مؤتمر جنیف الرابع حول الأزمة السوریة وشعوذة ممثل منظمة الأمم المتحدة
بعد الانتصارات الباهرة التي حققتها القوات العسكرية السورية والقوات الحليفة لها في مختلف سوح القتال ولا سيما في مدينة حلب، أقيمت ثلاثة اجتماعات متوالية في العاصمة الكازاخية آستانه حضرها مسؤولون سياسيون وعسكريون أجانب معنيون بالشأن السوري إلى جانب ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة وذلك بهدف وقف إطلاق النار والعمل على عدم نقضه عبر تقديم ضمانات من قبل كلّ من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا وتركيا، حيث تم الاتفاق على أصل الموضوع ووقعت اتفاقية خاصة بذلك.
وبعد هذه الاجتماعات الثلاثة المكثفة دعا ممثل منظمة الأمم المتحدة المعني بالأزمة السورية ستيفان ديمستورا إلى إقامة اجتماع رابع لمواصلة المفاوضات في العاصمة السويسرية جنيف، وأكد على مسألتين أساسيتين هما:
أولاً: اللجنة التي تمثل المعارضة السورية في اجتماع جنيف يجب أن تتكون من ثلاثة مكونات هي معارضة الرياض باعتبارها اللجنة الاستشارية العليا في المفاوضات، ومعارضة موسكو ومعارضة القاهرة.
وقد برر ديمستورا رفض معارضة الرياض لمعارضتي روسيا ومصر قائلاً: إذا لم يحدث اتفاق بهذا الشأن سوف اضطر لتشكيل وفد المعارضة حسب ما أراه مناسباً.
ثانياً: برنامج العمل الخاص بهذا الاجتماع يجب وأن يتضمن الخطوط الأساسية لتشكيل حكومة انتقالية تتولى مهمة تدوين دستور جديد لسوريا وتشرف على إقامة انتخابات حرة.
وعلى هذا الأساس عقد في الأسبوع الماضي الاجتماع الرابع بين الحكومة السورية ووفد المعارضة في مدينة جنيف ، وبالفعل فقد نجح ممثل الأمم المتحدة في الملف السوري ستيفان ديمستورا بإيجاد تركيبة أكثر شمولية للمعارضة السورية في إطار وفد موحد مقابل وفد الحكومة السورية، حيث استمع الوفدان لكلمة ديمستورا لدى افتتاحه الاجتماع بشكل رسمي، وفي ختام المرحلة الأولى من المفاوضات تبادل أعضاء الوفدين التحية فيما بينهم وهذا الأمر يعد مؤشراً على زوال بعض العقبات التي كانت تحول دون حدوث تقارب سوري سوري جراء الصراعات السياسية والعسكرية المحتدمة على الأراضي السورية.
في الوهلة الأولى من المفاوضات بدى وأن كل شيء يجري على ما يرام وسط تفاؤل كبير في التوصل إلى حل مناسب للأزمة السورية، وهذه الحالة شهدتها أيضاً اجتماعات آستانه الثلاثة، رغم أن التجربة الكبيرة لستيفان ديمستورا حول الملف السوري قد اضطرته للإدلاء بتصريحات تتناغم مع مستوى الترقب العالمي حول نتائج المفاوضات.
في نهاية الجولة الأولى من مفاوضات جنيف الأخيرة بادر ديمستورا إلى توزيع مذكرة بين أعضاء الوفدين المفاوضين، حيث تتضمن خارطة طريق للجولات المقبلة وطلب منهم أن يتداولوا حولها لبيان رأيهم بها. هذه المذكرة التي ترتكز بشكل أساسي على قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 2254 الخاص بالأزمة السورية، تؤكد على أن الأطراف المشاركة في مفاوضات جنيف لا بد وأن يمضوا ثلاث مراحل لكي يتوصلوا إلى حل سياسي مناسب، وهي كما يلي:
المرحلة الأولى: تأسيس حكومة أو إدارة رسمية أو كتلة سياسية تحظى بثقة كافة أطياف الشعب السوري ولا تتبنى توجهات طائفية.
المرحلة الثانية: وضع جدول زمني محدد لتدوين دستور جديد للبلاد.
المرحلة الثالثة: إقامة انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة وعلى أساس الدستور الجديد.
وقد اعتمد ستيفان ديمستورا على تجاربه السابقة في المفاوضات التي أجريت بين مختلف أطراف الأزمة السورية وحاول اجتناب طرح المواضيع التي أسفرت سابقاً عن فشل المفاوضات كما أعرب عن شجبه للإرهاب وأكد على ضرورة وضع حل مناسب لمحاربة هذه الظاهرة الإجرامية، والطريف أن هذه المواقف قد دعت إليها الحكومة السورية سابقاً وأكدت عليها إلى حد كبير، إلا أن الأطراف المعارضة لم يكن يرق لها ذلك وجراء مواقفها المتعنتة آنذاك تسببت في إفشال جميع المفاوضات التي أجريت سابقاً.
هذه المرحلة من المفاوضات السورية شهدت تقدماً ملحوظاً في توحيد وجهات النظر بين مختلف الأطراف تزامناً مع وقوع حادثة إرهابية في مدينة حمص راح ضحيتها أكثر من 50 مواطناً وعسكرياً سورياً، ولكن حينما طالب الوفد السوري من ممثل منظمة الامم المتحدة ستيفان ديمستورا بشجبها بشكل رسمي ومطالبة وفد المعارضة بذلك، رفض وقال إنها ليست مدرجة على جدول أعمال المفاوضات الجارية في جنيف، وإنما هي مدرجة على جدول أعمال مفاوضات أستانه السابقة!
نلاحظ من هذا الموقف العجيب أن ديمستورا على صعيد محاربة الإرهاب يحاول إلقاء الكرة في ملعب مفاوضات العاصمة الكازاخية أستانه، لذا يمكن اعتباره تصرفه هذا بأنه ضرب من الشعوذة لكونه يشابه ألعاب الخداع البصري عن طريق حركات خفة اليد، وقد يكون هروب إلى الأمام إثر احتمال فشل المفاوضات الجارية في العاصمة السويسرية جنيف، بل وقد يكون مؤشراً صريحاً على عدم جديته في وضع حل أساسي للأزمة التي تعصف بسوريا لكونه يحث الخطى فقط لوضع خارطة طريق يتم على أساسها تغيير نظام الحكم في دمشق فحسب.
ويبدو أن الوفد الممثل للحكومة الشرعية السورية كان عليه قبل الولوج في معترك المفاوضات أن يمارس ضغوطاً حول قضية شجب الإرهاب الذي يعتبر اليوم أهم مسألة تراود هاجس الرأي العام الدولي، لذا كان الحرب بالإخوة السوريين أولاً طرح آلية مناسبة لمواجهة الإرهاب على ستيفان ديمستورا، وكما هو واضح غاية الوضوح فالشعب السوري بجميع مكوناته يرغب في اجتثاث جذور الإرهاب الأعمى الذي أحرق الحرث والنسل، وهذه الرغبة الشعبية تفوق كل الرغبات الأخرى وبما فيها رغبة البعض في تغيير نظام الحكم، وهي في الحقيقة مطلب إقليمي وعالمي، إذ إن الفكر الإرهابي قد زعزع أوضاع جميع البلدان ولم يعد يقتصر على منطقتنا فقط.
والجدير بالذكر هنا أن جميع الساسة والخبراء الإقليميين والدوليين يؤكدون بأن السبب الأساسي في انتشار الإرهاب على الأراضي السورية هو ثمرة لتضعيف حكومة دمشق جراء الحروب الداخلية الدامية، حيث يقولون إن الأحداث الإرهابية التي شهدتها الساحة السورية قد تسرت إلى البلدان الإوروبية أيضاً، لذا هناك هواجس وخشية من نوايا ستيفان ديمستورا المبطنة، فهو قد يروم من مفاوضات جنيف تنفيذ مشروع جديد يتم على أساس تضعيف الحكومة المركزية السورية بشكل أكثر بغية تقوية جبهة المعارضة، ومن هذا المنطلق يجب عليه التصريح بشكل رسمي لوسائل الإعلام حول كيفية الربط بين اجتماعات أستانه واجتماع جنيف لتحقيق النتائج التي تم الاتفاق عليها مسبقا، فيا ترى هل أن هذه الاجتماعات هي مكملة لاجتماعات الأستانه؟ وما هي الآلية التي تضمن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اجتماعات أستانه؟ وما مدى شمولية القرارات التي سيتم اتخاذها في اجتماع جنيف؟ وما هي الأولويات التي ينبغي تسليط الضوء عليها في كل هذه الاجتماعات وكيف يمكن تطبيقها على أرض الواقع؟ فهل كل هذه المسائل الغامضة تضمنتها وثيقة ستيفان ديمستورا بحيث يمكن وضع حلول لها في نهاية المطاف إثر اتفاق جماعي شامل أو لا؟
/ انتهى /