ما بعد المباراة | زيدان.. تمسَّك بقناعاتك ولا تلتفت للضغوطات الثانوية
التحليل الفني لتعادل الريال الدراماتيكي مع لاس بالماس...
تحليل | عمرو عبد العزيز
خرج ريال مدريد بنقطة بطعم الفوز، من مباراته أمام ضيفه لاس بالماس، التي جرت على ملعب "سانتياجو بيرنابيو"، وانتهت بتعادل مُثير بثلاثة أهداف لكل فريق، بعد أن ظل الفريق الضيف متقدمًا بثلاثة أهداف لهدف حتى الدقائق الأربع الأخيرة.
بهذه النتيجة، يكون النادي الملكي، قد خسر الصدارة، بفارق نقطة عن البرسا، لكن يبقى لرجال زين الدين زيدان مباراة أقل، فيما حافظ لاس بالماس على مكانه في المركز الحادي عشر، بـ29 نقطة.
دعونا نحلل أداء الفريقين ...
ريال مدريد | لا تُغيِّر في فريقٍ فائزٍ أبداً |
1- وقع زيزو تحت وطأة 3 ضغوطاتٍ رئيسيةٍ قبل مباراة الليلة. الأول، كان الفوز الكبير لغريمه التقليدي برشلونة على خيخون في وقتٍ سابقٍ من أمسٍ الأربعاء وخطفه لصدارة الترتيب مؤقتاً من الميرينجي... الثاني، تلاحم المباريات بشكلٍ مُرهقٍ في الفترة الأخيرة واضطراره للمداورة بين لاعبيه العائدين مؤخراً من رحلةٍ شاقةٍ فازوا خلالها بأعجوبةٍ في فالنسيا على فياريال... أما الثالث، فكان رغبة المدرب الفرنسي في احتواء التصريحات الغاضبة للاعبين، مثل إيسكو وموراتا اللذين عبَّرا مؤخراً عن تفكيرهما في الرحيل بسبب عدم الحصول على دقائق اللعب الكافية مع الفريق.
2- في رأيي، أن الضغط الرئيسي على زيدان، والذي كان من الأجدر به أن يهتم به، هو الأول الذي يتعلق بخطف البارسا للصدارة، فهدفك الرئيسي والمطلوب من إدارة رئيسك بيريز هو الفوز بالليجا، سواءً تحقق هذا الإنجاز بتجاهل المطالب الفردية لبعض اللاعبين الذين لا ينظرون للأمور سوى من منظورهم الضيق دون الالتفات للمصلحة العامة للفريق، أو ببعض الضحايا من جرَّاء الإصابة أو الإرهاق، فلا ننسى أن الريال قد اضطر لخوض فترةٍ كبيرةٍ من الدور الأول للموسم الجاري دون بيل بداعي الإصابة، إلا أن هذا لم يؤثر على مسيرة انتصارات الفريق.
3- للأسف، انساق مدرب الريال قبل مبارة الليلة -دون الخوض فيما إذا كان هذا الانسياق باختياره أو مفروضاً عليه- خلف الضغطين الثاني والثالث وتناسى الضغط الأول والأهم، معتقداً أن Grinta -روح لاعبيه- ستجلب له الـ3 نقاط في نهاية المطاف، مهما كانت صعوبة الخصم، متسلحاً بما حدث في المباراة الأخيرة خارج الديار أمام فياريال حينما عاد من التأخر بهدفين نظيفين ليحقق فوزاً متأخراً بـ2-3، فما بالكم وهو يلعب اليوم مع خصمٍ أضعف نسبياً داخل الديار... متناسياً المثل القائل "لا تسلم الجرة في كل مرة".
4- مزج زيزو بين سعيه للمداورة بين لاعبيه لتفادي الإرهاق نتيجة الجدول المزدحم الذي يفرض عليه مواجهة إيبار خارج أرضه بعد غدٍ السبت في الليجا ثم السفر لموقعة إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا أمام نابولي في ملعب سان باولو، وبين رغبته في إرضاء إيسكو المتمرد، أو موراتا الغاضب من تفضيل بنزيمة عليه، خصوصاً في ظل تألق الثنائي الإسباني لدى مشاركتهما في المباريات الأخيرة للفريق عقب تلك التصريحات الغاضبة.
5- بدأ زيدان بإيسكو وموراتا أساسيين في تلك المباراة إلى جانب رونالدو وبيل في خط المقدمة، فيما أجرى مزيداً من التعديلات على قوامه الأساسي بإشراك كوفاشيتش في المنتصف إلى جوار كروس مع إراحة الثنائي مودريتش وكاسيميرو، قبل أن يمتد الترقيع لخط دفاعه بالتضحية بقلب الدفاع الخبير بيبي لصالح البدء بناتشو أساسياً إلى جوار راموس.
6- في ظل تلك المعطيات وأمام فريقٍ قويٍ هجومياً ويعشق السيطرة على الكرة، كانت إراحة كاسيميرو ومودريتش دفعةً واحدةً تحديداً أشبه بالانتحار دفاعياً، فكوفاشيتش وكروس مع كامل الاحترام لهما ليسا متخصصين في استرجاع الكرة، وهذا ما يجعلنا نستغرب لجوء زيزو إلى تطبيق أسلوب الضغط العالي والاندفاع الهجومي بشكلٍ مُبالغٍ فيه وهو لا يمتلك الأدوات التي تساعده على تطبيق ذلك الفكر سواءً من ناحية استخلاص الكرة ووأد هجمات الخصم في مهدها ولا حتى من ناحية حسن التصرف في الكرة سريعاً أمام خصمٍ يلعب هو الآخر بالسرعة القصوى ويضغط بقوةٍ دائماً.
7- تقودنا النقطة السابقة للتعجب من شئٍ آخر، لماذا هذا الاندفاع الهجومي "الانتحاري" الدائم من راموس؟ نعم، نتفهم أنه يمتلك روحاً كبيرةً ورغبةً دائمةً في المساعدة هجومياً بسلاح رأسيته المتقنة الغني عن التعريف داخل منطقة الجزاء، ولكن هذا الأمر يُحبذ أن يكون أمام الفرق المنغلقة على نفسها دفاعياً، لا أمام الفرق التي يتبادل لاعبوها السيطرة معك بالتساوي ويتحلوا بالسرعة القصوى في شن هجماتهم المرتدة مثل الفريق الكاناري، وهو ما يجعل راموس مسؤولاً بشكلٍ رئيسيٍ عن الأهداف الـ3 التي ولجت شباك فريقه في تلك المباراة.
راموس اندفع بشكلٍ أهوج تجاه تانا في لقطة الهدف الأول، فراوغه الأخير بسهولةٍ وانفرد بالمرمى وسدد صاروخيةً في شباك نافاس من داخل منطقة الجزاء في الشوط الأول، ولم يتعلم قائد البلانكوس من خطأه رغم النقص العددي بطرد بيل في الشوط الثاني، بل واصل اندفاعه بشكلٍ أكثر هياجاً، وبالرغم من أنه كاد يحقق مبتغاه بتسجيل هدفٍ لولا اصطدام تسديدته بالعارضة خلال إحدى العرضيات، إلا أنه تسبب في الهدف الثاني أيضاً باندفاعه المبالغ فيه تجاه بواتينج مما أسفر عن ركلة الجزاء عقب انزلاق راموس وتعمده للمس الكرة باليد، قبل أن يختتم مباراته الكارثية بالتقدم كثيراً للأمام وترك بواتينج وحيداً في مواجهة نافاس في لقطة الهدف الثالث للضيوف... نحن هنا نتحدث عن مدافعٍ يلعب على أعلى مستوى في الليجا وأوروبا، وليس مدافعٍ هاوٍ يلعب كرةً هجوميةً من أجل إمتاع الجماهير المجنونة بكرة القدم في أمريكا الجنوبية.
8- لكي لا نظلم إيسكو، فقد قدَّم نصف ساعةً أولى غايةً في الروعة، من حيث التحرك من الخلف للأمام والوصول لمنطقة الجزاء استغلالاً لانشغال المدافعين بالثلاثي BBM -موراتا بدلاً من بنزيمة في تلك الحالة- مما أسفر عن هدف الريال الأول -بغض النظر عن كونه من تسللٍ أم لا- وكاد أن يتسبب في هدفٍ ثانٍ بعد استلام إيسكو لتمريرةٍ من بيل داخل المنطقة وتوغله قبل أن يرسل تمريرةً لم يستغلها رونالدو وموراتا بالشكل المطلوب بعدها بدقائق... لكن مشكلة إيسكو الحقيقية تكمن في ضعف أدواره الدفاعية -إذا ما قارنناه بمودريتش الذي جلس احتياطياً له في تلك المباراة-، خصوصاً أمام فريقٍ شرسٍ هجومياً ويعتمد على الزيادة العددية بأكثر من لاعبٍ في مناطق خصومه مثل لاس بالماس، فلم يستخلص أية كرة ولم يفز بأي التحامٍ ثنائي.
9- تأخر زيدان كثيراً في الإبقاء على إيسكو وموراتا ولم يقدم على تغييرهما سوى بعد التأخر بالهدفين الثاني والثالث، مشركاً فاسكيز بدلاً من الأول يميناً لتنشيط تلك الجبهة التي اندثرت بعد طرد بيل الذي كان نقطةً فارقةً في تلك المباراة، ومشركاً بنزيمة بدلاً من الثاني في خط الهجوم لتخفيف العبء عن كاهل رونالدو الذي أثبتت كل المعطيات ارتياحه في اللعب أكثر بجوار المتحرك على الأطراف وغير الأناني بنزيمة مقارنةً باللعب مع المهاجم الكلاسيكي موراتا الذي يبحث دائماً عن إنهاء الهجمات بنفسه دون الالتفات كثيراً للمشاركة في العمل الجماعي لفريقه في الثلث الهجومي من الملعب... أما دخول خاميس، فقد كان لتنشيط وسط الميدان في ظل الإرهاق الواضح على كوفاشيتش، وعدم إمكانية الاستغناء عن التمريرات الطولية المتقنة من كروس بإخراجه من الملعبـ حتى لو لم يكن في أفضل حالاته البدنية في تلك المباراة.
10- ليس أدلُّ على تنفس رونالدو الصعداء بدخول بنزيمة من تسجيله لهدفي إنقاذ ماء وجه فريقه وخروجه متعادلاً في الدقائق القاتلة من زمن اللقاء، مما يجعلنا نعود للنقطتين الأولى والثانية، ونطالب زيدان بألا يستمع للانتقادات الدائمة الموجهة لبنزيمة الذي يتفنن أحياناً في إضاعة الفرص السهلة من انفراداتٍ محسومة، كتلك التي أهدرها بعد دخوله بدقائقٍ قليلةٍ في مباراة اليوم من عرضيةٍ رائعةٍ لفاسكيز، فقد أثبتت التجربة أن البدء بمواطنه هو الأنسب للريال -مع انتفاء شبهة مجاملة ابن جلدته- وأثبتت مباراة اليوم والمباراة الماضية أيضاً أن دخول موراتا في الشوط الثاني حينما تكون دفاعات الخصوم منهكة، أفضل كثيراً من بدئه للمباريات، بسبب قلة التركيز التي يعاني منها ونقص خبرته في قراءة سير اللقاء... على سبيل المثال، عانى مهاجم لاروخا من الوقوع في مصيدة التسلل وتم إلغاء 3 أهدافٍ له، فيما كان منم المفترض عليه أن يقرأ طريقة لعب لاس بالماس جيداً واعتمادهم على تلك المصيدة منذ بداية المباراة، لكي يتفاداى الوقوع فيها، ولكن، لم يحدث ذلك.
لاس بالماس | شوط المدربين خذلك يا سيتيان! |
1- يقول المثل الشهير: الشئ الحلو لا يكتمل حتى النهاية... وهذا بالضبط ما يمكننا قياسه على المدرب كيكي سيتيان وفريقه في تلك المباراة.
2- أن تقدم شوطاً أولاً غايةً في الروعة وتنهيه بتعادلٍ إيجابيٍ مستحقٍ مع الريال في البيرنابيو، وتخدمك الظروف -بطرد بيل- في بداية الشوط الثاني لتضيف الهدفين الثاني والثالث لتجد نفسك متفوقاً بفارق هدفين بعد مرور ساعةٍ على بداية اللقاء... لا يعفيك ذلك من مسؤولية إلقاء اللوم عليك في إدارة شوط المدربين، أو لنكن أكثر دقةً، إدارة نصف الساعة الأخيرة من زمن المباراة تحديداً.
3- مدرب الفريق الكناري تمسك بجرأته الكبيرة وأسلوبه الجذاب في السيطرة على الكرة ونقل الكرة سريعاً من مناطق الدفاع للهجوم دون إهدار الكثير من الوقت في البناء في الخلف أو الخوف من الضغط الوهمي -التحليق- المتبع من جانب زيدان وفريقه منذ بداية تلك المباراة. لم يخش اسم بطل أوروبا ولا سمعته العريقة بين جماهيره وعلى أرضية ملعبه، بل بادله الهجمة بالهجمة والاستحواذ بمثله (51% للريال مقابل 49% للاس بالماس في المجمل)، مع فرض مصيدة التسلل ببراعة -أجبر الريال على الوقوع فيها 8 مراتٍ وإلغاء 3 أهدافٍ له بسببها- وعدم خشية تطبيقها أمام فريقٍ يمتلك سرعاتٍ قصوى كرونالدو، بيل وموراتا في خط هجومه.
4- تفوق الضيوف أيضاً في معركة الوسط بشكلٍ كبير، بفضل وجود الثنائي روكي ميسا وفيثينتي جوميز ولعبهما دوراً مؤثراً في الضغط القوي على حامل الكرة واستخلاصها منه.
5- نواصل هنا الإشادة بقدرة سيتيان على تعويض غياب مهاجمه الأساسي الكرواتي ماركو ليفايا بنظيره "الوهمي" الغاني المخضرم "برينس بواتينج"، والذي سبب إزعاجاً كبيراً لراموس ورفاقه في الخط الخلفي للريال وتمكن من المشاركة في بناء الهدف الثاني وتسجيل الهدف الثالث بنفسه بفضل خبرته الكبيرة وربما عصبيته المفرطة، والتي قد تكون ذات فائدةٍ في بعض الأحيان، رغم أنها كادت أن تكلفه الخروج من المباراة مطروداً قبل أن يفطن مدربه لذلك الأمر ويقرر استبداله قبل ثلث ساعةٍ على النهاية.
6- نشيد أيضاً بتعامل مدرب الفريق الأصفر مع الإصابة المبكرة المزعجة لمدافعه بيجاس وتعويضه بأوليفا في منتصف الشوط الأول.
7- النقطة السيئة والتي كانت فاصلةً في عودة الريال التاريخية في الدقائق الأخيرة بتلك المباراة، هي الدفع بعديم الخبرة هاليلوفيتش في مكان أفضل لاعبي اللقاء من جانب لاس بالماس "جوناثان فييرا"، فالأخير قام بدور صانع الألعاب والعقل المدبر لفريقه سواءً من حيث تسجيل الهدف الثاني وصناعة الهدف الثالث، أو حتى من حيث براعته الكبيرة في الحفاظ على الكرة في مناطق الخصم -وهو أمرٌ لو تعلمون عظيمٌ إذا كان هذا الخصم بحجم متصدر الليجا وعملاق أوروبا ريال مدريد- فقد كان ثاني أكثر اللاعبين لمساً للكرة (86 لمسة ونسبة دقة تمريرات 92%) بين لاعبي الفريقين بعد زميله لاعب الوسط المدافع روكي ميسا (92 لمسة ونسبة دقة تمريرات 91%)، مع أفضليةٍ واضحةٍ لفييرا تحديداً لأنه كما قلنا كان يلعب متقدماً تحت ضغطٍ مباشرٍ من لاعبي وسط ومدافعي الخصم بعكس ميسا الذي كان يلعب متأخراً نسبياً في وسط ميدان فريقه حيث يقل ضغط الخصم بطبيعة الحال.
8- كانت مراوغات فييرا مستفزةً لأبعد الحدود بسبب بروده وهدوء أعصابه الشديدين وسلاسة طريقة لعبه -كعازفو الكمان على سفينة تايتانيك أثناء غرقها- مما أسفر عن انفجار غضب بيل بعدما تم إحراقه هو شخصياً بنيران المراوغات السهلة للفنان الكاناري -المظلوم بتجاهل منتخب إسبانيا له- وتسبب هذا الأمر في طرد بيل الذي كان مفصلياً في بداية الشوط الثاني.
9- كان من الأجدر بسيتيان إن كان ولابد فاعلاً بإخراج فييرا -ربما للإرهاق الكبير- أن يدفع بلاعبٍ خبيرٍ في تعطيل اللعب واستفزاز الخصم في الدقائق الأخيرة لتضييع الوقت على غرار الخبير مومو -34 عاماً- الذي شارك مع الفريق في 17 مباراةٍ هذا الموسم حتى الآن، وليس بموهبةٍ صاعدةٍ -20 عاماً- تسعى للعب لإبراز اسمها فقط مثل هاليلوفيتش -القادم من هامبورج الألماني على سبيل الإعارة في يناير الماضي فقط- الذي كان متسرعاً وأنانياً بشكلٍ كبيرٍ مما تسبب في فقدانه للعديد من الكرات في ربع الساعة الأخيرة والحاسمة التي شارك خلالها في تلك المباراة، مما كان له بالغ الأثر في المساهمة في عودة الريال في النتيجة بشكلٍ أو بآخرٍ إلى جانب عواملٍ أخرى كالإرهاق، نقص الخبرة الذي أصاب الضيوف فضلاً عن الضغوطات الكبيرة الملقاة على عاتقهم أصلاً أمام خصمٍ شرسٍ وكبيرٍ على أرضه وأمام جماهيره، مما أدى لضياع الـ3 نقاط والاكتفاء بنقطةٍ يتيمةٍ في نهاية المطاف.
تابع عمرو عبد العزيز |