أي موقف لفرنسا من الصراع السوري غداة تحرير حلب؟
"الميادين نت" تحصل على وثيقة سرية كانت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية نشرت مقتطفات منها. الوثيقة العائدة للخارجية الفرنسية تتمحور حول ما يجب أن يكون عليه الموقف الفرنسي بعد هزيمة المسلحين في حلب نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وبحسب الوثيقة هناك أولويتان، الأولى مساعدة المسلحين في "المناطق المحررة" في سوريا تحديداً في محافظة إدلب وفي الجنوب المحاذي للأردن، والثانية نسف خيار إعادة إعمار سوريا موحدة الذي عبّرت عنه ممثلة الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني.
تؤكد الوثيقة أن باريس متمسكة بشدة بموقفها أي عرقلة المشروع الروسي الإيراني في سوريا.
خصص مركز التحليل والتوقعات والاستراتيجية في كانون الثاني/ ديسمبر سلسلة من الطاولات المستديرة للصراع السوري في سياقه الإقليمي العراق وتركيا والمسألة الكردية مع باحثين في شبكة نوريا (ارثور كيسناي، فيليكس لوغراند، يوحنان بن حاييم والان كافال) بالإضافة إلى الباحث توماس بييريه الاستاذ المحاضر في جامعة ادنبره. المذكرة التالية مستلهمة من استنتاجات هؤلاء الباحثين وتحاول رسم الخطوط العريضة للموقف الفرنسي والأوروبي في السياق الجديد الذي نتج عن سقوط حلب. يبدو من الهدف المعلن لداعمي النظام السوري أنهم يريدون فرض حل سياسي على أنقاض حلب، بما يعيد الشرعية للسلطة الرسمية لبشار الأسد. النتيجة إعادة إعمار البلاد في عملية لن تمنح أوروبا أي نفوذ على النظام وحلفائه - روسيا من جهة أخرى لا تملك الوسائل ولا حتى النيّة لتسخيرها في هذه العملية. هذه العملية تمثّل من ناحية أخرى فرصة لبشار الأسد من أجل القيام بابتزاز على صعيد الأمن والمهاجرين: على أوروبا تمويل عملية إعادة إعمار سوريا التي من دونها سيكون النظام في موقع يسمح له بتحويل البلاد إلى ما يشبه الصومال وأريتيريا. أما بالنسبة للعملية السياسية فإن هدفها من وجهة نظر النظام منع أي شكل من أشكال الدعم الخارجي للمناطق التي لا تقع تحت سيطرته بذريعة ضمان سلامة أراضي البلاد. لكن لا يمكننا تجاهل هذه المناطق أقله في هذه المرحلة. النظام المرتاح في سيطرته على مناطق غرب سوريا الأكثر اكتظاظاً وغنى، لا يسيطر بشكل جيد على المناطق التي استعادها، بل إنه يستغرق وقتاً في السيطرة على باقي الأراضي بالرغم من المساعدة المكثقة لحلفائه. إن الاتفاق بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب الذي سيكون من نتائجه تسريع استعادة السيطرة على كل سوريا من قبل النظام، لا يبدو مؤكداً نظراً للعدائية التي يظهرها الفريق الجديد في واشنطن تجاه إيران.
بدلاً من تنشيط دعمنا المالي للسلطات في دمشق كما تقترح موغريني سيكون من مصلحتنا إعادة تقييم الطرق من أجل العمل في المناطق المحررة مستفيدين من التراجع المنتظر في مستوى العنف في سوريا مع الأخذ بعين الاعتبار القيود التي يفرضها استمرار سيطرة الجماعات المتطرفة. يجب أن نوضح لشركائنا الأوروبيين أهمية استقرار هذه المناطق التي يحتمل أن تكون خطرة بالنسبة لنا، وإقناع الدول المجاورة لسوريا بذلك وهي التي تواجه مثلنا الحاجة لإبعاد شبح سيطرة التطرف على المناطق النائية في سوريا.
1.بشار وحلفاؤه: حل سياسي لاستعادة الشرعية والتطبيع
تدور تكهنات في أوساط المراقبين عن تقاسم سوريا الموحدة على شكل مناطق نفوذ
أ.حلب، الموصل، والرقة: الرمزية والنتائج
أخذ حلب في البداية مسألة رمزية. لقد تمكن النظام وحلفاؤه من استعادة درّة تاج المعارضة السياسية والعسكرية التي تراجعت تدريجياً اليوم. استعادة داعش لتدمر بالتزامن مع ذلك تدل على النموذج الذي يحاول الروس فرضه، أي وضع بشار الأسد وجهاً لوجه مع داعش، الذي يعتبر أكثر فائدة للنظام من قوات المعارضة التي تمّ القضاء عليها في حلب.
استعادة المدينة تمثل أيضاً مكسباً استراتيجياً رئيسياً، حيث ضمن النظام سيطرة حصرية لا رجعة فيها على غرب سوريا، الأكثر كثافة من حيث السكان والأكثر غنى. حلفاء النظام انتصروا (إيران وروسيا). الدول الراعية للمعارضة تجني الثمار المرّة لانخراطها المتقدم (الأردن والسعودية وتركيا على وجه الخصوص) أو لتراجعها الاستراتيجي (إدارة أوباما). وأوروبا تكتشف عجزها عن التأثير في الأزمات التي تهدد أمنها مباشرة. وتدور تكهنات في أوساط المراقبين عن تقاسم سوريا الموحدة على شكل مناطق نفوذ يمكن أن يتبلور مع تراجع حدّة المعارك.ـ سوريا الغربية التي استمات النظام من أجل استعادتها تتبع للمحور الممتد من السويداء جنوباً إلى حلب شمالاً، وتضمّ دمشق واللاذقية. عسكرياً مما لا شك فيه أن النظام سيسعى بعد حلب لتعزيز قبضته من خلال تطهير آخر جيوب المتمردين في ضاحية دمشق وشمال حماة وحمص. ـ شمال سوريا، من عفرين إلى الحسكة حيث تتنازع السيطرة عليها القوات الكردية (قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني) وتركيا. مصير مدينة الرقة، المعقل الأخير لداعش والذي يقع على أبواب هذه المنطقة، معلّق على نتيجة هذه المعركة على النفوذ بين القوات الكردية وتركيا. وهذه الأخيرة تتفاوض مباشرة مع موسكو بشأن الحفاظ على مصالحها في هذه المنطقة، والتي لا تتلاقى بالضرورة مع مصالحنا: استعادة سريعة للرقة هي أولوية بالنسبة لأمننا القومي، بمعزل عن اللاعبين، بما في ذلك الكرد. على جبهة أخرى تكتسب محافظة إدلب أهمية خاصة. فالمنطقة التي تسيطر عليها عسكرياً فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً التابعة رسمياً للقاعدة) شكلت في الوقت نفسه ملاذاً ليس فقط لمقاتلي الفصائل الأخرى التي استسلمت (اليوم في حلب وبالأمس في داريا) بل لشخصيات من المجتمع المدني وهيئات الحكم التي أنشئت بين عامي 2012 و2016.ـ الشرق الممتد من دير الزور إلى تدمر، يتميز باستمرار التهديد الذي يمثله داعش (وصولاً إلى الرقة). الاستعادة المفاجئة لتدمر منتصف كانون الثاني/ ديسمبر تظهر أن لداعش مستقبلاً في سوريا أكثر من العراق. إن نتائج معركة الموصل ستؤثر على نحو مباشر على موازين القوى في هذه المنطقة من سوريا: على المدى القصير لجهة تدحرج قوة داعش من الموصل إلى الرقة، وعلى المدى البعيد لجهة تكرار أخطاء بغداد في حكم المناطق السنية العراقية التي تحاذي منطقة كردية تبدو فريسة لصراع الاخوة. ويكمن الخطر في بلورة دولة "سنستان" تحدها أراضي السلطات الشيعية في بغداد وفي دمشق (أو التي تبدو كذلك بالنسبة لدمشق).ـ الجنوب، حول درعا تحديداً، هذه المنطقة التي يتواجد فيها عدد كبير من المقاتلين (بين 10 آلاف و30 الف مقاتل) تحت قيادة "جبهة الجنوب"، التي تضمّ كتائب معتدلة مكلّفة من قبل الأردن بالاتفاق مع الولايات المتحدة والسعودية، بمهمة حراسة الحدود ومواجهة الجماعات التابعة لداعش (جيش خالد بن الوليد).
بعد ما باتت محسومة استعادة حلب، سيحاول التحالف الروسي الإيراني والنظام فرض حل سياسي على المعارضة
ب.إعادة الشرعية لبشار الأسد ونزع المصداقية عن أي بديل
بعد ما باتت محسومة استعادة حلب، سيحاول التحالف الروسي الإيراني والنظام فرض حل سياسي على المعارضة (التمرد) استسلام من دون شروط. فيما ستكون أولويتنا وقف التدخل العسكري الروسي الإيراني، سيرغب النظام بضمانة سلامة أراضيه، من خلال منح وعود للكرد بحكم ذاتي ولا مركزية إدارية للجميع. نحن نتشارك هذا الهدف لكن يجب ألا ننخدع: في الواقع فإن الاتفاق يهدف من وجهة نظر النظام إلى تكريس ثلاثة مكاسب رئيسية له هي:ـ الاعتراف السياسي بهزيمة الغرب ورعاة المعارضة.ـ اعتبار كل نموذج بديل في المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام غير قانونيـ إعادة الشرعية الرسمية لسلطة بشار الأسد بما في ذلك على المناطق التي لا يسيطر عليها
لعل ما هو أكثر أهمية بالنسبة للتحالف المؤيد لبشار الأسد هو اختلاف مكوناته حول استراتيجيتها ما بعد حلب. سيواصل بشار الأسد طموحه باستعادة كل الأراضي السورية. لكن الروس والإيرانيين قد يعتبرون أن الأهم قد تحقق من خلال استعادة "سوريا المفيدة". هذا ما يفسّر الدعم الروسي لقرارنا بإخلاء المدنيين في حلب: الأهم الآن هو الاستعداد للتبعات السياسية لانتصار حلب. إن الاتفاق على نشر مراقبين يشير إلى أن روسيا حققت كل أهدافها من الحرب في سوريا. إيران التي بات وجودها راسخاً في سوريا الآن، ليس من مصلحتها مواصلة دفع ثمن بشري وسياسي ومالي لتحقيق طموحات بشار الأسد.
من الآن فصاعداً، سترتفع بعض الأصوات للتعبير عن أمنياتها بإعادة إعمار سوريا.
ج. "الرافعة الاقتصادية" أو الوهم بأن ما فشلنا بتحقيقة بالقوة يمكن تحقيقه بالمال
من الآن فصاعداً، سترتفع بعض الأصوات للتعبير عن أمنياتها بإعادة إعمار سوريا. تتحدث بروكسل عن أفكار جديدة للحكم في سوريا في المستقبل، مستوحية أفكار محاورينا الإيرانيين (النظام البرلماني، إجراء انتخابات) أو الروس (اللامركزية). موضوع إعادة الإعمار أو "استقرار" سوريا الذي عبّر عنه عبد الله الدردري نائب الأمينة التنفيذية للجنة للأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، ... خلال هزيمة المعارضة (التمرد) وهو يقدّم على أنه يشكل رافعة اقتصادية للشركاء فيها. ويفتقر النظام للموارد المالية والسياسية التي تسمح له بإدارة عملية إعادة الإعمار. الروس والإيرانيون لا يمتلكون الوسائل لتقديم الـ300 مليار دولار الضرورية لإعادة الإعمار وفق الدردري. بالنسبة للأوروبيين كان من المناسب التوصل بأسرع وقت ممكن إلى سلام من خلال المفاوضات (السلام يمكن أن يضعف النظام أكثر مما تفعل الحرب)، وفتح قناة نقاش اقتصادي وتحديد شروطنا السياسية بما يتعلق بتقديم المساعدة الاقتصادية.
2.كيف يمكن الحفاظ على مصالحنا
أ.ساعة إعادة إعمار سوريا الموحدة لم تدق بعد للأسف
أ. ـ من خلال الانتصار المأساوي الباهظ الثمن لحلب - استعادة حقل من الدمار- وأيضاً استعادة داعش لتدمر، يمكن القول إن النظام لا يمتلك القدرات على استعادة المناطق لوحده. يمكنه فعل ذلك بمساعدة حلفائه لكن الثمن سيكون باهظاً وفي مهل غير مؤكدة ومن دون وجود أدنى ضمانة على قدرته على إعادة الاستقرار للمناطق التي يسيطر عليها.
ـ بعد طردها من المدن الرئيسية، تنحو المعارضة (التمرد) صوب التطرف أكثر. ويبدو أننا أمام بدء مرحلة من مكافحة التمرد على الطريقة العراقية في "سوريا المفيدة" ستستمر طويلاً. في ظل حالة التمذهب القصوى، لا يمكن أن ينجم عن هذا الصراع بين النظام الشيعي والعصابات في الشوارع والأحياء السنية إلا مزيداً من العنف. ـ في هذا السياق فإن عملية إعادة إعمار سوريا التي يطرحها البعض تبدو بمثابة أداة جديدة لابتزاز المجتمع الدولي أكثر من كونها رافعة اقتصادية للمانحين الأوروبيين على النظام السوري: ويبدو أن بشار الأسد الذي أعاد سيطرته على المناطق المهدمة وعلى اقتصاد غير قادر على الاستجابة لمتطلبات المواطنين، في موقع يسمح له بتهديد أوروبا بتحويل بلاده إلى أريتيريا الشرق الأوسط، مصدر المهاجرين والإرهاب لقرون.
نملك كل الأسباب للقلق من "سوريا الهامشية" التي تضم معارضة سوف تذبل بالكامل وتتحوّل إلى التطرف
ب . لذلك ليس من مصلحتنا دفع المعارضة باتجاه تقديم تنازلات لا تسمح بتحقيق استقرار فعلي على الأرضإن اتفاقاً سياسياً وطنياً يعيد بالمبدأ سلطة النظام على كل الأراضي السورية سيجعل دعمنا للمناطق غير الخاضعة لسيطرة دمشق خصوصاً في الشمال والجنوب، والرقة يوماً ما، غير شرعي. لكننا نملك كل الأسباب للقلق من "سوريا الهامشية" التي تضم معارضة (معارضة سياسية غير مسلحة) سوف تذبل بالكامل وتتحوّل إلى التطرف (جماعات مسلحة) كما هو الحال دائماً كلما فشلت في محاربة بشار الأسد. في الواقع، بمعزل عن وهم قدرة المعارضة المقسّمة والمحبطة والتي جرى إضعافها، على مواصلة القتال صد النظام أو إعادة إحياء روح ثورية لدي السوريين الذين سحقتهم الدولة، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار خيارات لا تزال بين أيدينا: ـ المعارضة تمارس شكلاً من أشكال السيطرة على أراض سيستغرق النظام وقتاً من أجل استعادتها. هل ستتكرر الظروف التي أدت إلى استعادة حلب (تخلي تركيا عن دعمها لوكلائها في المدينة) في الرقة، أو إدلب، أو دير الزور أو حتى في الجنوب؟ مثل هذا السيناريو يفترض تخلياً كاملاً لرعاة المعارضة الإقليميين (تركيا، قطر، السعودية، الأردن) عن الجماعات التي يدعمونها، لمصلحة تفاهم بين روسيا والولايات المتحدة كما يقول البعض. تحقيق هذا السيناريو يتطلب الإجابة على السؤال التالي: هل الإدارة الأميركية الجديدة ستقبل بصيغة تقتضي عملياً تسليم سوريا للنفوذ الإيراني؟
ـ لدى المعارضة كفاءات مدنية وفي مجال الحكم واكبناها منذ 2012 والتي تأخذها بعين الاعتبار استراتيجية الاستقرار والتعاون لفرنسا في سوريا (المناطق المحررة):
ـ من مصلحتنا في هذه المناطق التفكير بالوسائل للحيلولة دون تطرف مقاتلي المعارضة، وهو ما يتوقعه البعض، في ظل تراجع والعزلة المتزايدة للمعارضة. ـ من دون التقليل من التحديات التي يفرضها وجود الجماعات المتطرفة في المناطق التي سنستهدفها (بمعنى إعادة الإعمار) من المهم التصدي لديناميكية التطرف هذه من خلال التذكير أن الخطوات العملية في إعادة الإعمار والتنمية المستندة إلى معرفة بالأرض وباللاعبين المحددين الموثوق بهم، تشكل المتراس الأفضل في وجه التطرف، في سوريا مدمّرة يائسة من الحرب.
كل العمل الذي أنجزته فرنسا خلال السنوات السابقة على الأرض (غازي عنتاب، داريا) يمكن الاستفادة منه.
ج. دعم الدور الإيجابي للمعارضة في هذه المنطقة بهدف إقناع شركائنا الأوروبيين بمواصلة هذا المسار
وهكذا، بدلاً من إعادة تفعيل دعمنا المالي للسلطان في دمشق كما تقترح موغريني، يمكننا تعميق البحث عن الطرق الكفيلة بالاستفادة من التراجع المحتمل في حدة المعارك لتقديم دعم عملي لفكرة إقامة شكل من أشكال الإدارة المدنية والحكم المقبول، والذي يتوافق مع إحياء الدعم الأجنبي.
كل العمل الذي أنجزته فرنسا خلال السنوات السابقة على الأرض (غازي عنتاب، داريا) يمكن الاستفادة منه.
إن هذه الفكرة يجب أن نحملها إلى بروكسل للردّ على المحاولة المتزايدة لشركائنا الأوروبيين للتنازل عن الدعم الاقتصادي لهيئة انتقالية، والتي من شأنها تقوية النظام لا إضعافه. يجب أن نبرز الخطر المتأتي عن تطبيع علاقاتنا مع النظام بداية لأسباب استراتيجية:ـ تكريس عودة روسيا إلى المنطقة يمكن أن ينقل العدوى على سبيل المثال إلى مصر وليبيا ويحدد هوامش المناورة لدينا تجاه هؤلاء اللاعبين. ـ القبول بانتصار إيران سيضعنا في موقع الضعيف في لعبة الحفاظ على الاتفاق النووي، المهدد بالتوجهات المتشددة للإدارة الأميركية. الاعتراف بالتفوق الإيراني في المنطقة سيزيد من مخاطر إحياء سباق التسلح النووي في المنطقة، لأننا بذلك سنفقد مصداقيتنا في تقديم أنفسنا كحماة لمصالح الدول العربية في مقابل إيران. ـ إسرائيل التي تراهن على حماية نفسها من خطر حزب الله وإيران في الجنوب السوري، يمكن أن تدرك في نهاية المطاف أن هوامش المناورة الروسية تجاه إيران هي محدودة كثيراً لكي تشكل ضمانة حقيقية. ـ القبول بالتخلي عن القضية السورية، أو الهزيمة في مواجهة التدخل الروسي الإيراني، يمكن أن يتسبب بعودة اللهب العربي أو السني إلى المنطقة والعالم. التوجه إلى الشباب في المنطقة، الذي يسيطر عليهم الإحباط في مواجهة المأزق السياسي والاجتماعي سيكون خياراً ساذجاً في ظل الواقعية الأمنية على المدى القصير (بشار الأسد يقدّم نفسه على أنه النموذج المثالي لمكافحة الإرهاب) على حساب مصالحنا السياسية المتقاطعة مع المجتمعات العربية. ـ وبالتالي فإن المعطيات الجديدة في سوريا لن تحلّ مشاكلنا الأمنية على المدى القصير (لا عودة للاجئين) والمدى الطويل (استمرار حالة اللااستقرار والإرهاب). هذا الاقتراح يمكن أن يلقى صدى لدى الشركاء الذين استثمروا مثلنا وربما أكثر منا أحياناً (ألمانيا وبريطانيا) في المجالس المحلية في سوريا. ويمكن أن يكون من المفيد بمجرد تحديد الدعم وطرقه للمناطق المحررة أن نتواصل عن قرب مع شركائنا على المستوى التقني من أجل تثبيت فكرة مشتركة حول ما يمكننا القيام به.
د. ضمان الحفاظ على مصالحنا في إطار العملية السياسية
ما جرى في لوزان يؤشر إلى خطر تجاهل رأينا ومصالحنا في المحادثات التي يمكن أن تستأنف سريعاً. إعلان موسكو في 20 ديسمبر الذي تبنته إيران وتركيا في الاجتماع برئاسة لافروف يجب أن يدفعنا إلى التقارب السريع مع الأتراك لقطع الطريق على محاولات أنقرة لأخذ مكان المعارضة الشرعية ودول المنطقة والشركاء الغربيين في العملية السياسية. يجب ضمان مكان لنا في هذه العملية، على سبيل المثال من خلال لتأكيد على دور الدول الأعضاء الخمس في عملية تحت إشراف مجلس الأمن تتضمن الجانب السياسي والإنساني. إن تبني القرار الدولي في 12 ديسمبر يساعد في إضفاء الشرعية على طموحاتنا في حجز مكان لنا على طاولة المفاوضات والتأكيد على تمسكنا بإمكانية الشركاء في سوريا تقديم مساعدة إنسانية، بعيداً من العملية السياسية، التي هي مجازفة، نظراً لدينامية الخصم في الميدان. لا تزال سياسة إدارة ترامب غير معروفة. الأصداء متباينة في واشنطن وتشير إلى أنه يمكن حالياً إهمال السياسة لمصلحة المسألة الأمنية. في هذا الملف، كما في ملفات أخرى، ينتظر منّا تقديم رؤيتنا. الأولوية لدينا هي الحفاظ على مستوى التعاون مع واشنطن في مكافحة الارهاب. ويقع على عاتقنا التأكيد على أن الإرهاب لن يتراجع في المنطقة وأن استقرار سوريا لن يتحقق بتسليم سوريا للنفوذ الإيراني بل على العكس . في بروكسل، سيكون على الدول الاعضاء في الاتحاد الأوروبي اشتراط إنشاء هيئة إنتقالية في مقابل تقديم المساعدة. يتوجب علينا إقناعهم بأن رافعة إعادة الاعمار هي وهم من شأنها إضعاف موقفنا السياسي: كيف يمكن النضال من أجل معاقبة مجرمي الحرب في سوريا ومكافأتهم في الوقت عينه من خلال اعادة تقديم دعمنا الاقتصادي؟من دون شك فإنه من خلال الدعم السياسي للشركاء الأكثر انخراطاً في دعم الحكم في المناطق المحررة، بدءاً بالبريطانيين والألمان، يمكننا إعادة صياغة مقاربة لإعادة الإعمار أكثر ملاءمة لنا. يجب أن نقيّم سريعاً نوايا تركيا، المنخرطة بمفاوضات مباشرة مع موسكو من أجل ضمان مصالحها في شمال سوريا، من أجل شرح هدفنا وهو عدم إضفاء الطابع المؤسساتي على تقسيم البلد بل إنشاء شكل من الحوكمة. الأردن كتركيا لن تفوتا الفرصة للتعبير عن مخاوفهما من أن الاستثمار في هذه المناطق يمكن أن يؤدي إلى عودة التوتر بين المسلحين والنظام. ويجب طمأنتهما بشأن نوايانا: الإعمار في المناطق المحاذية لمناطق سيطرة المؤسسات والعمل في الوقت نفسه على إبعاد شبح التطرف عن اللاعبين في تلك المناطق. إن مصالح دول المنطقة متوافقة مع مصالحنا لجهة إقامة مناطق عربية سنية تتمتع بحكم مستقر وسيطرة أمنية مشددة.