الاردن: الحقيقة التائهة في وعود الرئيس!
2017-02-22 00:00:00 - المصدر: راي اليوم
موسى العدوان
عندما جاء دولة الرئيس هاني الملقي إلى رئاسة الحكومة، لم نفرح به لأنه أقدر من سابقه على إدارة الحكومة، بقدر ما فرحنا لإزالة كابوس النسور الذي جثم على صدورنا لأربعة سنوات عجاف. خلال تلك السنوات خدع دولته الشعب الأردني بكلماته المعسولة وبشعاره المرعب : ” إما رفع الضرائب أو انهيار الدينار “. واستغل دولته هذا الشعار في محاربة الشعب بلقمة عيشه، من خلال أسلوب الجباية المجحف، الذي سنّه في إدارة الحكومة ومدّ يدها إلى جيب المواطن الفقير قبل غيره.
جاءت حكومة الملقي لترث تركة حكومة النسور في أواخر عام 2016، فاستقبلناها بفتور وحذر، إذ لم تترك الحكومة السابقة أمامها مجال للمناورة وتدبير أمور الدولة الاقتصادية سوى تلك الخطيئة التي سنها سلفه في الجباية. ومع هذا فقد كان لدينا بصيص أمل بالقادم الجديد، باعتباره رجل اقتصاد ساهم في العديد من الدراسات والمشاريع الاقتصادية، إلى جانب الأمير الحسن في عقود ثلاث خلال النصف الثاني من القرن الماضي.
كانت أولى إشارات الفشل الاقتصادي في حكومة الملقي الأولي يتمثل في الأداء الضعيف لأشخاصها، حيث صرح في جلساته الخاصة بأنها ليست حكومته. ثم شكل حكومته الثانية التي يفترض بأنها حكومته وحظيت بثقة مجلس النواب الثامن عشر، حامل الختم المطاطي لكل ما تطلبه الحكومة، من فرض للضرائب والقوانين التي تثقل كاهل المواطنين.
وبعد تولي دولته مسؤولية الحكم للمرة الثانية، بدأ بإطلاق التصريحات المطمئنة للمواطنين من بينها : ” أن الحكومة خادمة للشعب، وأنها ستلتزم بعدم تحميل المواطنين أعباء معيشية جديدة والتخفيف عن كاهلهم. وزيّن تصريحاته تلك ببعض العبارات الرنانة مثل: إزالة التشوهات التي تشوب ضريبة المبيعات، تحفيز النشاط الاقتصادي، تحقيق إصلاح إداري عميق قادر على إدارة التحديات، زيادة الإنتاجية، تقديم خدمات حكومية بكفاءة وفاعلية بعيدا عن الروتين أو تأخير إنجاز معاملات المواطنين والمستثمرين، محاربة جميع أشكال الفساد المالي والإداري، تعزيز منظومة القيم في العمل العام.
وهنا يخطر ببالي المثل الشعبي المصري: ” أسمع كلامك يعجبني أشوف فعايلك أتعجب ” فهل تستطيع يا دولة الرئيس أنت وفريقك الاقتصادي وحتى حكومتك أن تنفذ هذه الوعود ؟ وماذا حققت منها خلال توليك الحكم قبل أكثر من ستة أشهر ؟ سمعنا منك كلاما جميلا ولكننا لم نلمس على أرض الواقع إلاّ عجبا. فعلى سبيل المثال تم تدمير قطاع السياحة العلاجية وحرمنا من دخل 75 ألف زائر سنويا، استمر هروب كبار وصغار المستثمرين، تردي الأوضاع الزراعية والصناعية والتجارية، مضافا إليها قطاعي النقل والإنشاءات، وتفشي الرشوة والفساد في مختلف دوائر الدولة، واستمرار الترهل الإداري، إزدياد وتيرة الجباية في كل ما يتعلق بمصالح المواطنين، والتي يصعب سردها في هذا المقال. والأمر الذي أعجب له هو، كيف يمكن للحكومة أن تحصّل ضريبة الجميد ومقدارها 4 % من الرعاة في البوادي والأرياف ؟ وبالمقابل يُقام حفل موسيقي بمبلغ 100 ألف دينار في العقبة، ولكنه ألغي بعد أن افتضح أمره ؟
في مقابلة لدولة الرئيس الملقي على شاشة التلفزيون الأردني مساء يوم الجمعة 10 / 2 / 2017، بشرّنا دولته بأن الوضع الاقتصادي في المملكة بخير، وأننا مررنا بأزمة اقتصادية أصعب من هذه في عام 1989 وتجاوزناها بجدارة. وهذا كلام صحيح ولكن عندما كانت الدولة في تلك الأيام تملك مواردها وأصولها المنتجة، التي كانت تدر عليها عائدات مالية ترفد الخزينة. أما اليوم فقد أصبحت الدولة يتيمة بأغصان عارية، بعد أن جردها الفاسدون من كل أملاكها، وتحولت إلى الجباية من جيب المواطنين، أو انتظار المنح والمساعدات الخارجية، التي غابت عن الوصول.
أعتقد أن دولته يتحدث إلينا من مكتبه في الدوار الرابع، وبناء على ما يقدم إليه من تقارير كتابية وشفوية، بعيدا عن نبض الشارع. ونصيحتي لدولته إذا أراد أن يعرف الحقيقة أن يرتدي الفوتيك أو الجينز ( أيهما يفضل ) وينزل متخفيا إلى الشارع، ثم يراجع الدوائر المختلفة والمستشفيات الحكومية كما يفعل المواطنون، ليعرف كيف يجري العمل هناك.
وفي يوم آخر يخصصه دولته شهريا على الأقل ليزور القرى القريبة والنائية ابتداء من ” قرية الجواسره ” والتي تقع في الغور الأوسط ، ثم يتبعها بزيارات لاحقة إلى قرى الجنوب مثل : صرفه، محي، أبو ترابه، قريقره، صنفحه، أم القطين، دير الكهف وغيرها من القرى الأردنية التي لا ترى مسؤولا حكوميا يتجشم عناء السفر إليها ويلبي احتياجاتها.
على الدولة أن تستهدف في سياستها سعادة مواطنيها، والتي تتحقق من خلال الارتقاء بمستوى معيشتهم وحل المشاكل التي تعترض سبيلهم، وتحقيق العدالة بينهم، وتنظيم سلوكهم بالقوانين المنطقية، ومنحهم الحرية المنضبطة، والسماح لهم بالمشاركة في القرارات التي تمس حياتهم. وهذه أمور تعزز أمنهم كأشخاص وتنعكس بالتالي على أمن الوطن.
يقول الدكتور عاطف الغمري في وصفه للعلاقة بين المواطنين والدولة : ” أن الدولة أشبه بكيان يمشي على ساقين هما الحكم والناس. وإذا استغنى المسؤول بنفسه عن الناس ولعب الدورين معا – دورهم ودوره – فهو كمن يمشي بساق واحدة. وإن فعل فهو متعثر الخطى، منتكس الاتزان، عاجز عن أن يصلب طولا أو يثبت قدما “.
لا شك بأن هنالك أعداء كثيرون للإنسان في هذه الحياة، ولكن عدوه الحقيقي في المفهوم العام، ليس مجرد الخصم الذي يناصبه العداء أو يقوم بالاشتباك معه، بل أن عدوه في كيان المصالح الاقتصادية هو : ” خط الحياة ” بما يمثله من شريان تتدفق منه الدماء، لتبقيه على قيد الحياة. ولهذا نرجو أن تكون وعود دولته قابلة للتطبيق، لا أن تكون تائهة بين التصريحات والنظريات.