الديمقراطية لا تنتهي دفعة واحدة بل تتآكل بتآكل عناصرها الاهم ولا يبقى من الديمقراطية الفارغة سوى عنصر الانتخابات التي تجعل الاغلبية طغيانا
2017-03-01 00:00:00 - المصدر: راي اليوم
بقلم: يوسي دهان
الديمقراطيات لا تختفي بين ليلة وضحاها. فهي تتآكل رويدا رويدا. الحكم ينزع بالتدريج قشرة إثر قشرة وما يتبقَ هو ما يسمى في الادبيات “الديمقراطية الفارغة” – كتلك التي تغيب عنها عناصر جوهرية مثل احترام حقوق الانسان وحقوق الاقلية، المساواة امام القانون، الاعلام الحر، سلطات إدارية مهنية لا توجهها اعتبارات غريبة، جهاز قضائي مستقل، ومجتمع مدني تعددي لا يقوم الحكم بملاحقته.
العنصر الاخير الذي يتبقى في الديمقراطية الفارغة هو العنصر الرسمي للانتخابات التي تجري بين الحين والاخر والتي تصبح فيه الاغلبية طغيانا. ومشروع القانون الجديد للنائبة شولي معلم رفائيلي من البيت اليهودي، والذي يوضع هذه الايام على طاولة الكنيست، هو تعبير آخر على مسيرة هذا الافراغ للديمقراطية من عناصرها الجوهرية.
مشروع القانون هذا، الذي لم يثر ضجة اعلامية أو نقاشا جماهيريا عاصفا، هو استمرار طبيعي لسياقات تشريعية هدفها ملاحقة واسكات المنظمات العاملة في المجتمع المدني الاسرائيلي من أجل حقوق الانسان، العدالة الاجتماعية، وضد الاحتلال. بدايتها في “قانون الجمعيات”، الذي عملت عليه وزيرة العدل باسم قيمة الشفافية – قانون يلزم الجمعيات المدعومة من الدول الاجنبية بالاعلان عن مصادر تمويلها أمام مسجل الجمعيات وكذا الاشارة الى ذلك في منشوراتها. وبشكل غير مصادف يتبين من فحص أجراه مسجل الجمعيات أن 25 من بين 27 جمعية ينطبق عليها القانون هي منظمات تتماثل مع اليسار وهو لا ينطبق على أي منظمة في اليمين. اما مشروع القانون الجيد لمعلم رفائيلي فيبالغ في الفعل ويقرر بان تلك الجمعيات لن تحظى باعفاء من دفع الرسوم (الذي يمنح اليوم للجمعيات) حين تتوجه على أساس قانون حرية المعلومات بالطلب من الوزارات الحكومية وسلطات المعلومات. فضلا عن ذلك، فانها ستلزم بدفع رسوم مضاعفة. لا تحاول معلم رفائيلي الاختباء وراء خطاب كاذب من “الشفافية”، بل تعلن على الملأ بان مشروع القانون يستهدف مكافحة من تعتبرهم اعداء الدولة، منظمات وصفها رفيقها في الكتلة، نيسان سلوميانسكي بـ “الطابور الخامس″.
بذات الروح للعادة البرلمانية المتمثلة بالوصم بالعار على جبين المواطنين والمس بحقوقهم، تقدم قبل شهرين النائب عوديد بورير (اسرائيل بيتنا) بمشروع قانون يلزم هذه الجمعيات بان تكشف في كل وثيقة ترفعها الى المحكمة حقيقة أن بعضا من تمويلها يأتي من دول أجنبية.
ليس مفاجئا أن النائبين معلم رفائيلي وبورير يعملان كرسولين للحركة اليمينية “ان شئتم” التي بادرت الى مشاريع القوانين هذه – حركة استثمرت في السنوات الاخيرة جهودا ومالا كثيرا – بما في ذلك تبرعات خفية من هيئات مجهولة لا ينطبق مطلب “شفافية” قانون الجمعيات عليها، في حملات عامة تستهدف مطاردة واستهداف “المغروسين” بصفتهم خونة على حد تعبيرها، من أفراد ومنظمات يعارضون فكرها القومي المتطرف والمناهض للديمقراطية.
وينضم الى التمييز، الملاحقة والمس بالحق في حرية التنظيم لمنظمات المجتمع المدني التحريض المتواصل من رئيس الوزراء وبعض من وزراء تجاه السكان العرب، الذين يوصمون كارهابيين. كما ينضم هذا الى “قانون التسوية” الذي يسلب ممتلكات الفلسطينيين في المناطق والذي سن – رغم معارضة المستشار القانوني للحكومة – وبالتعارض مع الالتزامات الدولية للدولة. يضاف الى ذلك المس بالبث العام المستقل، محاكم التفتيش القومية الدينية الارثوذكسية في جهاز التعليم والرقابة السياسية التي تشترط تمويل المؤسسات الثقافية بتقييد حرية التعبير.
ان هتافات الفرح التي انطلقت في معسكر اليمين على انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة عبرت عن الفرح بانتخاب حليف ايديولوجي يشارك في فكر الديمقراطية الفارغة. كما أن هتافات النصر على تعيين أربعة قضاة جدد للمحكمة العليا تعبر عن الفرح باضعاف المؤسسة والأمل الا تزعج في المستقبل رئيس الوزراء، وزراءه ونواب مثل شولي معلم رفائيلي وعوديد بورير من تحقيق رؤياهم.
يديعوت – 1/3/2017