسرائيل من عدم استقبال رسمي مصري لمسؤوليها، وسط تقارب القاهرة مع حركة “حماس″ الفلسطينية، واستقبال لرموزها لاسيما إسماعيل هنية ووفد أمني حمساوي الشهر الماضي لبحث ملفات ثنائية لم يعلن عنها بشكل رسمي.
عصر ذهبي
في ضوء تلك الوقائع، يتوقع المفكر المصري، محمد عصمت سيف الدولة، في حديث للأناضول، أن تبقى العلاقات المصرية الإسرائيلية في ما يصفه بـ” عصرها الذهبي” وألا تواجه “مشاكل أو أزمة حقيقية” رغم التطورات العابرة الأخيرة، واصفا إياها بأنها في “مرحلة ما فوق (اتفاقية) كامب ديفيد”، أي معاهدة السلام بين البلدين.
وأكد سيف الدولة، أن مصر لم تشهد منذ معاهدة السلام علاقات بهذا الدفء والحميمة مع إسرائيل، وقدمت كثيرا لها، أبرزه سحب المشروع المصري لإدانة القرار الإستيطان الإسرائيلي من مجلس الأمن، في نهاية العام الماضي.
بالقرب من تلك القراءة المستقبلية، يتحدث مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي) للأناضول ، عن أن “الدولتين حريصتان على ألا تتوتر علاقاتهما خاصة مع سعي مصر لمحاربة الإرهاب في سيناء وتثبيت وجودها فيها وهذا يتطلب تنسيقا مع إسرائيل يحدث بالفعل، والأخيرة ليست من مصلحتها أن تغضب مصر، التي تعد عنصرا أساسيا من عناصر الاتزان بالمنطقة”.
ويستعبد غباشي في حديثه للأناضول، وجود توتر، مستدركا “لكن يمكن أن يكون هناك اختلاف في الرؤي حول عدد من الأمور (لم يحددها) كشفها سحب السفير دون أن يؤثر على العلاقة بل قد يطورها “.
وفي السياق ذاته، يؤكد طارق فهمي، رئيس الوحدة الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط (غير حكومي)، للأناضول أنه “لا أزمة حقيقية بين البلدين”، متوقعا أن “تبقي العلاقات ثابتة خاصة وإسرائيل مطالبة بالاستجابة للسلام الذي تطرحه مصر”.
في المقابل يرى جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن (غير حكومي) في حديث للأناضول، أن العلاقات المصرية الإسرائيلية في سلام بارد يشهد حاليا عدم استقرار، مضيفا :”سيستمر ذلك في المستقبل القريب مع ضغوط إسرائيلية وعرقلتها لعملية السلام، مستدركا “لكن لا إرهاصات تشير لسوء علاقات قريبة”.
ووقعت مصر وإسرائيل معاهدة للسلام العام 1979، بعد 4 حروب بينهما، وبعيداً عن العلاقات الرسمية، تبقى قطاعات واسعة من المصريين رافضة للتطبيع مع إسرائيل.
ماذا وراء التقلبات الأربعة؟
يرى المفكر القومي المصري، محمد سيف الدولة، أن التصريحات الإسرائيلية عن التوطين التي تلت توجيه صواريخ من مصر، “تأتي في سياقات توجيه فتنة بين الشعبيين الفلسطيني والمصري، وتكون مرتبطة عادة بعدوان قادم محتمل على غزة، عبر تسريبات عن توطين الفلسطينيين في سيناء”.
ويضيف “صواريخ الجماعة الانفصالية المسلحة (في إشارة لولاية سيناء) إما مسرحية لجلب تعاطف باعتبارها جماعة تحارب إسرائيل، أو أنها بالفعل وهذا ما أرجحه مخترقة إسرائيليا إن لم تكن إحدى أدوات تل أبيب، وأن ما تم كان بتنسيق وإيعاز إسرائيلي ضمن حركة نقل في لعبة شطرنح إسرائيلية لإعادة الحديث القديم عن تدويل أمن سيناء (وضعها أمنيا تحت إشراف دولي كامل)”.
ويستبعد سيف الدولة، تبرم إسرائيل من التقارب المصري الحمساوي، قائلا ” أعتقد أن إسرائيل طلبت من مصر أن تتوسط في قضية الأسرى الإسرائيليين، ولأجل ذلك فهناك نوع من التسهيلات على معبر رفح، في ظل ترتيبات تجريها مصر برغبة إسرائيلية بشأن المستقبل السياسي لمحمد دحلان (قيادي فلسطيني مفصول من حركة فتح)”.
وفي 8 فبراير/ شباط الجاري، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، بعد أيام من زيارة حركته لمصر، إن دولا عدة تواصلت مع حماس من أجل الحصول على معلومات بشأن الجنود الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، وذلك بعد ساعات قليلة على إعلان كتائب القسام الجناح المسلح لحماس، تلقيها عروضاً إسرائيلية عبر وسطاء (لم تسمهم) لإجراء صفقة تبادل أسرى جديدة.
مخاوف أمنية
ويعرب سيف الدولة عن اقتناعه أن خطوة عودة السفير الإسرائيلي بالقاهرة ديفيد جوفرين لبلاده للعمل “ضمن اعتراضه على قيود تفرض على تحركاته والمخاوف الأمنية على حياته”.
التفسير الأخير، لمغادرة جوفرين، يتفق معه، الأكاديمي، طارق فهمي، قائلا: “لم يتم السحب أو الاستدعاء بالمعني (الدبلوماسي) المعروف، لكن هناك تخوفات من إسرائيل لإمكانية تعرضه إلى خطر”.
ويستدرك ” لكن هذا كلام قديم (في إشارة لما يتداول عن مغادرة السفير للقاهرة في ديسمبر/ كانون أول الماضي)، والسؤال لماذا يعود الحديث عنه الآن”، قبل أن يجيب “هذا ربما مرتبط بإطلاق الصواريخ على إيلات، واستشعار إسرائيل أنها باتت مستهدفة”.
فهمي يشير أيضا لواقعة الوزير الإسرائيلي وحديثه عن توطين فلسطيني في سيناء، بأنه يأتي في هذا السياق الشكلي، مضيفا “هناك من يعبث ويحاول أن يختبر الردود المصرية، ويزج بمصر في أوقات مدروسة ومهمة للحديث عن مشاريع إسرائيلية قديمة وخبيثة، وأحسنت مصر بنفيها السريع″.
ويعتبر أن علاقة مصر بحماس لا يجب أن تغضب إسرائيل، معتبرا أن مصر منفتحة على الجميع ضمن سياق طبيعي يبحث عن المصالح المشتركة الفلسطينية المصرية.
ضغوط
التحركات الإسرائيلية الأخيرة، يفسرها جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن، بأنها “ضغوط على مصر لمحاولة كسب تأييد أكبر على حساب سيناء والقضية الفلسطينية التي لا تريد إسرائيل أن تدخلها مرحلة سلام دائم”.
ويعتبر الحمد، أن إسرائيل ترى رغبة مصرية في لعب دور جديد متعلق بالأساس بأمن سيناء والقضية الفلسطينية وهو ما لا ترغب فيه تل أبيب
ومنذ وصول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي الذي يحكم البلاد منذ يونيو/حزيران 2014، شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية تقارباً كبيراً، برز في زيارتين لسامح شكري وزير خارجية مصر، إلى تل أبيب أولهما في يوليو/ تموز الماضي، كانت أول زيارة لمسؤول مصري رفيع المستوى منذ أكثر من 9 سنوات، وثانيها أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي للمشاركة في جنازة رئيس إسرائيل السابق، شيمون بيريز. الأناضول