اخبار العراق الان

«العمال الكردستاني» وسردياته المفخخة: بين صورة أوجلان «الزاهد»... وصورته زعيماً أبدياً

«العمال الكردستاني» وسردياته المفخخة: بين صورة أوجلان «الزاهد»... وصورته زعيماً أبدياً
«العمال الكردستاني» وسردياته المفخخة: بين صورة أوجلان «الزاهد»... وصورته زعيماً أبدياً

2017-02-25 00:00:00 - المصدر: باسنيوز


يخبرنا التاريخ بأن الأحزاب العقائديّة - الأيديولوجيّة، الدينيّة منها واليساريّة، في مطالع تجاربها تبدو زاهدة، ومتقشّفة وبعيدة عن مباهج ومتاع «الدنيا»، وأقرب إلى الجماعات الصوفيّة. ويزدري الحزب الأيديولوجي اليساري هذه المباهج والمتاع على أنها صنيعة البرجوازيّة والرأسماليّة، ولا مناص من هجرها ومقتها، تجسيداً للشخصيّة الثوريّة البروليتاريّة الملتزمة بقضايا الاشتراكيّة وخصائص المناضل الثوري. هذا النسق من الحياة المفضي إلى هكذا نمط من التفكير، عبّرَ عن نفسه في تجربة «حزب العمال الكوردستاني»، بزعامة عبدالله أوجلان، أيّما تعبير. حيث يمكن تلمّس ذلك وبل التأكّد منه، فور مراجعة أعداد جريدة «سرخوبون» (الاستقلال)» الناطقة باسم الحزب. هذه الجريدة، كانت تصدر كمنشور سريّ متواضع بعد انطلاقة الحزب سنة 1978. وبعد مرور 4 أعوام تقريباً، مطلع 1982، صارت تصدر في ألمانيا على شكل جريدة شهرية، يتم نشر بيانات وأخبار الحزب فيها. ووفق ما هو موجود على موقعها الرسمي، ولغاية كتابة هذه الأسطر، آخر عدد صدر منها هو رقم 417، في أيلول(سبتمبر) 2016. وبعد تنزيل كل هذه الأعداد وتصفّحها، عدداً تلو آخر، أذهلني حجم الاكتشافات، ومنها:

أولاً: في الأعداد الصادرة من كانون الأول(ديسمبر) 1982 ولغاية كانون الأول 1985، صور عبدالله أوجلان، كانت نادرة النشر. ويبدو فيها رجلاً عادياً، أقرب إلى العامل الفقير. وكان أوجلان يلقّب فقط بـ «السكرتير العام للحزب». أما في الأعداد الصادرة سنة 1986، خصوصاً بعد عقد الحزب مؤتمره الثالث في سورية، وتصفية ومقتل بعض القيادات، صارت صور أوجلان تنشر بكثرة، مع الحفاظ على مظاهر الزهد البادية عليه. في حين أن الأعداد الصادرة في حقبة التسعينات، ولغاية خروج أوجلان من سورية واعتقاله واختطافه في نيروبي ونقله الى سجن جزيرة إيمرالي في شباط(فبراير) 1999، يظهر فيها أوجلان في كامل أوصاف البرجوازي، سواء على مستوى الزيّ أو الاحتفال بعيد ميلاده، ويرتاد البحر والأماكن الأثرية في سورية، محاطاً بالرفاق وهالة التقديس والتأليه، في وقت كانت الحرب بين «الكوردستاني» والجيش التركي على أشدّها، وتحصد أرواح العشرات كل أسبوع! كذلك منذ أعداد 1986 ولغاية آخر عدد صدر من الجريدة، صار أوجلان يوصف بـ «القائد، قائد الحزب، قيادة الحزب، القائد الوطني»، وصولاً للقب: «قائد الشعب الكوردي» الذي يطلقه «الكوردستاني» وإعلامه على زعيمهم المفدّى حاليّاً.

 

ثانياً: المفاجأة الأكبر بالنسبة لي، كمؤيد سابق لـ «العمال الكوردستاني»، ومدافع عنه في الإعلام الكوردي والعربي، حين كانت تدور الدوائر على الحزب، وكان مستهدفاً من التحالف بين نظام الأسد والنظام التركي (2002-2010)، وناقداً لهذا الحزب بعد الثورة في سورية، وتحالف الحزب مع نظام الأسد الابن، كانت أنني عثرت على ما يخالف ما قرأناه طيلة أعوام في أدبيات الحزب عن قصّة فقدان مظلوم دوغان لحياته، (من مؤسسي «الكوردستاني» وقياداته التاريخيّة المعتقلين في سجن دياربكر، عاصمة كوردستان تركيا)، على أنه أضرم النار بجسده في عيد النوروز يوم 21 آذار(مارس) 1982، احتجاجاً على التعذيب الرهيب الذي تعرّض له المعتقلون في سجن دياربكر. وأن مظلوم دوغان أطلق صيحته المشهورة: «المقاومة حياة» في وجه من خان الحزب، أي شاهين دونميز ويلدرم مركيت (من مؤسسي الكوردستاني)، وكان إضرامه النار بنفسه احتجاجاً على انهيار التنظيم في سجن دياربكر، بقيادة دونميز ومركيت.

 

هذه الرواية باتت راسخة في الوعي الجمعي الكوردي، المؤيد لـ «العمال الكوردستاني» وحتى المعارض له أيضاً، نتيجة التكرار والتداول طيلة عقود، (يستحيل التشكيك فيها، وبل يعتبر التشكيك فيها، بدعة ومن صنف الخيانة)، وإذا أدخل أي شخص اسم مظلوم دوغان في محركات البحث على الانترنت (Google, YouTube, Wikipedia...) سيعثر على هذه الرواية، ولكن «الكوردستاني» صاحب الرواية نفسه في جريدته «سرخوبون» الرسميّة، العدد 5، شهر أيار 1982، وفي صدر الصفحة الأولى، يذكر أن دوغان فقد حياته، إما حرقاً أو اختناقاً، نتيجة حريق شبّ في السجن. ويتهم «الكوردستاني» السلطات التركية بارتكاب مجزرة في السجن. وأن الحريق مفتعل. ولم يذكر «الكوردستاني» الحادثة إلا بعد مرور شهرين تقريباً! ولا يوجد في هذا العدد، وكل الأعداد الصادرة التي تلته لغاية نهاية 1985، أيّة إشارة إلى أنه أضرم النار بجسده وأنه صرخ: «المقاومة حياة». وكل المواد التي تتناول الحدث، تكرر أن ما حصل في السجن كان مجزرة، وأن دوغان قتل حرقاً أو خنقاً. وبعد مرور عام على الحادث، (ومرور سنة تكفي للتأكّد من تفاصيل الحدث وملابساته)، وفي عدد شهر نيسان(ابريل) سنة 1983، الصفحة 14، نشرت جريدة «سرخوبون» بياناً صادراً عن «العمال الكوردستاني» يقول فيه: «معتقلو الحرب، ومنذ 3 سنوات، وعبر تضحيات عظيمة وإصرار، يصعّدون النضال والمقاومة؛ وعضو اللجنة المركزية لحزبنا (PKK) مظلوم دوغان، ومن بعده؛ الكوادر القيادية في (PKK) فرهاد كورتاي، وأشرف وأنياك، ومحمود زنكين، الذين تم قتلهم حرقاً وخنقاً،...». ما يعني أن هنالك روايتين غير صحيحتين، لطالما روّج لها «العمال الكوردستاني» حتى هذه اللحظة، وهما:

1  ـ مظلوم دوغان، صحيح أنه مقاوم ومناضل كبير، لكنه لم يضرم النار بجسده، احتجاجاً على التعذيب، ومناهضة الخيانة وانهيار التنظيم في السجون.

 

2   ـ فرهاد كورتاي (عضو اللجنة المركزية. وهو من اقترح اسم حزب العمال الكوردستاني في مؤتمره التأسيسي سنة 1978) وأشرف آنذاك، مع نجمي أونَر ومحمود زنكين، لم يضرموا النار بأجسادهم في ليلة 17/5/1982، تضامناً مع مظلوم دوغان، وتأكيداً لقراره، كما يروي الحزب هذه الحادثة. وبالتالي، «الكوردستاني»، ووفق جريدته المركزية والبيان الصادر عنه وقتذاك، لم يكن يسوّق ويروّج للحدث على الشكل الذي روّج وسوّق له بعد منتصف الثمانينات، مضفياً مسحة من الأسطرة على قياداته، وربطهم بعيد النوروز والمقاومة ضد الخيانة.

وفي بيان آخر، منشور في الجريدة نفسها في عدد كانون الأول 1984، إشارة الى ان شاهين دونمز (أحد نائبي أوجلان في المؤتمر التأسيسي)، موجود في سجن «آلازغ» وليس في سجن دياربكر. وعليه، مظلوم دوغان لم يضرم النار بنفسه احتجاجاً على خيانة يلدرم مركيت وشاهين دونميز اللذين لم يكونا أصلاً في سجن دياربكر، وفق ما هو منشور في «سرخوبون». من جهة أخرى، فإن محامي الدفاع عن معتقلي «الكوردستاني» حسين يلدرم (موجود حالياً في السويد. انشق عن الكوردستاني سنة 1988)، وفي حوار أجرته جريدة «سرخوبون» معه، ذكر أن دوغان ورفاقه، قتلوا حرقاً واختناقاً بالدخان، في الحريق الذي شبّ في السجن.

 

كل الأعداد الصادرة عن جريدة «سرخوبون» والتي هي لسان حال «الكوردستاني»، وصفت ما حصل في سجن دياربكر، يومي 21 آذار و17 أيار 1982 بأنه مجزرة (قتلعام - KATILAM) ولم تذكر مطلقاً أن مظلوم دوغان، أضرم النار بجسده، احتجاجاً على التعذيب والخيانة.

 

إضافات «الكوردستاني» على حكاية مظلوم دوغان، وأنه أضرم النار بجسده، ربما يبررها البعض بأن الحزب كان في حاجة إلى رموز شعبيّة بهدف التحريض على المقاومة. ولكن دوغان كان رمزاً، حتى دون هذه الإضافة - الخرافة. وصور دوغان كانت ترفع في السنوات الأولى للحزب، من 1981 ولغاية 1985، اكثر من صور أوجلان. ناهيكم بقيادات أخرى لـ «الكوردستاني» كـ «خيري دورموش، كمال بير، فرهاد كورتاي...» هي أيضاً كانت رموزاً معروفة.

 

 

* كاتب كوردي سوري