جيش جنوب السودان.. هل أصبح عرقيا؟ (تحليل)
جوبا/ أتيم سايمون/ الأناضول
فتحت استقالة ثلاثة من كبار قادة الجيش فى دولة جنوب السودان، الباب أمام جدل واسع بشأن قومية المؤسسة العسكرية في أحدث دولة إفريقية، ومدى التزامها بأداء واجباتها الدستورية فى حماية المدنيين خلال النزاع وعدم الانسياق وراء القادة السياسيين.
فالاستقالات الثلاثة أطلقت اتهامات للرئيس سلفاكير ميارديت وقيادة الجيش بممارسة "التطهير العرقى" ضد الإثنيات الأخرى من غير "الدينكا"، وعدم الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والمعارضة المسلحة بقيادة ريك مشار في أغسطس/ آب 2015، وهو ما نفاه المتحدث باسم الرئاسة في تصريح للأناضول.
وفي 11 فبراير/ شباط الجاري، أعلن الفريق توماس شريلو، نائب رئيس هيئة الأركان، استقالته من منصبه؛ احتجاجاً على ما قال في خطاب استقالته، إنه عدم التزام الحكومة بتنفيذ اتفاق السلام.
وصراحة، اتهم شريلو، الرئيس سلفاكير وقيادة الجيش بأنهم "قاموا وبشكل ممنهج، بتعطيل تنفيذ بنود اتفاق السلام، وفرض أجندة قبلية عن طريق مجلس أعيان الدينكا، لتفيذ سياسة تطهير عرقي، وتشريد المدنيين العزل من أراضيهم من أجل الهيمنة على البلاد، لذا لا يمكنني الاستمرار والوجود في مؤسسة تقوم بتدمير البلاد".
وتأسس "مجلس أعيان الدينكا" في 2013، ويضم 45 عضوا غير منتخب، أغلبهم برلمانيون، يمثلون مختلف بطون وعشائر قبيلة "الدينكا"، ذات الأغلبية السكانية في جنوب السودان، والتي ينتمي لها سلفاكير.
وخلال أقل من أسبوع من استقالة شريلو، قدم كل من الجنرال هنري أوياي نياقو، المستشار العام مدير القضاء العسكري، والجنرال خالد أونو، وهو مستشار بالقضاء العسكرى، استقالتيهما من الجيش، متهمين أيضا نظام سلفاكير بـارتكاب "جرائم حرب وتطهير عرقي".
وفي أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أعلن الفريق بافينج منجتويل، نائب رئيس أركان الجيش لشؤون التوجيه، استقالته، بسبب ما قال إنه انتهاك سلفاكير لبنود اتفاق السلام.
** الجيش.. "مؤسسة قومية"
على الجانب الحكومي، نفى اتينج ويك اتينج، المتحدث باسم رئيس جنوب السودان، فى تصريح للأناضول، صحة اتهامات الجنرالات الثلاثة المستقيلين مؤخرا للجيش، مشددا على أنه "مؤسسة قومية".
وأضاف اتينج أن "هذه المسألة لا يجب تصويرها على أنها مسألة عرقية متهمة فيها قبيلة الدينكا، فالجيش الشعبي لتحرير السودان مؤسسة قومية يضم جميع القوميات والعرقيات الموجودة فى البلاد.. هذه اتهامات غير حقيقية، وإذا كان الجيش تابع لقومية الدينكا، فلماذا قبلوا بالعمل فيه من البداية (؟!)".
وفى أول رد فعل على استقالة الفريق شريلو، قال المتحدث باسم الجيش لوال رواى كوانغ، في تصريحات صحيفة، إن سبب الاستقالة هو "تورطه فى الفساد وسوء إدارة أموال الجيش ومخصصاته"، دون مزيد من التفاصيل.
** الجنرالات في الخارج
وبحسب مراسل الأناضول، فإن الجنرالات المستقيلين متواجدين خارج أراضى جنوب السودان، ولم يعلن أي منهم انضمامه إلى المعارضة المسلحة التى تحارب الحكومة المركزية فى العاصمة جوبا.
ومنذ عام 2013، تشهد جنوب السودان جولات من حرب قبلية بين قوات سلفاكير، وقوات مشار (النوير- ثاني أكبر قبيلة)، دارت أحدثها بالعاصمة، في يوليو/ تموز الماضي، وأسقطت أكثر من 200 قتيل، وشردت قرابة 36 ألف آخرين.
وبدأ تكوين الجيش فى جنوب السودان بداية 1983 كجناح ثورى للحركة الشعبية، الحزب الحاكم فى جنوب السودان (قبل الانفصال)، إلى أن تم تحويله إلى جيش حكومى بعد استقلال جنوب السودان فى يوليو/ تموز 2011.
لكن الجيش انقسم على نفسه فى أحداث 2013، حيث انشقت عنه مجموعة كبيرة، أغلبها من "النوير"، بقيادة مشار، معلنة تكوين المعارضة المسلحة، بينما تشكل مجموعة الدينكا الغالبية العظمى فى الجيش الحكومى الموالى للرئيس سلفاكير.
** جرائم حرب
ووفق خبير عسكرى فى جنوب السودان، فضل عدم نشر اسمه لدواع أمنية، فإن "الاستقالات الأخيرة من الجيش تعبر عن حالة إحباط شعر بها هؤلاء القادة؛ بسبب انعدام المؤسسية، وغياب مبدأ الشفافية والمحاسبة، خاصة بشأن جرائم حرب وقعت بحق المدنيين فى مناطق أعالى النيل (شمال شرق)، المنحدر منها القائد هنرى نياقو، وإقليم الإستوائية (جنوب)، المنتمي إليه الفريق توماس شريلو".
وشدد الخبير العسكري في حديث للأناضول، على "وجود اتهامات خطيرة للجيش باستهداف المدنيين على أسس عرقية، تقابله تصريحات رسمية متكررة عن التزام الجيش بمحاكمة المجرمين، دون أن تكون هناك نتائج ملموسة على أرض الواقع".
وتتهم الأمم المتحدة ومنظمات حقوية دولية القوات الحكومية فى جنوب السودان بممارسة "القتل والاغتصاب الممنهج" ضد المدنيين فى مناطق الصراع بأعالى النيل والإستوائية وولاية الوحدة (شمال غرب).
وتحذر تلك المنظمات من خطر الإبادة الجماعية فى ظل إفلات الضالعين فى تلك الجرائم من العقاب، مما يشكل تهديدا كبيرا لعملية السلام والاستقرار فى الدولة التي تعاني انهيارا اقتصاديا منذ 3 سنوات.
وفي ظل الحرب الأهلية المتواصلة، أعلنت الحكومة المركزية في جويا، الأسبوع الماضي، وللمرة الأولى، أن مناطق في جنوب السودان، البالغ عدد سكانه 12.3 مليون نسمة وفق تقديرات غير رسمية، تعاني من المجاعة.