اخبار العراق الان

ميزان القوى الفاعلة على خارطة المنطقة

ميزان القوى الفاعلة على خارطة المنطقة
ميزان القوى الفاعلة على خارطة المنطقة

2017-02-23 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين


لم تكن روسيا لتغيب عن المشهد السياسي ولا إيران، فكلاهما عمق الآخر.. التلاحم الخيالي بين القطبين أشبه بسكّين في مسرحية بلا شخوص .. إيران بعمق الخيال الخصب من عمر الخيّام إلى الفردوسي تلامس روسيا بذلك التاريخ في وئام استراتيجي ... لكن هي أيضاً بلد التصادم المتواصل ضدّ تيّار اللاعبين من خلف قضاياها لحسابات الخطأ والنسيان ... هي أيضاً جاهزة مثل التاريخ إذا مسّتها الخطايا لتبرير الأخطاء بثقل الاقتصاد المقاوم والصمود.

لم تلتزم السعودية بالموقف الصلب لا تجاه أميركا ولا تجاه إسرائيل، بل التزمته ضد إيران

رسمت لروسيا – بعد أن تشابكت وتصادقت وتفاهمت مع إيران – خيوطاً مثل طريق الحرير وهاجمت بعنف قوى الشر الأميركية ومن لحق بها من بُغاة الغرب .. روسيا هي أيضاً لها لعبة مع الخيال الأرثودوكسي، لكن ليس بحدّة  "تروتسكي "، وبالتالي فإن روسيا لن تغيب عن إيران، وإيران لن تخرج عن خط السير في حقول تاريخ المنطقة .. كلاهما محكوم بالتراكمات التاريخية والإنسانية معاً، ولم تكن سوريا إلا مركز الصراع العالمي اليوم، ولا الجزائر في الدوائر الاستعمارية إلا مثل قوة الأحداث في صهريج المقاومة، الأولى(سوريا) يلفّها التاريخ برداء الجغرافيا وبانتصارها لواقعها المقاوم، والثانية (الجزائر) لا تأخذ وهجها من مجرى التاريخ بالحيّز الأكبر فيه وحسب، بل تصنع من سياقاته مبرّرات وجودها، وتفاعلها الجغرافي.
الأولى أيضا تدخّر حصاد المقاومة لتؤسّس بمنطق الصمود لمبدأ يأخذ محتوى التنوّع المذهبي الذي يحكم النظام منذ نشأته، والثانية أيضاً تتفاعل مع الخيال كلّما اجتاحتها المِحَن، فتصنع التاريخ من جديد أو ترمّم ما تشاء من أوعيته قصد بناء منطق عام تتفاعل فيه الرؤى ويتقاسم الجميع صيرورة هذا التفاعل. لم تكن أذن مساءلة التاريخ في الجزائر أو سوريا مجرّد لعبة صاغت هيكلها المقاومات والحروب التي عرفتها الجزائر وسوريا فحسب، ولا مجرّد قلادة من شمع يتفاخر بها الصبيان، بل هي مساءلة من أجل فهم الأحداث والسياق الذي يوضع فيه المستقبل، والدخول به في عمق الحركة - حركة التجديد والمقاومة -  لهذا حاولت إسرائيل مؤخراً الدخول في منعرج حقل الألغام ببحثها عن سرّ تنامي القوة العسكرية الجزائرية وقلقها من هذه القوى المتنامية، ولحساب مَن، وضدَ مَن، ولماذا؟وأخذت الأسئلة عند مُنظّري الحروب وكأنها تحفة في سياق الرحلات الاستثنائية، ونسوا أن الجزائر وسوريا البلدان الوحيدان اللذان التقى فيهما التاريخ بالجغرافيا وعرفتا بهما كيف تحوّلا الهزيمة إلى انتصار، وأن قوة الماضي فيهما عامل الحسم وحاصل رأي، وبداية لكل مرحلة مرّت أو آتية.أما السعودية فهي خارج الإطار، إذ لم تلتزم ومنذ أمد بالموقف الصلب لا تجاه أميركا ولا تجاه إسرائيل، بل التزمته ضد إيران، بل تآمرت به ضدّ المنطقة ولم تقف ضدّ إسرائيل مثلما وقفت بحدّة ضدّ إيران! هناك أخطاء يجب ملاحظتها عند الحديث عن الخطر الذي تواجهه المنطقة  والأكيد أنه لن يأتي من إيران، اللّهم إذا اعتبرنا إطاحتها للقِيَم الهشّة وأخذها بالقِيَم الفاعلة التي تقوم عليها الثقافة السياسية أو الدينية يمثل خطراً داهماً من إيران!إن الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ  حكم "أيزنهاور" وهي تخطّط لابتلاع ثرواتها، ثم هي أيضاً الحامي الأساس لدولة إسرائيل في المنطقة لتكون قاعدة عسكرية لها، وهي لم تعد تخفى ولاءها لإسرائيل، بل تعتبرها جزءاً من ثقافتها وتاريخها. إن أميركا حين تؤسّس أنظمة حُكم وفق إرادتها، وكما أرادت من "الربيع المشؤوم "، وتنصب عليها تماثيل بشرية هم أشبه بالأوثان، فهي لا تخرّب الواقع بل تقوم بعمليات حرق لكل مقوّمات النهوض الحضاري لتلك الدول، وهذا هو الحاصل - منذ نهاية الحرب العالمية الثانية - في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تؤسّس للعداء المستمر - مع أطراف في المنطقة - ضدّ إيران بعد أن فشلت في احتوائها، وما موقف - عداء - السعودية من التيّار الفاعل والمُتصاعد بما يُعرَف بدول الممانعة، ومحاولة بثّ الفتن في المنطقة من خلال المذهبية الدينية إلا جزء من هذه اللعبة .. لكن قد يُطرح سؤال، لماذا هذا التواطؤ وما مصيره في النهاية؟ هنا أعود إلى صفقة اليمامة التي تمّت في بداية الثمانينات بين السعودية وبريطانيا، واعتبرت وقتها صفقة العمر، وقد استفاد منها الاقتصاد البريطاني وليس السعودي، وقد جاءت بالأساس كقوة ردع ضدّ إيران، وتبيّن في النهاية أنها مجرّد استهلاك لأخطاء لاحقت النظام السعودي باعتماده على المرجعية الدينية المتواطئة مع أصحاب العرش، أو المالكين للحق العام، أرضاً و تاريخاً إذا جاز لنا هذا التعبير، وإن إيران ضد هذا المنطق الانحرافي، وفي هذه الرؤى المُتأرجحة أضيف إلى إسم الملك لقب "خادم الحرمين الشريفين "! لكن تبعات تلك الصفقة كانت أخطر من محتواها فإلى الآن يطالب الرأي العام البريطاني بالكشف عما لحق بها من رشاوى وربما من تنازلات تمسّ السيادة لكلا الطرفين. والذي يحدث الآن، في صفقة القرن – صفقة  60 ملياراً أو أكثر – مع الولايات المتحدة الأميركية هو نفس السيناريو ولكن بخطأ أكثر شيوعاً في سياسة الدولتين (أمريكا، السعودية ) فالمخطّط الأميركي جاء متأخراً والاستفاقة السعودية أيضاً جاءت خلافاً للمتوقّع، ذلك أن إيران قد سبقت الأحداث المُعدّة لها مسبقاً ودخلت النادي النووي، وعالم التكنولوجيا المتطوّرة، وهي اليوم قادرة على فرض رؤيتها في المنطقة .. هناك منطق التسوية التاريخية وهو الأهم، لكن يتحاشاه الحكام العرب في "مجلس التعاون الخليجي" وليست إيران، رغم العجز الذي هم فيه، والمصير المجهول لأكثر من دولة منه في المنطقة، مع صعود اليمين المتطرّف في أوروبا.البحرين ابتلعها الأميركيون بعشرات الآلاف من جنودها وبالقواعد العسكرية أيضاً، وبما تمارسه من خطايا ضدّ شعبها، ولم تعد حتى على مستوى الشعب تفكّر في المستقبل خارج طحين إيديولوجية "الهيب هاب"، فقد فتحت أبوابها للإسرائيليين وحتى لمن أراد غير هذا فيها، فإنه غير قادر على فعل شيء أمام إسقاطات أخلاقية وسياسية تقيد بها نفسها نظراً للتآكل الذي يحاصر البلاد .. و دولة البحرين  ومنذ أن تحوّلت من الإمارة إلى ملكية بعد مقتل أميرها السابق، ظهرت بوادر الانقسام الطائفي فيها بين السنّة والشيعة بتحريض داخلي، وهي تعيش داخلياً الأزمة تلو الأخرى، ولولا ما تقوم به المخابرات الأميركية فيها لكانت الآن دولة راديكالية، على خط إيران أو على الأقل سوريا.إن المفاهيم التي تسير المنطقة لم تعد مناهضة لأي شيء، بما في ذلك التطبيع اللامشروط مع إسرائيل، والحقيقة أن دولاً في المنطقة ( قطر، الإمارات، الأردن، السعودية ) تقف اليوم جنباً إلى جنب في مواجهة الفلسطينيين لا الإسرائيليين، وربما هم الآن يطبّقون حرفياً مقولة الملك عبد الله الأول " اليد(الأميركية) التي لا تقدر عليها بوسها " .. فهل من الحكمة التضحية بمستقبل شعب بكامله من أجل توريث حكم هو في الأصل حكم غير رشيد .. ثم هل من الخير لحاكم طوال حكمه والمشانق تعمل ضدّ معارضيه وهم على بيّنة من أمره وضعفه السياسي .. ويراه مجرّد قطيع!!حين يتحوّل شعب بكامله إلى قطيع تقيّده الملاحقات السياسية وتستثنى فيه الزمر والطوائف والشيَع، و يوزّع اقتصاد البلاد على هؤلاء .. أليس هذا  هو منطق فرعون حين قال للسحرة بعد أن قالوا له  "ألنا أجر"، فأجابهم "بلى وإنكم لمن المقرّبين" .. إن الثقافة السياسية لا تُبنى على العداوات للرأي الآخر، ولا تسلّم نفسها لمنطق الأهواء، وإلا صار كل شيء حتى الفساد سياسة منتهجة وقبوله لدى شرائح معيّنة من الناس هنا يصير أمراً بديهياً. نعم هذا هو منطق المتخلّفين من الأعراب الذين أشار إليهم القرآن الكريم، لقد تخلّفت السعودية بالنسبة لإيران بمئات السنين، والأموال التي تعطيها للغرب من أجل شراء سلاح لا يؤدّي دوره بل يأكله الصدأ بعد بضع سنين من وجوده في أرض المملكة لو سخّرته لأجل بناء مراكز بحث نووية مثل ما فعلت إيران، لكانت اليوم المنطقة محرّرة من هذا التواجد الرهيب للقوات الأميركية، وربما لفضلاتها النووية، ولأخذ الشرق الأوسط طريقاً آخر لا عداوة فيه، لكن حين تغيّب شعوبه عن دوائر صنع القرار، و يتمركز في يد العائلات تثبيتاً للسلالات، فإن الخارطة السياسية تكون بدورها قائمة على منطق الاحتواء بالقوة. وإن لم تتوفّر هذه القوة داخلياً، يؤتى بها من الخارج، وهذا هو الحاصل اليوم.نعم، أميركا صنعت الأنظمة الفاسدة وهي الآن تواجه أخطر تحدّ من هذه الأنظمة، لأنها لم تعد  في نظر  شعوب المنطقة إلا مجرّد أكوام من الراسب السياسي الهجين، تلعب به الرياح يميناً ويساراً فضلاً، عن التطوّر الهائل لدى روسيا، وهو ما دفع بالجنرال" ماكافري" إلى القول "لسوء الحظ، شهدنا عودة القوة الروسية في عهد" فلاديمير بوتين" لتشكّل تهديداً لأوروبا". هذا إذاً هو الحدث الذي شهدته الساحة السعودية ومن هم في فلكها بعد أن ثبت لدى الكل أن إيران لا تهتم بما تقوله الولايات المتحدة الأميركية، ولا مجلس الأمن ، طالما أنها تسير وفق التزاماتها الدولية، وهذا المنطق لو أخذت به بقية الأطراف الأخرى لكانت اليوم المنطقة في مستوى سياسي و حضاري يفوق ما هو عليه الغرب جميعه.

المصدر: الميادين نت

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً